الفرق بين الميكنة والرقمنة

  •  

    بقلم : حاتم زهران

    خبير تكنولوجيا المعلومات

     

    نتحدث اليوم عن الفرق بين "الميكنة" و "الرقمنة"، وهما المصطلحان الأكثر تداولا وشيوعا ما بين العامة والخاصة، وبين الخاصة المتخصصة، وخاصة العامة، وهناك فرق كبير بينهما، فالخاصة المتخصصة هم من أهل المجال فى قطاع تكنولوجيا المعلومات والإتصالات، وخاصة العامة، هم كبار الشخصيات والمسئولين..

     

    "الميكنة" ليست "الرقمنة" نهائيا، والفرق بينهما شاسع، ومع ذلك أندهش لكبار المسئولين، وأحيانا لبعض المتخصصين، والكثير من الصحفيين، وأغلب الإعلامين، يتحدثوا عن المصطلحين بإعتبارهما مرادفان..

     

    "الميكنة" Computization هى الأجهزة والمعدات، والنظم والبرمجيات وهو العقل الذى يشغل الأجهزة والمعدات، والإتصالات والشبكات وهى الأدوات التى من خلالها يتم ربط الأجهزة والمعدات والنظم والبرامج، وتدريب وتأهيل العاملين والمستخدمين التى تقوم على العمل أو إستخدام كل هذه المنظومة، أى بإختصار شديد، هى البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والإتصالات، التى لا تقدم ولا تأخر، والتى لا تغنى ولا تثمن من جوع فى شئ، فبإمتلاك كل وأحدث البنى التحتية السابق ذكرها لا تقدم الدول والأوطان والأمم والنظم خطوة واحدة للأمام، بل لا تزال تقف فى مكانها..

     

    أما "الرقمنة" Digitization وهى بيت القصيد، والهدف المقصود والمنشود، وهى تحويل البيانات والمعلومات والمعارف من صورتها التقليدية، من نصوص وصوت وصورة وحركة، من على الأوراق والجدران والبرديات والجلود، أو أى صور أخرى أكثر حداثة، مثل أفلام السينما والكاميرا والميكروفيلم والميكروفيش والكاست إلى آخره، من كل أنواع الحفظ والوثائق والمستندات إلى صور رقمية، فى شكل "واحد أو صفر" "0 – 1"، وكل هذه الأشكال والصور حينما تتحول إلى الصورة الرقمية تسمى "المحتوى الرقمى"..

     

    "المحتوى الرقمى" digital content –  e-contentمن بيانات ومعلومات ومعارف، هى الروح التى تدب الحياة فى كل البنى التحتية من أجهزة ومعدات ونظم وبرمجيات وشبكات وإتصالات حتى العاملين المدربين والمؤهلين والمستخدمين، فالمحتوى الرقمى هو بمثابة الدم الذى يدور فى الشريان فتستمر الحياة، وهذا الدم يتجدد طول الوقت بالأكسجين، وبالمثل، المحتوى الرقمى الذى يتحرك بين الأجهزة والشبكات لا بد أن يتجدد بتحديثه، وإلا سيصبح كالدم الفاسد وتتوقف الحياة..

     

    إن الكثير من الدول وبالذات دول العالم الثالث، أو دول مستوردة تكنولوجيا المعلومات والإتصالات، أو الدول التى تستخدمها ولا تنتجها ولا تملكها، كلها تدعى أنها دخلت عصر الثورة المعلوماتية، وعصر ما بعد حداثة الحداثة، بإستجلاب أكبر وأعظم وأضخم وأحدث بنى تحتية من أدوات تكنولوجيا المعلومات والإتصالات، فبعض من هذه الدول أنشأت أكبر مراكز للبيانات، وأخرى إشترت أكبر خوادم فى العالم، وأخرى إشترت أكبر نظم وبرامج من أكبر شركات برمجيات فى العالم، وأخرى أنشأت أكبر مراكز ومعاهد وكليات وجامعات متخصصة فى تدريب العاملين والمستخدمين فى العالم، بل وأرسلتهم لبعثات تدريبية لأكبر دول متطورة برضه فى العالم، وفى نهاية الأمر كل هذه البنى التحتية لا تحتوى على أى محتوى رقمى من أى نوع من البيانات أو المعلومات أو المعارف، وإن إحتوت فهى مليئة بالأخطاء، وإن كانت صحيحة فهى غير محدثة، مما يجعل كل هذه المنظومة جثة بلا حياة..

