دور ريادة الأعمال فى مواجهة البطالة (4 - 4)

  • بقلم : إسلام محفوظ

    تناولنا فى المقالات السابقة مشكلة البطالة من حيث المفهوم والأسباب والأنواع والآثار المختلفة ونستعرض فى هذا المقال كيفية علاج ومواجهة مشكلة البطالة ونستعرض الأساليب المختلفة التى تستخدمها الدول لحل هذه المشكلة وأى هذه الطرق أفضل ؟

    فإذا نظرنا إلى مشكلة البطالة نستطيع القول أنها حالة عجز تصيب سوق العمل بحيث يكون الطلب على العمل أقل من عرض العمل (الباحثين عن العمل). وقد يزداد هذا العجز (البطالة) عندما ينمو عرض العمل بمعدل أعلى من معدل الطلب على العمل، وحتى يبقى معدل البطالة في فترة ما ثابت لا بد أن يتساوى معدل النمو في طلب العمل (فرص العمل المستحدثة) ومعدل النمو في عرض العمل (النمو في عدد الباحثين عن عمل) ولو أردنا أن نناقش حل هذه الظاهرة ببساطة ومن الناحية النظرية، فإنه يمكننا القول أن الحل يكمن في تقليل عرض العمل أو زيادة الطلب على العمل أو كلاهما حتى نصل إلى أقل فجوة ممكنة وهي مستوى البطالة الطبيعية. نحن نعلم إن تقليل عرض العمل أو تقليل معدل دخول قوة العمل إلى سوق العمل أمر صعب، لا سيما في ظل التزايد المستمر في عدد السكان ضمن سن العمل، وزيادة الخريجين  ولكن ما يمكن عمله هو تنظيم عرض العمل، وتأهيله بحيث يلاءم الإحتياجات من حيث الكم والنوعية المطلوبة. وقد يرى البعض أن تحفيز وزيادة الطلب على العمل هو الأسهل، ولكن كيف يمكن زيادة الطلب على العمل وزيادة التشغيل؟ ومن المسئول؟.

    كتب النظرية الإقتصادية تشير إلى أن مشكلة البطالة يمكن مواجهتها بطريقة مباشرةً من خلال السياسات الحكومية المعروفة وهي السياسة المالية التوسعية والسياسة النقدية التوسعية. وتنطوي السياسة المالية التوسعية على قيام الحكومة بزيادة الإنفاق الحكومي أو التقليل من الضرائب بهدف تحفيز الإقتصاد وزيادة الإنتاج، وبالتالي التقليل من البطالة. إن هذه الأدوات ليست حلولاً سحرية، حيث يبرز إلى السطح سؤال هام وهو: هل تستطيع الحكومة الإستمرار في زيادة الإنفاق الحكومي أو تقليل الضرائب إذا كانت تعاني من عجز في الموازنة العامة إضافة إلى العديد من الإختلالات الأخرى؟ بالطبع لا، إن إتباع هذه السياسة بشكل مستمر سيؤدي بالضرورة إلى مزيد من العجز ومزيد من الاقتراض، مما يزيد من أزمة المديونية التي تعاني منها معظم الدول، وحتى في الدول التي تمتلك الفوائض النقدية، فنجاح هذه السياسة له مقومات داخلية وخارجية وشروط تتعلق بهيكل الإقتصاد، ونظام سعر الصرف، والخطط التنموية الموجودة وغيرها. ويتأثر نجاح هذه السياسة كذلك بحجم الإقتصاد وقدرته على التوسع بالشكل الكافي لاستيعاب الأعداد المتزايدة من الأيدي العاملة التي تدخل سوق العمل سنوياً ولقد بات من الواضح إن عدم توفر هذه المقومات، وما يرافق ذلك من إختلالات هيكلية خطيرة تعاني منها العديد من الدول النامية تجعل من أي سياسة مالية أداة لا فائدة منها.

