مبادرة شبابية مراعية للبيئة لإعادة تدوير البلاستيك في مصر

  • أطلق أربعة مهندسين معماريين مصريين مبادرة مراعية للبيئة تهدف إلى إعادة تدوير المخلفات البلاستيكية وتحويلها إلى منتجات فنية إبداعية تفيد في التصاميم المعمارية.

    وأطلق الفريق المكون من المهندسين أرساني طلعت، وسيلفانا توفيق، وميرنا منصور، وآلاء هيمن، على مبادرتهم اسم مشروع «ناتش كامب» وهي قائمة على إعادة تدوير البلاستيك على يد الأطفال من خلال تحفيزهم على الإبداع الفني، وتنظيم معسكرات تصل مدة كل منها إلى شهر، يتعلم الأطفال خلالها آليات صنع أعمال إبداعية فنية مفيدة من المخلفات البلاستيكية المضرة للبيئة.

    ويقوم المشروع على تعليم الأطفال من سن 7 إلى 17 عامًا مبادئ الهندسة المعمارية، بطرق تفاعلية ومبتكرة، وكيفية تطبيقها لخدمة البيئة، إذ ينظم الفريق في ختام كل معسكر تغطيةً لحيزٍ مفتوحٍ باستخدام البلاستيك المُعد للاستخدام مرة واحدة، أو تصميم مقاعد أو أي مقترح آخر من الأطفال باستخدام المبادئ المعمارية التي درسوها خلال فترة المعسكر.

    وأجرى الفريق بحثًا موسعًا عن المشاريع السابقة المُنفَّذة عالميًا، القائمة على تعليم مبادئ الهندسة المعمارية للأطفال، ووجدوا أنها طُبِّقت بالفعل في كندا، ولكنها لم تُطبَّق سابقًا في العالم العربي، وأضافوا إليها فكرتهم الخاصة؛ استثمار البلاستيك المعد للاستخدام مرة واحدة في البناء.

    وتركز المبادرة على الأطفال بهدف تنشئة جيل يشعر بأنه جزء من الطبيعة وليس سيدًا عليها، ولأنهم أكثر فئة عمرية يستطيعون تثبيت الفكرة في أذهانها، ليكون الأطفال القاعدة لتغيير الواقع مستقبلًا، لأن تغيير الثقافة البيئية أصعب لدى الشريحة العمرية الأكبر ، وتسعى المبادرة مستقبلًا إلى تنظيم مشروع مماثل آخر يستهدف فئة الشباب.

    وقالت المهندسة سيلفانا توفيق، في حديث خاص لمرصد المستقبل، إن «مشروعنا يعمل على تحقيق هدفين؛ الأول الوصول إلى عالم عربي خالٍ من البلاستيك، عن طريق إعادة تدويره بشكل مستدام، إذ استخدمنا دراستنا المعمارية في إعادة استخدام البلاستيك في مجال البناء، والثاني تنشئة طفل مُدرك للجمال المعماري لنصل إلى عالم عربي أجمل وأكثر تقدمًا، إذ نعلم الأطفال كيفية بناء واجهات خضراء باستخدام البلاستيك والزراعة، للحد من التشوه العمراني وللمساهمة في زيادة المساحات الخضراء في وطننا العربي، فضلًا عن تعليم الأطفال طرق زراعة الأسقف (الأسقف الخضراء) واستخدام البلاستيك في بناء الخيم وتنفيذ تصاميم مقاعد باستخدام البلاستيك

    وقالت المهندسة ميرنا منصور، لمرصد المستقبل «نطمح لأن نحصل في المستقبل على مكان خاص لتعليم الأطفال القادرين وغير القادرين، والسفر لأكثر من دوله عربية لنشر الحل الذي توصلنا إليه في التخلص من البلاستيك؛ وهو الاعتماد على الهندسة المعمارية كحل مستدام

    وأضافت إن «طموحنا لا يقف عند حدود مصر، بل نسعى لضم متطوعين في معظم البلدان لنشر الوعي البيئي المعماري، والمساهمة في إعادة التوازن البيئي، لإنقاذ كوكبنا من الدمار ونشر الوعي بين الأطفال لمستقبل مثمر ومختلف، والمشاركة في مسابقات عالمية، لنشر الفكرة وتمثيل العالم العربي في المحافل البيئية الدولية