     

    سنضرب أمثلة كثيرة وعديدة لأدلل لما أقوله، وأبرهن على مدى أهمية المحتوى الرقمى، تخيل أن دولة بنت وأسست أكبر وأحدث وأضخم وأعظم شبكة بترول وغاز فى العالم ومصافى تكرير، ولا تتملك بئر بترول أو غاز، فماذا سيسير فى كل هذه الأنابيب من الشبكة المترامية الأطراف، أليس هذا عبث، تخيل أن دولة أتت بأكبر نظام حديث ذكى لإدارة النظم الصناعية والتجارية دون أن تحدث الدورة المستندية لديها، بما يلائم النظام الجديد، فسينتهى الأمر أن النظامان غير متوافقان وليس هناك أى بيانات بالنظام الحديث، لأنه لا يوائم ويتوافق مع النظام الحالى المتداوال، تخيل أن أكبر منصات التواصل الإجتماعى مثل الفيس بوك خلت من أى بيانات خاصة من الدردشة عبر البوستات والتعليقات، هل سيصبح لها وجود، إلى آخره من الأمثلة التى لا حصر لها ولا تنتهى..

     

    وبعد هذه المقدمة أود أن أقدم بعض التعريفات البسيطة والسريعة للقارئ العادى، لكى يعلم بسرعة وبساطة بعض المصطلحات والتعريفات الخاصة بها، والتى بها الكثير من اللبس لدى الآخرين..

     

    "البيانات" Data وهى المادة الخام فى أبسط صورها، مثل، هل تعلم دولة كذا كام تعدادها من السكان، أو عدد عمال مصنع كذا كام، ودرجات الحراة فى مكان ما كام، أو إجمالى عد أجور مؤسسة كام، فكلها بيانات أو إحصائيات خام ليس لها أى مدلول أو معنى..

     

    "المعلومات" Information  هى نتاج إجراء معالجات بين البيانات بعضها البعض، أخرجت ببانات جديدة نسميها "معلومات"، والمعلومة هى التى تعطى لنا مؤشر أو تصور ما فى أذهاننا، تساعدنا على التفكير، أو فى إتخاذ القرارات، مثلا، إن متوسط أجر العامل من دولة ما أو من دول أخرى يساوى كذا فى المائة، فهذا الناتج يعطينى مؤشر بمدى ترتيب أجر العامل الشهرى بالنسبة لباقى دول العالم، إلى آخره من الأمثلة..

     

    أما "المعارف" knowledge  فهى التجارب والخبرات والأحداث البشرية والإنسانية التى حدثت عبر التاريخ، والمعارف تُدرس كخبرة وعبرة من الماضى للحاضر لإستشراق المستقبل..

     

    والثلاثية سابقة الذكر بعاليه حينما تتحول من صورتها الأولية الخام، إلى الصورة الرقمية تسمى ما يطلق عليها بالمحتوى الرقمى، الذى يتواجد على الأجهزة والخوادم وقواعد البيانات فى مركز البيانات، وتدار بنظم الذكاء الإصطناعى لتخرج لنا نظم خبيرة، وكل مصطلح سابق الذكر بأعلاه، سأنوه عنه سريعا لكى نكمل حديثنا على نور..

     

    "قواعد البيانات" Data Base وهى مجموعة من الملفات تحتوى على المحتوى الرقمى، لمفردات من البيانات فى صورة رموز، مثل سجلات العاملين من الإسم والوظيفة والدرجة والمرتب والضرائب المستقطعة وصورة للموظف وصورة للموقع الجغرافى لسكنه .. إلى آخره، وهناك العديد والعديد بالمليارت بل التريلوينات من قواعد البيانات على مستوى العالم فى جميع المجالات ومناحى الحياة..

     

    "مراكز البيانات" Dadat Center وهو مكان يحتوى على مجموعة من الخودام والأجهزة التى يتم تحميلها بقواعد البيانات، و"مراكز المعلومات" هى المسئولة بالدرجة الأولى عن تخزين قواعد البيانات، وعمل نسخ إحتياطة لها، وفى حال توقف أو عطل يحدث فى إحدها، يحل مباشرة محلها النسخ الإحتياطية، ومراكز البيانات لا بد أن تكون متعددة وفى أكثر من مكان، حيث لو تم تدمير أحدها يحل محلها الآخر مباشرة وفورا، حيث الأمر لا يحتمل لكثير من قواعد البيانات أن تتوقف، مثل قواعد البيانات العسكرية، وكذلك البنكية .. إلى آخره..

     

    "الحوسبة السحابية"  Cloud Computing، لا نستطيع هنا أن نذكر قواعد البيانات العملاقة ومراكز البيانات الضخمة دون أن نذكر الحوسبة السحابية، فهى عبارة عن مجموعة من مراكز الحاسبات الآلية الضخمة بجميع توابعها، من أجهزة ونظم وشبكات وأمن وأمان، تتصل بمجموعات أخرى مثلها، وتتبادل وتتناقل فيما بينها البرامج والبيانات دون أن يعرف أو يعلم مستخدمى هذه النظم أين هو من هذه الخوادم، لذا سميت بالحوسبة السحابية، بإعتبار أن البيانات يتم تناقلها عبر هذه النقاط دون علم بمكانها، وأكبر مثال لأضخم حوسبة سحابية على مستوى العالم هى منصات التواصل الإجتماعى، وبالذات الفيس بوك..

