الشذوذ الجنسي في "مختلف عليه" بين المعايشة والرفض

  •  

     

    بقلم :  د .هبة صالح

    رئيس معهد تكنولوجيا المعلومات

     

    في هذا الشأن ينهال علينا الكثير من الأخبار والقصص الداعمة لسماحة وتحضر الغرب وتقدمهم فى التعايش ودعم ومساواة الحقوق مع هذا الآخر المختلف، فضلا عن قنوات الترويج لها.

    وفى مجتمعاتنا، تخرج من وقت لآخر أصوات تطرق باب هذه القضية ليس من منظور علاجها وحماية مجتمعاتنا والأجيال القادمة، ولكن من منظور تبنى هذا الاختلاف، فى اصرار ملح على تقليد أسوأ ما ينتجه الغرب، دون رصد أو تحليل لتداعيات هذا التبنى المطلق والتى بدأت تظهر تباعا فى هذه المجتمعات

    ففى إحدى حلقات المختلف عليه، وجدت الحديث يتسلل لاستعراض مدى قدم هذه الممارسات فى مجتمعاتنا العربية باختلاف الأديان والأزمان وكيف عايشت هذه المجتمعات الاختلاف الجنسى - البشرى الهوية والطبيعى النشأة - والذى ظهر بين العامة والقضاة ورجال الدين والأدباء والشعراء. وإن اختلفوا فى مسمياتها ووصفها بين المجون والشقاوة، إلا أن الاحتضان والمعايشة كانت إحدى السمات الحاضرة في واقعنا العربي والذي امتد لتشهد عليه العديد من الأعمال الفكرية والفنية الممتدة في مختلف الأوقات!

    يستمر الصوت في التسلل لاستعراض أداء ديمقراطى هادئ حول حقوق الآخر، فيمكث طويلا مناقشا الداعمين للشواذ والمغايريين من الحقوقيين والأدباء والناشطين والسياسيين، ثم يشير بخفة سريعة للآراء الأخرى من خلال مقطع لفيديو أحد المتحدثين باسم الدين مشيرا إلى إلقاء هذا الانسان المختلف من شاهق! موحيا بأن هذا هو رأى الدين، لتنتهى الحلقة بخلل واضح فى العرض، رأيته متسللا لفتح باب الشذوذ الجنسى تحت عنوان ظاهرة حريه، وباطنه مخاطر عديدة بدأت مؤشراتها في الظهور عند من سبقونا فى فتح هذا الباب ودون الالتفات إلى رياح ما بعد فتحه على مصراعيه

    فيا أيها الجار الإنسان في كوننا الفسيح المشترك، اسمح لى بأن أشير إلى ما لم تشر إليه في عرضك وليتسع صدرك فى تقبل رفضى لمنهاج طرحك للتبنى وللمعايشة، إعمالا بحرية التعبير التى تؤمن وأؤمن بها.

    تم التنويه في الحلقة إلى أن الدين لم يحرم الممارسة، بل حرم إتيانها دون طواعية. وأقول إن النصوص واضحة، كونها فاحشة يترك فيها الإنسان فطرته وما خلقه الله من حلال ميسر، ويسرف فيها إلى أن يعتادها ويجد رجوعه للفطرة العذبة أمرا عسيرا.. ثم أجد كثيرا من الأراء الدينية مستنيرة المنهج والتى تتحدث عن الوقاية، والعلاج النفسى والطبي في ضوء تصنيف الحالة نفسيا وفسيولوجيا، والتوعية المجتمعية، ودعم القوانين التى تحمى نسيج المجتمع ومصفوفة قيمه، لتتسق هذه الأراء مع العديد من الأراء العلمية فى مجال الطب والنفس والتي لم تتطرق لها الحلقة واكتفت بإلقاء الضوء على ما يجسد الدين وحشا لا انسانيا.

    لم تقم الحلقة برصد ومناقشة رياح ما بعد متتالية مواربة و فتح هذا الباب فى الغرب، والتي بدأت بتقبل المجاهرة علنا، ثم اعطاء حقوق الزواج، جرت خلفها حقوقا في التبنى، تلتها منظومة مجتمعية تسعى مؤسساتها وعلى رأسها الاعلام والمؤسسات الفنية والحقوقية بخطى حثيثة لترسيخ أفكار ما أطلقوا عليه السيولة الجنسية "gender fluidity"، وتقوم المؤسسات التعليمية بتجديد مناهجها لاتاحة الوعي المبكر وغسل أدمغة صغيرة وتشجيعها على تجريب كل شئ إلا ممارسة فطرتهم السليمة تحت مسمى ممارسة الحرية، ويستيقظ الأهل ليجدوا طفلهم الذكر قرر أن يرتدى فستانا، والعكس بالعكس وتحذير الأب والأم باسم القوانين الجديدة من الاعتراض أو التدخل للحديث مع أطفالهم عن هوية أضحت من ممارسات الماضي.