    وقال المهندس أرساني طلعت، لمرصد المستقبل، إن «عمل الفريق لا يقتصر على النشاط المعماري البيئي التوعوي، بل ننظم كذلك معسكرات للأطفال في المدارس والمراكز الثقافية، ليشتمل المعسكر الواحد على ثمان محاضرات تشرح المبادئ المعمارية وتطبيقها من خلال بناء مجسم خاص لكل طفل في كل محاضرة، وفي ختام المعسكر نبني تصميمًا معماريًا بمقياس الإنسان ليُستخدَم بشكل مستدام

    وأضاف إن «المعسكر يتضمن أيضًا ورشات لفن النفايات، لتنمية الحس الجمالي لدى الأطفال، ليكون بذرةً لمجتمع أفضل، فضلًا عن الدعوة لحملات تنظيف الشواطئ وتجميع البلاستيك لإعادة تدويره، وحضور ورشات لتنمية الوعي البيئي

    وأشارت المهندسة آلاء هيمن، في حديث لمرصد المستقبل، إلى جملة من المعوقات التي تواجه مبادرتهم؛ أبرزها صعوبة الحصول على تمويل كاف لتنفيذ مشروع بيئي خاص يضمن لهم مستقبلًا مثمرًا ومصدر دخل ثابت كونهم شباب من حديثي التخرج. فضلًا عن المعوقات المتعلقة بمدى تقبل المجتمع للفكرة، ومدى تحمس الأهالي لإشراك أبنائهم في المعسكرات البيئية التي ينظمها الفريق. بالإضافة لغياب مقر يستطيعون فيه تنفيذ جميع أنشطتهم.

    وقالت هيمن إن «مشروعنا بيئي معماري اجتماعي، يهدف لحل مشكلات تواجه المجتمع المصري بشكل خاص، والعالم العربي ودول الجوار الإقليمي بشكل عام، ونسعى إلى توسيع قاعدة الأطفال على مستوى مصر والوطن العربي ليصبح مجتمعنا خاليًا من البلاستيك

    ولضمان استدامة المشروع، صمم أرساني طلعت، منتجًا ثابتًا باستخدام البلاستيك المُعد للاستخدام مرة واحدة، من خلال فرمه وكبسه للحصول على ألواح بلاستيكية لإنتاج رفوف تستخدم في المنازل والمنشآت التجارية لأغراض التخزين. وطور الفريق أيضًا مادة البناء بالبلاستيك المعاد تصنيعه ليتيح مزيدًا من الحرية في التصميم.

    ويوجد في مصر أكثر من جهة مهتمة بإعادة تدوير النفايات للاستفادة منها في استخدامات عديدة؛ مثل الحقائب أو الملابس أو الأحذية، ما دفع الفريق إلى إضافة منحًى آخر لإعادة التدوير بشكل مبتكر ومختلف.

    وأشار الفريق إلى أن فكرة مبادرتهم نابعة من اهتمامهم بالبيئة منذ مرحلة دراستهم الجامعية، ما جعلهم منفتحين للأفكار الابتكارية الرائدة، ومتحمسين لفكرة سيلفانا توفيق، التي كانت أول من طرح فكرة تنظيم المعسكرات، ليطوروا الفكرة كفريق وتشتمل مبادرتهم على جميع الأنشطة آنفة الذكر.

    فاز الفريق في المرحلة الأولى من مسابقة «أنا أنقذ العالم» (I save the world) التابعة لمعهد جوتة الألماني الرامية لتشجيع الأفكار الشابة للحصول على عالم أنظف وخالٍ من التلوث والنفايات.

    وسبق أن نظم الفريق معسكرًا للأطفال لتعليمهم بناء مجسمات للمدن باستخدام الخشب المعاد تصنيعه. وورشة «فن النفايات» لإنتاج لوحات باستخدام أنواع مختلفة من النفايات. فضلًا عن تغطية مسطح كامل باستخدام زجاجات البلاستيك المعد للاستخدام مرة واحدة للعمل كمظلة شفافة تسمح بمرور الضوء ولكنها تمنع حرارة الشمس كاتجاه معماري للبناء بمواد خفيفة.

