المعوقات الأربعة لملف الحكومة الإلكترونية فى الدول العربية

  • بقلم / احمد محمد الدسوقي

    خبير التحول الرقمي والتخطيط الإستراتيجي لتكنولوجيا المعلومات

    وفقا لتقرير الأمم المتحدة لعام 2016 عن الحكومة الإلكترونية ، جاءت فقط 5 دول عربية فى المراكز الأولي الخمسين عالمياً البحرين " 24  والاولى عربيا " ، الامارات " 29 " ، " الكويت " 40 " ، السعودية " 44 " وقطر "  48 والخامسة عربيا " .

    وقى مطلع القرن الحالي ، سعت كافة الحكومات العربية للتحول من النظام الورقي إلي النظام الإلكتروني بمنظومة العمل الحكومي ليس فقط بهدف دخول عصر التكنولوجيا و تحقيق هدف التحول الرقمي وتسهيل المعاملات والخدمات الحكومية ؛ ولكن لان هناك حاجة ملحة لهذا التحول لانه يساهم بشكل مباشر وفاعل فى تنفيذ خطط الإصلاح الإداري والتنمية الإدارية خاصة فى الدول التاريخية مثل مصر وسوريا والعراق.

    من التقرير والجداول السالف ذكرها ، بالفحص والتحليل نجد أنه لم تستطع كافة الدول العربية تحقيق اى مركز متقدم فى ملف الحكومة الإلكترونية وتطبيقة لتحقيق التنمية المستدامة بإستثناء دول مجلس التعاون الخليجي. لعل أبرز الأسباب التى جعلت دول مجلس التعاون الخليجى تحرز تقدماً فى ملف الحكومة الإلكترونية هو الإستقرار الإقتصادي والسياسي.

    عند دراستى لأفضل الممارسات العالمية فى ملف الحكومة الإلكترونية حيث كنت أُعد استراتيجية " مصر دولة معلوماتية " لتطوير ملف الحكومة الإلكترونية فى مصر ، قمت بدراسة وضع الدول العربية فى هذا الملف ووجدت أربعة معوقات رئيسية واجهت الحكومات العربية التى فشلت فى تحقيق اى مركز متقدم فى هذا الشأن وهى كما يلي:

    أولاً الرعاية السياسية : إن تحويل نظام العمل بالحكومة من النظام الورقي إلي النظام الإلكتروني فى اى دولة يتطلب أن يكون هدف قومي ويحظي بموافقة ودعم أجهزة الأمن القومي وعلي رأسها القيادة السياسية للدولة. بعض الدول العربية كانت لديها أهداف قومية ذات أولوية أعلي تتعلق بالأمن أو مكافحة الارهاب أو تحقيق طفرة إقتصادية وتحسين مستوى دخل الفرد والأسرة لذلك فشلت فى تطبيق الحكومة الإلكترونية.

    ثانياً التمويل : التمويل هو أهم معوق رئيسي للعديد من الحكومات العربية لان نجاح ملف الحكومة الإلكترونية يتطلب تمويلاً كبيراً ومستمراً ؛ وهو ما لا تقدر علية بعض الحكومات العربية فى الدول التى تعاني أوضاع اقتصادية غير مستقرة أو تعاني من الديون.

    حتي يتم التغلب علي هذا المعوق ، يجب أن تغير هذة الحكومات سياسة تمويلها لبرنامج / مشروعات الحكومة الإلكترونية من التمويل الحكومي إلي الشراكة مع المستخدم(مستقبل الخدمات الحكومية سواء كان شخص طبيعي أو اعتباري) ؛ وهذة السياسة تحمل المستخدم تكلفة تنفيذ وتشغيل الخدمة الحكومية كبديل عن التكلفة التى يتحملها المستخدم فى الانتقال من وإلي الدائرة / المصلحة الحكومية بالإضافة إلي تكلفة عمولات الموظف الحكومي لتأدية الخدمة وغيرها من تكاليف يتحملها المستخدم طبقاً للنظام الورقي.

    وهنا يأتي التساؤل الهام كيف يمكن للحكومات العربية التى تعاني الديون أن توفر هذا التمويل المطلوب ؟

    وهنا تكون الإجابة أن مصادر التمويل يمكن أن تكون أحد المصادر الثلاثة التالية اولا "الشراكة مع البنوك  "حيث يمكن أن تستثمر البنوك فى مجال تمويل لمشروعات الحكومة الإلكترونية نظير فائدة مناسبة ، ثانيا " الشراكة مع القطاع الخاص " حيث يمكن أن تستثمر مؤسسات القطاع الخاص في مجال تمويل لمشروعات الحكومة الإلكترونية نظير فائدة مناسبة وثالثا "موازنة الدولة " حيث يمكن أن تستثمر الحكومة جزء من موازنتها لتمويل مشروعات الحكومة الإلكترونية نظير فائدة مناسبة سواء كان لديها فائض فى الإيرادات او من خلال قروض.

