بقلم : خالد حسن
لعل من أهم التحديات التى تواجه عملية تطوير قطاع القضاء بالمحاكم هو تكدس عدد القضايا بصورة كبيرة مما يؤدى إلى تأخر صدور الأحكام القضائية النهائية فى الآلاف من القضايا لفترات زمنية تصل فى بعض الحالات إلى سنوات خاصة إذا ما أخذنا فى الاعتبار حق الاستئناف الذى يكفله القانون للمتنازعين والمحكوم عليهم .
ورغم المناداة منذ سنوات طويلة بضرورة العمل على الحد من طولة فترة التقاضى " الناجمة عن كثرة عدد القضايا مع قلة عدد القضاة " والوصول الى العدالة " الناجزة "وضرورة موكابة التطوي التكنولوجي والاستفادة من تعميم استخدام الكمبيوتر فى تسريع عملية التقاضى من خلال بناء قاعدة بيانات الكترونية ضخمة يتم وتغذية الكمبيوتر بكل البيانات والمعلومات الخاصة بالقضايا " مع تصنيفها وفقا لعدة فئات " وكذلك الأحكام القضائية المسبقة بحيث تساعد هذه القاعدة القاضى فى اتخاذ حكمه النهائى فى قضية الأمر الذى يساعد فى تسريع عملية التقاضى لاسيما وأنه من التعارف عليه فى المحاكم أنه يمكن الاسترشاد والرجوع لبعض الأحكام السابقة دون أن يكون ذلك محل شك أو اعتراض من جانب المتنازعين .
ومؤخرا أطلق الدكتور عمرو طلعت وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والمستشار عدنان فنجرى وزير العدل منظومة " التقاضى عن بُعد " فى الدعاوى الجنائية بمحكمة شرق الإسكندرية، والتى تتضمن حضور المحامى عن بُعد فى جلسات نظر مد الحبس الاحتياطى بحيث يمكن للمحامى تقديم دفاعه عن المتهم المحبوس احتياطيًا عن بُعد دون الحضور إلى قاعة المحكمة، استكمالاً لمنظومة مد حبس المتهم عن بُعد من محبسه ويستهدف هذا التطبيق تعميم ونشر هذه الآلية على مستوى الجمهورية لاستخدامها بأقصى كفاءة وفاعلية فى العمل اليومى لتشمل كافة قاعات المحاكم الجنائية والاقتصادية.
ويأتى إطلاق هذه المنظومة فى إطار استعداد وزارة العدل لتطبيق قانون الإجراءات الجنائية الجديد الذى وافق عليه مجلس النواب فى دور الانعقاد الأخير والذى نظم اجراءات التقاضى عن بعد فى الدعاوى الجنائية حيث تتيح المنظومة الجديدة تحويل المرافعات الشفوية وقرارات السادة القضاة وأقوال المتهم إلى نص مكتوب، وذلك باستخدام الذكاء الاصطناعى الذى يحول الصوت إلى محرر مكتوب بهدف ميكنة محاضر الجلسات والاستغناء عن كتابه محضر الجلسة يدوياً.
وبدأت رحلة ميكنه اجراءات التقاضى ومواكبو التطور التقنى من خلال قيام وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وهيئة قضايا الدولة ، فى عام 2020 ، بتوقع بروتوكول لتنفيذ مشروع ميكنة وتطوير وتحديث منظومة العمل القضائي والإداري بالهيئة بمزاينة تتجاوز 120 مليون جنيه بهدف تطوير العمل القضائي والإداري من خلال تنمية استخدام المعاملات الالكترونية والوسائل التكنولوجية الحديثة، والمساهمة فى تحقيق التحول الى المجتمع الرقمي وبناء مجتمع معلوماتي عصري، ودعم كفاءة إدارة الأنشطة الحكومية، وتنمية الموارد البشرية والفنية للعاملين لدي الطرفين، وتطوير التطبيقات والبرامج الموجودة بالهيئة والمستحدثة من خلال تطبيق البروتوكول لتكون قابلة للاستضافة على أسس الحوسبة السحابية وغيرها من احتياجات البنية التكنولوجية كما يتضمن البروتوكول التعاون المشترك في تنفيذ مشروع نشر تطبيقات مشروع برنامج القضايا والبرامج الإدارية، وتطوير مشروع أرشفة قضايا ووثائق الهيئة، وتطوير بوابة موحدة لخدمات هيئة قضايا الدولة .
وجاءت الخطوة الثانية ، فى عام 2021 ، عندما وقعت المحكمة الدستورية العليا بروتوكول تعاون مع وزارة الاتصالات ، لمدة 3 سنوات بميزانة مالية تتجاوز 38 مليون جنيه ، مع وزارة الاتصالات لاستكمال ميكنة وتطوير منظومة العمل بالمحكمة الدستورية العليا لتعزيز استخدام أحدث النظم التكنولوجية فى تطوير وتحديث منظومة العمل الإلكترونية الداخلية للوصول الى مفهوم " المحكمة الدستورية الرقمية " وتطوير عملية التقاضى الالكترونى ورفع جودة الخدمات الرقمية التى تقدمها مع تحقيق التواصل الرقمى مع مؤسسات الدولة المختلفة، بجانب توثيق وحفظ تراثها رقمياً وإتاحة المعلومات على موقعها الإلكترونى لتقليل الاعتماد على البيئة الورقية واختصار زمن الفصل فى الدعاوى وتيسير سُبل التقاضى؛ وذلك من خلال منظومة إلكترونية ، مع العمل بالتوازى فى مسار التدريب وتنمية المهارات الفنية للعاملين فى المحكمة فى كافة مجالات تكنولوجيا المعلومات.
