كتب : اسلام توفيق

في خطوة تعكس التحول الأضخم في صناعة الذكاء الاصطناعي، أعلنت شركة Crusoe Energy Systems الأمريكية عن إغلاق جولة تمويلية Series E بقيمة 1.375 مليار دولار، لتصبح الشركة واحدة من أكثر الكيانات تمويلاً في مجال البنية التحتية للذكاء الاصطناعي.

التقييم الجديد للشركة تجاوز 10 مليارات دولار، لتؤكد مكانتها كقوة صاعدة في بناء ما تسميه بـ”مصانع الذكاء الاصطناعي” — وهي منشآت متكاملة للطاقة والمعالجة مصمّمة خصيصًا لتشغيل النماذج الضخمة في عالم الذكاء الاصطناعي.

التمويل الجديد قادته مجموعة من المستثمرين العالميين بقيادة CapitalG (ذراع الاستثمار التابعة لشركة Alphabet)، إلى جانب مساهمات من صناديق استثمار كبرى مثل Dragoneer Investment Group وBain Capital Ventures وInvestcorp وGV وMitsui & Co..

ويعكس هذا التنوع في المستثمرين إيمان السوق بقدرة Crusoe على بناء مستقبل البنية التحتية للذكاء الاصطناعي بطريقة أكثر استدامة وكفاءة.

قبل سنوات قليلة، كان السباق نحو الذكاء الاصطناعي يتمحور حول الحوسبة السحابية التقليدية.

اليوم، ومع تصاعد الطلب العالمي على قدرات الحوسبة لتشغيل النماذج التوليدية العملاقة، تطرح Crusoe نموذجًا جديدًا: “مصانع الذكاء الاصطناعي” — وهي مراكز بيانات عملاقة متكاملة رأسياً تجمع بين الطاقة، والتبريد، وإدارة الشرائح (GPUs)، والمنصات السحابية الخاصة بها.

وقد بدأت الشركة بالفعل في تشغيل أول مركز بقدرة 1.2 جيجاواط في مدينة أبيلين بولاية تكساس، وهو مشروع تم إنجازه خلال عام واحد فقط، ما يعكس سرعة التنفيذ ومستوى الكفاءة الذي تسعى الشركة لترسيخه كنموذج عالمي جديد.

هذه الخطوة تمثل بداية تحوّل جذري من البنية السحابية العامة إلى البنية الصناعية المتخصصة التي تمنح الشركات مرونة أكبر في إدارة تكاليفها وتحسين كفاءة الطاقة في تشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي.

تعتمد Crusoe على فلسفة قائمة على الدمج بين الذكاء الاصطناعي والطاقة النظيفة فبدلًا من الاعتماد الكامل على شبكات الكهرباء التقليدية، تقوم الشركة بتوليد الطاقة لمراكزها من الغاز الطبيعي الذي كان يُهدر في السابق عبر الحرق، ما يقلل الانبعاثات الكربونية ويخلق دورة طاقة مستدامة تشغّل بها مراكز المعالجة.

بحسب بيان الشركة، فإن مشاريع Crusoe تسهم في خفض الانبعاثات بما يعادل أكثر من 500 ألف طن من ثاني أكسيد الكربون سنويًا.

كما تمتلك الشركة الآن خط طاقة يزيد على 45 جيجاواط قيد التطوير في مواقع مختلفة، ما يمنحها قدرة تشغيلية غير مسبوقة في سوق مراكز البيانات.

هذا النموذج جعل Crusoe رائدة في ما يُعرف اليوم بـ “الذكاء الاصطناعي الأخضر” — أي الجمع بين النمو التكنولوجي وحماية البيئة من خلال استغلال الطاقة المهدرة وتحويلها إلى وقود للمستقبل الرقمي.

لم تتوقف استراتيجية الشركة عند البنية التحتية المادية فقط، بل توسعت لتقدّم منصة Crusoe Cloud، وهي خدمة سحابية مصممة خصيصًا لمطوري نماذج الذكاء الاصطناعي.

تتيح المنصة للشركات الوصول إلى حوسبة متقدمة بأسعار تنافسية، مع جاهزية تشغيلية تصل إلى 99.98%، إلى جانب خدمات إدارة متكاملة لبيانات التدريب والتطوير.

ووفقًا لتقارير الشركة، ارتفع الطلب على Crusoe Cloud بمعدل خمسة أضعاف خلال الربع الأول من عام 2025 مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، ما يعكس حاجة السوق لحلول بديلة تقلل التكاليف التشغيلية وتحافظ على أداء مرتفع في الوقت نفسه.

رغم الطموح الكبير الذي تحمله Crusoe، إلا أن التوسع السريع في بناء مراكز البيانات العملاقة يحمل تحديات واضحة، أبرزها ارتفاع النفقات الرأسمالية واعتماد النمو على توافر الطاقة المستدامة والمعدات التقنية عالية الكفاءة.

لكن الشركة تراهن على نموذجها المتكامل الذي يمنحها تحكمًا في سلسلة القيمة من الطاقة إلى المعالجة، ما يخفف من المخاطر التشغيلية ويضمن لها مرونة في مواجهة تقلبات السوق.

ويرى محللون أن هذا النوع من المشاريع قد يكون هو الجيل القادم من الصناعات الرقمية، تمامًا كما كانت صناعة النفط والبتروكيماويات في القرن الماضي — لكنه هذه المرة مبني على الطاقة النظيفة والمعرفة.

يشير هذا النموذج إلى فرص مهمة أمام اقتصادات الشرق الأوسط، خصوصًا الدول الغنية بالطاقة مثل السعودية والإمارات وقطر، والتي يمكن أن تستفيد من وفرة مواردها في بناء مراكز ذكاء اصطناعي مستدامة مشابهة.

فمن يملك الطاقة ويستثمر في البنية التحتية سيكون جزءًا من شبكة مصانع الذكاء الجديدة، بدلًا من أن يكون مجرد مستهلك لها.