    مع العلم ان الاستثمار فى مجال تمويل مشروعات الحكومة الإلكترونية هو استثمار ذات مخاطر منخفضة لان الخدمات الحكومية لها عملاء ومعروف عددهم التقديري السنوى وبالتالي يمكن حساب عوائد الاستثمار بكل سهولة.

    إن سياسة الشراكة مع المستخدم ستحل معضلة التمويل التى تواجهه الدول العربية ذات اقتصاد غير مستقر أو ذات اقتصاد متنامي مثل الجزائر والسودان ومصر وسوريا وغيرها ؛ كما أن هذة السياسة ستوفر جزء من الإنفاق الحكومي الذي سيمكن الحكومات العربية من توجيهه فى الإنفاق أو الاستثمار فى مجالات أو مسارات أخري.

    ثالثاً الإستراتيجية والسياسات العامة : مع كل آسف تبنت معظم الحكومات العربية استراتيجيات وسياسات غير مجدية ؛ فبعض الحكومات اعتمدت علي سياسات توفير خدمات حكومية الكترونية اختيارية !!!.

    والبعض الآخر لم يضع المستخدم كمحور الخدمات بل اعتمد علي سياسة الميكنة بهدف تحقيق إصلاح إداري منشود ولكن دون جدوي آيضاً.

    والبعض الآخر تضاربت أجهزته ومؤسساته الحكومية فى تنفيذ وتشغيل مشروعات الحكومة الإلكترونية مما أدي إلي تقديم خدمات الكترونية غير متكاملة. بل فى بعض الدول أصبحت باب خلفي للفساد.

    حتى يمكن التغلب علي هذا المعوق ؛ يجب أن يكون هناك إستراتيجية واضحة ومتكاملة تتضمن جهاز إداري مؤثر ونافذ ومتفرغ يساعد علي دعم وتحفيز المؤسسات الحكومية علي التحول الرقمي. وكذلك يجب أن تتضمن رؤية واضحة من اعتبار المستخدم هو عميل (وليس مستفيد) وهو محور الخدمات  يحتاج إلي خدمات إلكترونية متكاملة. وكذلك يجب أن تتضمن إطار وخطة لإدارة التغيير ، فلا يجوز أن تكون الخدمات الإلكترونية اختيارية.

    ويجب أن تتضمن الإستراتيجية اطار فني وتنفيذي وتنظيمي واضح لتنفيذ مشروعات الحكومة الإلكترونية لمنع التضارب بين الجهات الحكومية المختلفة.

    رابعاً البنية القانونية : إن تنفيذ برنامج للحكومة الإلكترونية يحتاج إلي أساس قانوني مؤثر ونافذ ، ولقد فشلت بعض الحكومات العربية فى ملف الحكومة الإلكترونية بسبب تجاهلها للبنية القانونية اللازمة وإقرار تشريعات تساهم فى إنفاذ الخدمات الإلكترونية ؛ وهناك عدة تشريعات لازمة نذكر منها قانون المعاملات الإلكترونية ، قانون حماية الخصوصية والبيانات الشخصية بالاضافة لقانون مكافحة الجرائم المعلوماتية.

    وفى النهاية ، أود أن أوضح ان الحكومات العربية التى لم تحقق نتائج ملموسة أو نتائج سريعة فى ملف الحكومة الإلكترونية يمكنها تدارك الأمر وتصحيح مسارها فى هذا الشأن ومراجعة المعوقات السالف ذكرها لان توفير خدمات حكومية مؤتمته ذكية من شأنه تعزيز البنية الرقمية للدول العربية وتسهيل الإجراءات الحكومية وتفعيل برامج الإصلاح الإداري وتعزيز التنمية المستدامة والأمن القومي الداخلي والعربي ؛ ويمكن أن تقوم هذة الحكومات بتبادل الخبرات مع حكومات دول الخليج التى حققت طفرة فى هذا الملف وكذلك يمكن أن تلعب المنظمة العربية للتنمية الإدارية دوراً قوياً فى تبادل الخبرات بين مختلف الحكومات العربية فى هذا الشأن من أجل تحقيق تنمية مستدامة للشعوب العربية وتعزيز الأمن القومي العربي.

     

     



    حمّل تطبيق Alamrakamy| عالم رقمي الآن