    أما السياسة النقدية التوسعية فتنطوي على زيادة العرض النقدي من خلال أدوات السياسة النقدية مثل خفض سعر الفائدة فيشجع الناس على الإقتراض فتزيد كمية النقود ويزيد الطلب الاستهلاكى والاستثمارى فيزيد الانتاج ويزيد الطلب على العمل ، ولكن إستخدام السياسة النقدية غالباً ما يرافقه ضغوط تضخمية وإرتفاع في الأسعار، لا سيما إذا كان الإقتصاد غير قادر على التوسع في الإنتاج لمواجهة الزيادة في الطلب الكلي. وكما هو الحال في السياسة المالية، فإن نجاح السياسة النقدية مرهون بمقومات تتعلق بحجم وهيكل الإقتصاد، نظام سعر الصرف المتبع ، والجهاز المصرفي المتطور ،وعليه نستطيع القول إن أية سياسة حكومية مالية كانت أم نقدية قد يكتب لها النجاح في مرحلة معينة ولفترة محدودة، لكنه لا يمكن أن تستمر أي من هاتين السياستين في مواجهة مشكلة البطالة لا سيما في ظل التزايد المستمر في أعداد من يدخلون إلى سوق العمل،   و لا تستطيع أى دولة أن تزيد الإنفاق الحكومي أو تقلل الضرائب أو أن تزيد السيولة المحلية بشكل مستمر ودائم، وقد تخلق السياسات الحكومية العديد من فرص العمل ولكنها ليست بالضرورة تناسب المستوى العلمى والمهنى للعاطلين عن العمل.

    وفي هذا المجال، تبرز أهمية الدور غير المباشر للحكومة وأهمية المشروعات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة التي تساعد في توفير فرص عمل للراغبين في العمل لا سيما رواد الاعمال  كى تخفف من حدة البطالة. وتعتبر هذه المشروعات - لا سيما المتناهية الصغر - الآلية الأنسب لتطبيق سياسة التوظيف الذاتي ، وهي أيضاً ذات منافع للمشروعات الكبيرة حيث تقوم بالعديد من المهام التي تتحاشى أن تتولاها تلك المشروعات، هذا فضلاً عن مساهمتها في تنشيط مستوى المنافسة التحفيزية بشكل يدفع للابتكار والإبداع وتقديم أفضل الخدمات للمستفيدين ويجب أن لا نغفل دور هذه المشروعات في زيادة العدالة في توزيع مكتسبات التنمية، والحفاظ على التوازن التجاري وميزان المدفوعات، وتعزيز الناتج المحلي الإجمالي. إن المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر هي الأساس الذي تقوم عليه المشروعات الكبيرة لأنها لا يمكن أن تقوم إلا على جهود المشروعات الصغيرة سواء في الإنتاج أو التسويق أو الحصول على الموارد (مدخلات الإنتاج).

    لقد أثبتت التجارب الدولية أن السياسات المالية والنقدية في الدول النامية لا تستطيع أن تدفع بالإقتصاد لاستيعاب أعداد هائلة من القوى العاملة بشكل دائم، ولا يمكن الاعتماد عليها  كحل جذري لمواجهة مشكلة البطالة. إن إستمرار الحكومة كموظف رئيسي يعني المزيد من البطالة المقنعة والترهل الإداري ومزيد من الأعباء المالية. لقد باتت الحكومات غير قادرة على القيام بهذا الدور التقليدي. لذا لا بد لفئة العاطلين عن العمل أن يسعوا ويوظفوا أنفسهم من خلال سياسة التوظيف الذاتي والمبادرات الفردية أو الجماعية وتبني الروح والأفكار الريادية، و لا بد للحكومة والقطاع الخاص من  مساعدة هؤلاء على توظيف أنفسهم من خلال احتضانهم وتوفير الدعم المالي والفني لهم، وهنا نرى أن قطاع المشروعات الصغيرة والمتناهي الصغر هو الأرض الخصبة لتنفيذ سياسة ريادة الأعمال لكن بدعم مالي وفني من المؤسسات الحكومية وغير الحكومية ذات العلاقة. وفي مجال الحديث عن دور ريادة الأعمال والمبادرات الفردية في الحد من مشكلة البطالة، نرى أنه من الضروري التأكيد على أهمية قطاع المشروعات الصغيرة في الحد من البطالة من خلال النقاط التالية:

     1. إن المشروعات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة ما هي إلا ترجمة عملية للأفكار الريادية والمبادرات الفردية والجماعية التي يتبناها رواد الأعمال. إن إنشاء هذه المشاريع وإدارتها يخلص فئة الشباب من فكرة ثقافة العيب الخاطئة أصلاً - كونه سيصبح مدير ومالك ومنتج في ذات الوقت، كما أن هذه المشروعات هي المجال الأفضل للعمل المهني وتشجيعه.

