بقلم : خالد حسن
في ظل الحديث عن تقارب التقنيات والحوسبة السحابية فإنه من الطبيعي جدا أن نؤكد أن العلاقة بين البرمجيات مفتوحة المصدر " open source " والبرمجيات الجاهزة هي علاقة تكاملية وليس بالضرورة علاقة تنافسية وأن جميع شركات التكنولوجيا العالمية تدعم بشكل أنظمة البرمجيات مفتوحة المصدر وتقدم الأدوات للمطورين لهذه البرمجيات بوصفها تؤدى إلى زيادة وتنمية سوق التكنولوجيا وإتاحة الحلول والبرامج والتطبيقات للملايين من المؤسسات ، بمختلف أحجامها ، بتكلفة مناسبة بجانب أنها تساعد على بناء مجتمع معرفة متكامل لتقديم خدمات تكنولوجية لزيادة الإنتاجية، ورفع الكفاءة بالإضافة إلى أنها ستساهم في خفض الإنفاق الحكومي على البرمجيات وتقليل التهرب من التراخيص، وخلق فرص عمل ودعم الشركات الصغيرة والمتوسطة.
وفي الحقيقة ، كنت أشرت اكثر من مرة منذ سنوات ،في نفس هذا المكان ، إلى أن هناك العديد من الدول التي أعلنت عن تبنيها لاستراتيجية قومية لدعم صناعة البرمجيات المفنتوحة ، ومنها على سبيل المثال البرازيل والهند بعض المقاطعات في ألمانيا والصين وبعض الدول الأوروبية الأمر الذي دفع وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات منذ أكثر من 4 سنوات ، عندما كان يتولى المسئولية الصديق العزيز المهندس عاطف حلمي ، للإعلان العام عن تبني الوزارة لاستراتيجية متكاملة تستهدف دعم صناعة البرمجيات مفتوحة المصدر بالتعاون مع جمعيات المجتمع المدني المعنية بتنمية هذه البرمجيات بجانب تحديد قيادة تنسيقية للبرامج المفتوحة، وإنشاء مكتب للتبادل المعرفي ومضاعفة حجم المنظومة مفتوحة المصدر بمصر وزيادة عدد الشركات المعتمدة، وعدد البرامج .
وفي لقاء جمعني مؤخرا ، مع الدكتور حسام عثمان ـ مستشار وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات للتدريب والإبداع ورئيس مركز " الإبداع التكنولوجي وريادة الأعمال " تيك" أنه يتم استكمال إنشاء أول بوابة متخصصة في دعم وتنمية صناعة البرمجيات مفتوحة المصدر وزيادة الوعي المجتمعي بها بحيث تشمل هذه البوابة كل الشركات العاملة في هذا المجال والبرمجيات التي يتم تطويرها والآليات التي تقدمها الوزارة لدعمها ولضمان منافسة عادلة وتذليل العوائق القانونية .
وفي تصوري أن الأنظمة مفتوحة المصدر أثبتت نجاحها منذ أكثر من 25 عاما، والدليل على ذلك البرامج الشهيرة "لينكس وجافا وفاير فوكس وأندر ويد" وغيرها، إلا أن النجاح ليس فقط في تخفيض التكلفة، ولكن في تحسين نوعية البرمجة، التي لها تعامل مع ملايين المستخدمين حول العالم لاسيما أن هناك إقبالا كبيرا على الأنظمة والبرمجيات مفتوحة المصدر، خاصة مع الحوسبة السحابية والتى ستساعد في انتشارها، فالدراسات تقول إن هناك 90 مليون تطبيق في العالم، علي مختلف المنصات، وهناك توقعات بحلول 2016 أن تصل إلى 200 مليون تطبيق .
ولعل استمرار الإدارة الأمريكية في غيها ورغبتها المحمومة في التجسس على شعوب الأرض والقضاء نهائيا على خصوصية مستخدمة الهواتف والإنترنت ومحاولة توظيف شركات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ، أو على الأقل الكوادر البشرية العاملة في هذه الشركات لتحقيق أهدافها ، يفتح الباب على مصراعيه أمام أهمية دراسة وتقييم الاعتماد على البرمجيات مفتوحة المصدر وتشجيع شركات التكنولوجيا المحلية لتطوير حلول وتطبيقات تقنية تعتمد على البرمجيات مفتوحة المصدر والتى يتميز عادة بصعوبة اختراق شفرتها لاختلاف أكوادها بصورة جذرية .
في اعتقادي ان العديد من شركات التكنولوجيا العالمية تدرك أهمية وجود صناعة محلية للبرمجيات المفتوحة والتحدي الذي يواجهنا هو العمل على بلورة آليات تنظيمية لإحداث تكامل بين مطوري البرمجيات التجارية وكذلك مطوري البرمجيات المفتوحة وأن الدولة لا يجب أن تقف محاربة للبرمجيات التجارية كما أنها لا ترغب في قتل البرمجيات المفتوحة كذلك من المهم جدا أن ندرك أن أمام الشركات العاملة في مجال البرمجيات الحرة الكثير من الجهود لضمان كسب المصداقية فى هذه البرمجيات سواء على مستوى كفاءة وجودة هذه البرمجيات والتزامها بالمعايير العالمية فى البرمجة بجانب العمل على تطوير مفهوم خدمات الدعم الفنى والصيانة لهذه البرمجيات حتى لا يجد المستخدمون أنهم وقعوا في مشكلة تكون تكلفتها أعلى بكثير من الاعتماد على البرمجيات التجارية ، والتى عادة ما تلتزم الشركات المطورة لها بتقديم خدمات دعم فنى وصيانة ، ضمن عقود الاتفاق والاستخدام .
المستقبل القريب سيشهد مزيدا من الاعتماد على البرمجيات مفتوحة المصدر لاسيما في ظل تزايد الاعتماد على الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية ليس من قبيل الرغبة في تخفيض التكلفة ولكن من قبيل رغبة المستخدمين في مكافحة التهديدات الأمنية التي أصبحت في تزايد مستمر ، إلا أنه يجب الأخذ في الاعتبار أن قراصنة الكمبيوتر عادة ما يركزون على البرمجيات الأكثر استخداما ، وهذا ما بات يواجه نظام "أندر ويد" في الوقت الحالي لتشغيل الهواتف والأجهزة اللوحية ، وهنا تأتى أهمية اعتماد مطوري البرمجيات المفتوحة بعنصر تأمين البيانات باعتبارها التحدي الأكبر لزيادة حصتهم في سوق البرمجيات المحلية والعالمية .
في النهاية ربما حان الوقت في ظل الحديث عن عملية التحول الرقمي التي تتبناها الدولة المصرية تحت إشراف وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات أن نوجه سؤالا استفساريا للصديق العزيز الدكتور عمرو طلعت ـ وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ، وما يمتلكه من خبرات طويلة في مجال البرمجة ، ما هو مصير البوابة المصرية للبرمجيات المفتوحة ؟ وما هى رؤية الوزارة لدورها المستقبلي في تطوير صناعة البرمجيات المصرية ؟