    وتستمر رياح هذا الباب المفتوح على مصراعيه في تشويهه لفطرة مبكرة تظهر بعض تداعياتها اليوم، ليكبر الصغير ويصبح واحدا من مراهقين عدة، مارسوا هذه الحرية المشوهة وخضعوا لعمليات تغيير جنسية من باب التجريب الذي شجعتهم عليه مجتمعاتهم، وسلبوا مع هذه السيولة والفوضى الأخلاقية، حقهم فى التوعية والتوجيه لأهمية كبح جماح النفس التواقة للملذات، فأطلقوا لها لجام ممارسة كل شئ، لتظهر منهم اليوم أصوات أخرى تجاهر بالندم خاصة بعد أن اكتشفوا احتياجهم للرجوع لفطرتهم الاولى والى عدم قدرتهم على استردادها، ثم تستمر الرياح بما لاتشتهى، ليجد العديد منهم فى انهاء حياته بسبب شاهق الحرية المشوهة حلا وملاذا من هذا الفراغ اللانهائى، لتزداد معه نسب انتحار مراهقي هذه المجتمعات، والتى تنتظرها تداعيات أخرى ستأتى حتما نتاجا لمزيد من الانغماس فى تجارب الحياة المنفلتة دون ضوابط سوى براح الحرية البشرية المزعومة.

    لم تتحدث الحلقة عن العلوم النفسية المؤكدة على أن الاكثار من التعرض لشئ والتعود عليه لا يعنى صحته وانما يعنى تعميق الانغماس وانحراف النفس عن الطريق القويم. ولم يتحدث عن منهج علمى ينادى بالفصل بين الحالات الطبية الواضحة، وبين ما نخلقه من سلوك مناهض للفطرة وما ينتج عن تفشيه تحت مسمى حرية الآخر من تشويه لأجيال قادمة وسلب حقوقها في حماية فطرتها السليمة التي خلقنا الله عليها.

    ان دعم القيم الدينية والقوانين الحامية لنسيج وبناء المجتمعات لا يعنى قهرا للحريات والا فلنفتح أبوابا أخرى من حريات زواج الجماد والأطفال والحيوانات والمحارم وكل شئ ما لم تضر، وكونها رغبة انسانية تم ممارستها طواعية!!

    أخى الانسان, ليس صحيحا أن دينى يحرضنى على قتلك، بل ينادى باعلاء قيمة الانسان وتناول قضاياه بعيدا عن سطحية النظرية الخاصة بالتعايش، وانما بسبر غور مابعد الأسطح البراقة، بالوقاية والوعى والعلاج الملائم وارساء دعائم نسيج مجتمعى وقوانين تحمى هذه الدعائم.

    لنحمى حقوقنا فى أن نعيش داخل مجتمع أحد مبادئه اعمار الأرض ذكرانا واناثا، ويعمل على حماية ودعم هذه المبادئ وحماية الأجيال القادمة. ولنحمى حقوقنا فى أن نرفض ما تدعو إليه المجتمعات الغربيه ونتناول قضايانا بما تهدى اليه أدياننا السماوية وبما نراه نحن وليس بما تفرضه هذه التيارات مهما علت أصواتها. ولنحميها باستخدام لغة الجيل الجديد ونرسخها في أغانيهم المفضلة وألعابهم الالكترونية وأفلامهم وقصصهم، ولنحتمى بالدين ورجاله، ندعمهم ولا نهدمهم، نرحل اليهم ونختلف معهم. ولننقد وننقى عاداتنا ونحييها ونطورها وأبدا لا نهجرها أونخجل منها، دورا ايجابيا هاما لكل من الأزهر والكنيسة والاعلام ووزارات الثقافة والرياضة والاعلام والتعليم مجتمعا واحدا أمام عواصف هذه الرياح.



    حمّل تطبيق Alamrakamy| عالم رقمي الآن