     2. تعتبر هذه المشروعات أحد الحلول للبطالة الناتجة عن الخصخصة إذا ما تم إستخدام جزء من عوائدها لتمكين العمالة التي يتم التخلي عنها من دخول هذا القطاع كمالك ومدير للمشروع أو كمنتج في ذات الوقت.

    3. إن تخلي الحكومة عن خلق المزيد من فرص العمل غير المنتجة (البطالة المقنعة) شيء جيد، ولكن لا بد أن يرافق هذه الخطوة إعادة توجيه بعض المخصصات المالية لتوجيه فئة من العاطلين عن العمل إلى مجالات منتجة بدل من دخول فئة البطالة المقنعة، إن مجموع تكاليف توظيف عامل واحد في القطاع الحكومي ضمن البطالة المقنعة وبإنتاجية متدنية  يكفي لتمويل إقامة مشروع إنتاجي لهذا العامل، ولكن لا بد من ملاحظة أن هذه المدفوعات تدفع لمرة واحده، بينما الوظيفة الحكومية تحتاج إلى دفعات مستمرة على شكل رواتب ومدفوعات أخرى.

    4. إن التركيز الحاصل على العاصمة والمدن الرئيسية في توزيع الموارد في كثير من الدول يؤدي إلى تركز البنية التحتية في هذه المدن، الأمر الذي يؤدي إلى خلل في توزيع المشروعات الإنتاجية بأحجامها المختلفة، وهذا بدوره يؤدي إلى خلل في توزيع الدخل ويزيد المناطق الفقيرة فقراً، إن دعم هذه المشروعات وتشجيع إقامتها يخلق المزيد من فرص العمل، ويزيد من العدالة في توزيع مكتسبات التنمية وتوزيع الدخل ويعالج الخلل الناجم عن النمو غير المتوازن والخلل في توزيع الموارد المالية.

     5. إن الانجازات والمشاريع الكبيرة والهائلة تبدأ بفكرة صغيرة رائدة يتم ترجمتها على أرض الواقع إلى كيان قانوني ومشروع منتج أي إلى مشروع إنتاجي أو خدمي بالحجم المناسب، هذا كله ينطوي على خلق المزيد من فرص العمل ويقلل البطالة، وعليه فإن الحث على الريادة وتشجيعها يعني المزيد من الأفكار والمبادرات ومزيد من المشروعات ومزيد من التشغيل.

    6. المشروعات الإنتاجية أو الخدمية المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة المولدة للدخل والتي توفرعمل مناسب وبجودة عالية وبدخل أعلى للشباب الباحث عن عمل هي الوسيلة الأمثل التي تجعله اقل ميولاً إلى الوظيفة الحكومية ذات الأجر المحدود والتي تقيده بأوقات عمل طويلة وتخضعه لسيطرة مديره.

     7. يمكن إدراك دور هذه المشروعات في التعامل مع البطالة الدورية من خلال مراجعة التطورات التي تبعت الأزمة المالية والإقتصادية العالمية مؤخراً، حيث لوحظ أن معظم الوظائف التي فقدت كانت في المشاريع الكبيرة، بينما كانت المشروعات الصغيرة والمتوسطة الأقل تأثراً نسبياً وذلك بسبب مرونتها  وقدرتها على التكيف.

     8. التخفيف من أزمة التشغيل والبطالة يحتاج إلى أفكار ومبادرات ورواد أعمال مبدعين، وإلى مؤسسات تدعم هذه المبادرات والأفكار الريادية مالياً وفنياً، وإلى إستراتيجية سكانية تنظم الدخول إلى سوق العمل، وإلى قطاع حكومي فاعل في الإنتاج والتوظيف وفي دعم قطاع المشروعات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، وإلى بيئة أعمال وبيئة إستثمارية تعزز دور القطاع الخاص.

     



    حمّل تطبيق Alamrakamy| عالم رقمي الآن