    ويستهلك البشر نحو 78 مليون طن من المواد البلاستيكية، وتنتهي نسبة 32% منها في مياهنا، بما يعادل شاحنة نفايات كاملة خلال كل دقيقة، ووفقًا لدراسة علمية نُشِرت عام 2017 في مجلة ساينس، فإن كمية البلاستيك المُستهلك في الهند، التي يتم التخلص منها برميها في مياه المحيطات، جعلت البلاد في المرتبة 12 من بين 192 بلدًا شملته الدراسة في العام 2010. وحازت الصين على المرتبة الأولى في القائمة ذاتها، وصُنِّفت الولايات المتحدة في المرتبة العشرين. وذكرت دراسة أخرى، نُشِرت في العام ذاته، إن 75% من شواطئ بريطانيا ملوثة بنفايات بلاستيكية قاتلة.

    وتسبب البشر في العقود الأخيرة بأضرار كبيرة على الحياة البحرية، يتعذر إصلاحها بسبب فقدانها السيطرة على النفايات البلاستيكية. وعلى الرغم من أن الوضع الحالي صعب لكن يمكن مواجهته؛ وفقًا لما ذكرته ليزا سيفنسون، مدير شؤون المحيطات في الأمم المتحدة، التي ترى أن تعاون الحكومات والشركات والأفراد على مستوى العالم لتقليل التلوث الناتج عن النفايات البلاستيكية سيحافظ على حياة الكائنات في المحيطات.

    وقالت سيفنسون إن «هذه أزمة كبيرة على مستوى الكوكب.» وليست سيفنسون وحدها من تشعر بالخطر، بل يؤيدها غالبية الخبراء والمتخصصين، ممن يطالبون في كل مناسبة بتطبيق إجراءات دولية أكثر صرامة تجاه التلوث الناتج عن النفايات البلاستيكية.

    ويتزايد الاهتمام العالمي بإنجاز ابتكارات تهدف للحد من استخدام البلاستيك المنتشر بكثافة في مكبات النفايات والغابات والصحارى والمحيطات وبكميات هائلة من النفايات المصنعة من النفط الخام والتي تستغرق قرونًا عدة لتتحلل.

    وتشير تقارير عالمية إلى أن التغييرات البسيطة في سياسة استخدام البلاستيك، من شأنها إحداث فارق كبير لصالح البيئة، إذ أدى حظر الأكياس البلاستيكية في أكبر سلسلتين من المتاجر في أستراليا، منتصف العام الماضي - مثلًا- إلى انخفاض الاستهلاك الإجمالي للبلاد من الأكياس البلاستيكية بنسبة 80%.

    وصوت الاتحاد الأوروبي في أكتوبر 2018على قرار حظر البلاستيك المُستخدَم لمرة واحدة بشكل نهائي بحلول العام 2021، ويبقى القانون بحاجة إلى إقرار الدول الأعضاء والموافقة عليه.

    ولم يقتصر الحظر على الدول المتقدمة، إذ فرضت الهند عام 2017، حظرًا على استخدام البلاستيك المُستخدَم لمرة واحدة في العاصمة نيودلهي. وأصدرت كينيا عام 2017، أحد أكثر القوانين صرامة في العالم، بحظر استخدام أكياس البلاستيك التي تحولت إلى وباء في البلاد، لتصل عقوبة انتهاك القانون إلى 38 ألف دولار وسجن يصل إلى أربعة أعوام. ويشمل الحظر استخدام أو استيراد أو تصنيع الأكياس البلاستيكية.

    وينشغل باحثون ومؤسسات حاليًا في محاولة إيجاد حل ناجح للقضاء على كتلة نفايات ضخمة بحجم ولاية تكساس في المحيط الهادئ، ولم تثمر جهودهم حتى الآن. ويبقى الأمل معقودًا على المبادرات الرائدة؛ على غرار مبادرة «ناتش كامب» المصرية، وإيجاد الباحثين لحلول إبداعية؛ ومنها الطرقات البلاستيكية المعاد تدويرها واليرقات آكلة البلاستيك، وغيرها من الابتكارات والأبحاث الطموحة.

     

     

     

     



    حمّل تطبيق Alamrakamy| عالم رقمي الآن