     

    "النظم والبرامج" System and Programs وكلنا نعلم أنها أبسط أنواع البرمجيات التى يكتبها مجموعة من المبرمجين بالشركات العالمية أو المحلية، والتى تدير الأجهزة والشبكات وقواعد البيانات، وتعمل فى تكرارية ومحدوية مهما كانت تقوم بأعمال ضخمة، ولكنها نظم وبرامج لا تخرج عن الإطار الذى وضعه المبرمج أو مصممى النظم..

     

    "الذكاء الإصطناعى" Artificial Intelligence  وهو يختلف كثيرا عن النظم والبرمجيات العادية، فالأولى كما شرحنا سابقا محدودة ولا تخرج عن طور عملها الرئيسى، أما الذكاء الإصطناعى فالأمر يختلف كثيرا ومعقدا أكثر، فهى نظم لديها القدرة وتستطيع أن تفكر من تلقاء نفسها، وتطوير نفسها، ولذا هى تعتمد على نوعين من النظم، الأولى "النظم الخبيرة"، والثانية "علوم السبيرانطيقا"..

     

    "النظم الخبيرة"  Expert Systemsوهى النظم التى لديها القدرة والمقدرة ومع إستخدامها مرارا وتكرار، أن تخزن المزيد والمزيد من البيانات والمعلومات والمعارف والتجارب والمحاولات، مما يزيدها إتساعا وخبرة، ونضرب مثلا حيا فى النظم الخبيرة المرتبطة بالذكاء الإصطناعى، وهى برامج الشطرنج، فعندما تلعب مع برنامج شطرنج لعبة إفتتاحية بسيطة أو صحيحة، فى لحظة يرد عليك البرنامج، وحينما تعلب لعبة خاطئة أو غبية، يتوقف عندها البرنامج كثيرا من الوقت للتفكير لإعادة الحسابات لديه، فبرامج الشطرنج عبارة عن برنامج مبرمج ويستوحى البيانات والمعلومات من قاعدة بيانات لديه، بكل الإحتمالات الممكنة أو المتوقعة، وفى حال أحد اللاعبين مع البرنامج لعب لعبة غير مدرجة فى قاعدة البيانات، يبدأ البرنامج فى التفكير من جديد، ويضيف النقلة الجديدة الغير مدرجة بقاعدة البيانات مع إحتمالات الرد عليها، ولو صادف أن هناك لاعب آخر لعب نفس هذه النقلة فيما بعد، ففى لحظة البرنامج سيرد عليه، لأنها أصبحت مدرجة فى قاعدة بياناته بكل إحتمالاتها، ولذا هذا النوع من النظم يسمى بالنظم الخبيرة التى تزداد خبرة مع الوقت، كلما زاد إستخدامها..

     

    "السبيرانطيقا" Cybernetics هو أرقى علوم كوكب الأرض حداثة وتعقيدا، ويشمل على مجموعة من النظم المركبة والمتداخلة، كالذكاء الإصطناعى وقواعد البيانات العملاقة والنظم الخبيرة، والسبيرانطيقا ببساطة شديدة هى نظم "التحكم الذاتى" التى تفوق نظم "التحكم الآلى"، لأن نظم التحكم الآلى تحكم موجه ومحدود من قبل مصنعيه، أما نظم التحكم الذاتى، نظم تحكم لديها القدرة على التصرف، وأكبر أمثلة لها هى روبوتات صناعة العربيات فى ألمانيا، وبالذات فى مصنع بى إم دبليو، وتلك الربوتات لديها القدرة ليس على التصنيع فقط، بل وعلى حل الكثير من المشاكل والأعطال التى تتم أثناء التشغيل، وأكبر مثال لذلك أيضا، سفن الفضاء التى تعمل ذاتيا فى الفضاء، وتدير نفسها بنفسها، وتصلح من أعطالها..

     

     

    إن كل هذه المنظومة سابقة الذكر بعاليه، هو من أجل خلق "محتوى رقمى" لتستفيد به مجموع البشرية حسب متطلباتها ورغباتها، وبدون هذا المحتوى الرقمى لا قيمة لكل البنى والتطور والتطوير التقنى الذى يحدث فى قطاع تكنزلوجيا المعلومات والإتصالات، وللأسف ما زالت أسمع وأرى الكثير من رجال الصناعة وكبار المسئولين والإعلامين، يتحدثون عن الميكنة على أنها الرقمنة، أو أن يتحدثون على أن الميكنة هى نهاية المطاف، ومنهم من يرى بشراء أضخم الأجهزة وإنشاء أكبر مراكز البيانات وإمتلاك أعظم البرامج إمتلك عصر المعلومات، وهم لا يعرفون أن هناك نظم تعدت بكثير كل هذا، فنحن فى عصر نظم الذكاء الإطصطناعى والنظم الخبيرة والسبيرانطيقا..

     


    حمّل تطبيق Alamrakamy| عالم رقمي الآن