الحياة الطيبة " 6 -7 "

  •     بقلم : د . ياسر بهاء

    سنتعرض في هذا المقال ، ضمن سلسلة مقالات بعنوان " الحية الطيبة "  عن " الدوبامين العدو "

    بمجرد ممارسة أي نشاط مرغوب فيه، فإن إفراز هرمون الدوبامين هو المحفز لهذا الشعور وبالتالي حث الرغبة في المزيد من هذا الهرمون. ولكن – عكس ما هو متعارف عليه – فإن الدوبامين ليس له علاقة كبيرة بالسعادة حيث إنه عبارة عن هرمون متعلق بالإدمان على شيء ما أو التحفيز للاستمرار في هذا الشيء وهو مرتبط بجزء معين من المخ يساعد على تحفيز الشعور بالمتعة والكره والمكافأة وتعزيز التعلم. بمعنى آخر فإن الدوبامين يعزز تلك المشاعر وربطها بذلك الجزء من المخ ونشعر غالباً بهذه المشاعر بمجرد القيام بعمل ما مرتبط بمكافأة ما، فالمدخنون على سبيل المثال سيحصلون على قدر من المتعة بمجرد البدء في التدخين والذي سيساعد على إفراز هرمون الدوبامين وتحفيز ذلك الجزء من المخ الذي سيطالب بالمزيد من هذا الهرمون من خلال الاستمرار في فعل التدخين وأيضاً سيخلق نوعا من الاحتياج والرغبة لهذا الشعور في حالة عدم التدخين مما يدفع المدخن إلى التدخين مرة أخرى لإشباع تلك الرغبة.

    من هذا المثال نجد أن المخ لا يعمل في صالحنا في كثير من الأحيان حيث إن ذلك الموقف يعني أنه ليس الشعور بالسعادة الذي يقودنا ولكن تلبية رغبة المخ في هرمون الدوبامين المرتبط بذلك الفعل. ولكن السؤال الآن، كيف يمكننا مكافحة آثار الدوبامين والتعامل معه بشكل يصب في مصلحتنا وليس العكس؟

    غالباً ما يستجيب الدوبامين إلى الرؤية والرائحة والطعم والتفكير. فبمجرد رؤية المحفز – علبة السجائر مثلاً – سيبدأ الدوبامين في الظهور وإثارة الرغبة في التدخين خاصة إذا ما كانت المكافأة واضحة وظاهرة وسريعة التواجد بمجرد الفعل. وبالتالي فعدم وجود المكافأة سيؤدي لعدم السعي بنفس الطاقة والرغبة للقيام بالفعل وستزداد القدرة على مقاومته. ومن هنا فإن أهم الخطوات هو معرفة ما هي محفزات وأسباب إفراز الدوبامين حيث إن تنمية القدرة على الوعي الذاتي ستساعد بشكل كبير في التحكم واختيار ما يجب فعله في تلك المواقف.

    فمثلاً عند ازدياد وعيك بأنك لا تستطيع بسهولة مقاومة قطعة الشيكولاته؛ فيجب عليك إبعادها عن المكان الذي تتواجد فيه بقدر الإمكان حتى وإن كانت في مكان تعرفه ولكن عدم وجودها أمام عينيك واحتياجك لبذل مجهود للحصول عليها من مكان آخر سيكون كافياً لزيادة التحكم الذاتي بشكل أكبر والأفضل بالطبع هو التخلص من قطع الشيكولاتة تماماً وليس فقط تخبئتها.

    مثال آخر يقع فيه الكثير وهو شراء الكثير من الطعام عند التسوق نتيجة عدم وجود قائمة بما يجب شراؤه أو الشعور بالجوع عند التسوق وهنا يكون الحل إعداد قائمة بالمشتريات وتناول الطعام قبل القيام بالتسوق مما يقلل الرغبة في إفراز الدوبامين. لابد من الوعي بأن الدوبامين يسعى إلى المكافأة والمتعة اللحظية وهو ما قد يتعارض مع أهدافنا المستقبلية بشكل كبير ولكن مع الاستمرار في التحكم في الذات ومحاولة الابتعاد عن المحفز أو تأخير الوصول إليه؛ ستقوى القدرة على التحكم في الذات وعدم الاندفاع وراء الدوبامين بأعين معصوبة وإرادة مغيبة.

    كيف يمكن التحكم في إفراز الدوبامين عند التفكير في المحفز – وجبة ماكدونالدز مثلاً – ؟ أول ما يجب فعله في هذا الموقف هو التوقف عن التفكير في تلك الوجبة ومباشرة يتم تذكر الدافع الرئيسي والتصور المستقبلي لما ستكون عليه بعدم الانجراف وراء تلك الرغبات فالجسم الرياضي والصحة الجيدة والخلو من الأمراض هو التصور الذي يجب تذكره في تلك اللحظة والاستمتاع بما ستكون عليه بسبب البعد عن تلك الوجبة وطرح سؤال واحد " هل تستحق وجبة ماكدونالدز التخلي عن ذلك القوام الرياضي والصحة الجيدة في المستقبل؟" وهنا ستشعر بقوة إرادة تساعدك على تغيير الوجهة من وجبة ماكدونالدز إلى وجبة صحية سريعة أو طبق من السلطة الخضراء اللذيذة مع المحاولة المستمرة لعدم التفكير في تلك المحفزات غير المفيدة والتي سيخبو تأثيرها مع الوقت.

    حاول دائماً وضع بدائل لكل ما يثير فيك الرغبة في تناول شيء غير صحي حتى لا تدخل في مرحلة التفكير في وقت اشتهاء تلك الوجبة غير الصحية حيث إن وجود البديل الجاهز يساعد بشكل كبير في مقاومة تلك الرغبة والبدء السريع في البديل المتاح ومن ثم الابتعاد عن المؤثر أو المحفز مادياً ومعنوياً. وفي النهاية لا تجعل الدوبامين كعدو يذهب بك بعيداً عن أهدافك ورؤيتك المستقبلية الرائعة.

     

     



    حمّل تطبيق Alamrakamy| عالم رقمي الآن