الاقتصاد المصرى بين الجزئى والكلى

  •  

     بقلم ايمن صلاح

     

     

    يسألوننى كثيرا "هل هذا هو الاصلاح الاقتصادى الذى يزعمون أنه ناجح بينما معدلات الفقر فى ازدياد فى المجتمع المصرى؟؟" سؤال استنكارى وجيه ولكنه يفتقد الى أبسط درجات الادراك لمفهوم الاصلاح الاقتصادى الذى تعزف الدولة المصرية على تنفيذه منذ سنوات مع عدم انكار أن معدلات الفقر طبقا لآخر الاحصائيات الصادرة من الجهاز المركزى للمحاسبات قد ازدادت بما يناهز نسبة 6%، ولكى نبدأ القصة من البداية علينا أن نستوعب أن كثيرا من البسطاء فى الشعب المصرى ظن أن برنامج الاصلاح الاقتصادى الذى تنفذه الدولة المصرية سوف يؤتى ثماره فى غضون سنوات قصيرة وأن الشعب بأسره سوف يتحول من ضيق الحال الى بحبوحة العيش بمجرد الانتهاء من تنفيذ برنامج الاصلاح الاقتصادى وهذا أمر بعيد كل البعد عن الحقيقة ويجافى المنطق وأبسط قواعد الاقتصاد، فما قامت به الدولة المصرية بعد قيام ثورة الثلاثين من يونيو العظيمة هو عملية اصلاح الاقتصاد الكلى للتخلص من التشوهات الاقتصادية التى أدت الى أزمات عدة طوال عقود مضت، هذا الاصلاح الذى أصبحت مصر تقريبا على مشارف نهايته ليصبح اقتصاد مصر بعده سليما معافى ومعدا للانطلاق الى رحلة الرخاء التى طالما حلم به الشعب المصرى على مدار تاريخه. اذن ما هو التفسير لما يعانى منه المجتمع المصرى اليوم من ضيق العيش وارتفاع معدلات الفقر؟؟ ومتى ينتهى هذا الوضع الذى يعانى منه المواطن البسيط؟؟

     

    بداية ولكى نجيب على السؤال الأول علينا أن نعلم أن لكل عملية اصلاح سواء كانت اقتصادية أو غير ذلك فان لها آثار سلبية جانبية تستمر لفترة من الزمن ثم تتلاشى تدريجيا مع نجاح تنفيذ عملية الاصلاح وتطورها ثم نضوجها ومن ثم اكتمالها، وفى حالتنا المصرية للاصلاح الاقتصادى فقد تم تحديد أوجه التشوهات الاقتصادية فى الموازنة العامة السنوية للدولة التى استمرت فى حالة عجز دائم مما أدى بمتخذ القرار الى سد هذا العجز الدائم عن طريق الاقتراض الذى ضاعف من العبء الملقى على كاهل الدولة حتى أصبحت عاجزة عن تحقيق أى نمو يذكر وبخاصة فى السنوات العجاف التى تلت ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 ، ومن هنا جاء القرار الحتمى الذى لا بديل عنه بتنفيذ عملية الاصلاح الاقتصادى بصورة فورية وبدون ابطاء حيث أصبح الأمر يشبه ضرورة التدخل الجراحى لعلاج مريض أشرف على الموت بعد أن عانى ويلات المسكنات التى لا تسمن ولا تغنى من جوع عبر عقود طويلة. ولقد كان من أبرز بنود الاصلاح التى توجب البدء بها لتحقيق التوازن والوصول على أقل تقدير الى نقطة التعادل (Breakeven Point) فى موازنة الدولة العامة بين الدخل القومى (ومحاولة تعظيمه) وأوجه صرف هذا الدخل (ومحاولة ترشيده) هو الرفع التدريجى على مر عدة سنوات للدعم الممنوح على الطاقة المتمثل بالأساس فى دعم المحروقات والكهرباء، ثم ترشيد الواردات والاقتصار على الاحتياجات الأساسية من الواردات لتخفيف حدة الطلب على العملة الأجنبية التى استنفذت كثيرا من قدرات الاقتصاد المصرى مما جعل قرار تحرير سعر الصرف للعملات الأجنبية قرارا الزاميا للقضاء على السوق السوداء من جهة وتوفير الدعم الخفى الذى منحته الحكومة لتثبيت سعر العملة الأجنبية من جهة أخرى، وصاحب ذلك أيضا اجراءات تخفيض العمالة فى الجهاز الادارى للدولة الذى لا يتطلب أكثر من مليون موظف بينما يوجد به أكثر من سبعة ملايين من الموظفين تحت مظلة البطالة المقنعة استنفذت مئات المليارات من ميزانية الدولة دون عائد يذكر. وقد صاحب تلك الاجراءات الاصلاحية العديد من المشروعات التنموية على جميع الأصعدة وفى جميع المجالات للنهوض بالاقتصاد الكلى للدولة، ولكن صاحب ذلك بعض الآثار الجانبية لعملية الاصلاح كان أهمها على الاطلاق هو ارتفاع نسبة التضخم الأمر الذى جعل المواطن يشعر بارتفاع مطرد للأسعار ناهيك عن ارتفاع أسعار الكهرباء والوقود نتيجة لرفع الدعم عنها، هذه الآثار الجانبية السلبية جعلت المواطنين ذوى الخبرات الاقتصادية البسيطة تشك فى برامج الاصلاح الاقتصادى وتظن أنها فاشلة بينما على العكس تماما فان الاقتصاد المصرى يخطو خطوات ثابتة بشهادة منظمات اقتصادية عالمية معتبرة حتى أن معهد هارفارد للدراسات الاقتصادية أصدر مؤخرا تقريرا أبرز فيه تقدم الاقتصاد المصرى وتوقع معدلات نمو غير مسبوقة خلال السنوات القليلة القادمة، وأكد على أن مصر ستكون ثالث أكبر اقتصاد نامى خلال العقد القادم وأرجع ذلك الى عدة أسباب كان أهمها تنوع مصادر الدخل القومى وتميزها خلال الفترة القادمة.

     

    اذن .... علينا جميعا أن نعطى عملية الاصلاح الاقتصادى وقتها وعلينا أن ندرك أن الدولة انما تقوم على اصلاح الاقتصاد الكلى كما ذكرت آنفا، بينما ستنعكس آثار الاصلاح الاقتصادى على المواطن بمجرد احداث التوازن فى الموازنة العامة للدولة حيث ستتقلص الفجوة بين دخل المواطن وأسعار السلع، عند هذه النقطة سيعلم المواطن مدى نجاح عملية الاصلاح باذن الله وعندها أيضا ستبدأ مصر فعليا فى بناء مرحلة جديدة من الرخاء والرفاهية ان شاء الله.

     

    بلادنا تستحق منا جميعا التضحية والصبر من أجل غد أفضل لنا وللأجيال القادمة .... اللهم انى قد بلغت اللهم فاشهد.



    حمّل تطبيق Alamrakamy| عالم رقمي الآن