واليوم نحن امام منظومة " التقاضى عن بعد" اذ أكد الدكتور عمرو طلعت ان وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات أن هذه المنظومة تمثل خطوة وثابة فى مسيرة التعاون المشترك بين وزارات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والعدل، والداخلية لتطبيق آليات رفع الدعوى الجنائية بما يتواكب مع متطلبات العصر الرقمى، مضيفا أن هذا التعاون يعد لبنة وضاءة فى صرح بناء منظومة العدالة فى مصر الرقمية؛ موضحًا أنه تم توصيل أكثر من 850 خط ألياف ضوئية خلال عام واحد لكل قاعة محكمة ومركز اصلاح وقسم شرطة بهدف تفعيل منظومة النظر فى تجديد الحبس الاحتياطى بما يسهم فى توفير الجهد والنفقات، كما تم تزويد المنظومة بـ 1530 وحدة اتصال مرئى لتمكين القاضى من مخاطبة أطراف القضية اينما كانوا وإجراء جلسة واحدة تنعقد فى اكثر من موقع فى آن واحد.
ولعلنا نتفق على أن تحسين خدمات التقاضى يعد من أهم متطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية بشكل عام لمواكبة التطورات المتلاحقة فى عصر المعلومات لاسيما فى ظل تزايد عمليات سرقة وتبديد و إتلاف العديد من المستندات الورقية الهامة للفصل فى ألاف من القضايا سواء من قبل بعض المحامين أو من قبل المحاكم نفسها الأمر الذى يتطلب ضرورة التدخل بقوة من جانب وزارة الحق لحماية حقوق المواطنين الذين لا يجدون أمامهم إلا القضاء للحصول على حقوقهم .
نعتقد أيضا أنه يمكن للتكنولوجيا المساعدة فى تحسين أداء القضاة أنفسهم بما يتواكب مع التغيرات المتلاحقة من خلال توفير موقع الكترونى يتضمن قاعدة محدثة من القوانيين " التى تم تغيرها أو تعديلها " والأحكام القضائية الحديثة سواء على المستوى المحلى أو العالمى وخاصة فيما يستجد من جرائم " كالجرائم الالكترونية – ونزاعات حقوق الملكية الفكرية فى مجال البرمجيات " .
نتوقع فى ظل حرص الحكومة ، ممثلة فى وزارتى العدل والاتصالات ، على اتخاذ خطوات ايجابية فى مجال ميكنة مختلف المؤسسات والجهات التابعة لها أن يكون عنصر تأهيل القضاة تكنولوجيا وتوفر الأدوات المساعدة على جدول أجندتها بما ينعكس ايجابيا على انخفاض الفترة الزمنية لصدور الأحكام القضائية بين المتنازعين وعودة الحق لأصحابه .
نتطلع فى ظل الحديث عن مصر الرقمية عن توجه وزارة العدل نحو مزيد من ميكنة كافة عمليات التقاضى المعمول بها فى المحاكم والنيابات والهيئات القضائية بما يتيح للمتقاضين إمكانية معرفة الأوراق المطلوبة منهم عبر الإنترنت وكذلك متابعة إجراءات سير القضية عبر الإنترنت مع الاحتفاظ بصورة رقمية من كافة المستندات التى يتم تقديمها للمحكمة لاسترجاعها إلكترونيا فى أى وقت " للقضاء على عمليات التلاعب واختفاء أو سرقة بعض تلك المستندات " كما ستتاح أمام المتقاضين إمكانية الحصول على صورة إلكترونية من الأحكام القضائية النهائية بعد صدروها فى أى وقت من خلال موقع إلكترونى على الإنترنت .
نؤكد أنه من المهم سرعة تنفيذ عملية الميكنة لكافة جهات وزارة العدل على مستوى كافة المحافظات وبصورة متوازنة بحيث يكون هناك تطوير شامل لجميع المحاكم القضائية بما ينعكس بشكل ايجابى على زيادة الثقة فى إجراءات التقاضى بالمحاكم والنيابات العامة بجانب تسريع تلك الإجراءات واختصار الفترة الزمنية لصدور الأحكام القضائية النهائية ولاسيما وأن تأخر العدالة يؤدى إلى تزايد شعور الإحباط لدى كافة المظلومين ويجعلهم يائسين من حصولهم على حقوقهم .
فى النهاية نعتقد أن ميكنة إجراءات التقاضى بوزارة العدل سيؤدى إلى زيادة الشفافية فى متابعة هذه الإجراءات بما يؤدى إلى تحسين ورفع كفاءة القضاة ومتابعتهم ومراجعتهم لكافة الإجراءات السابقة ومدى سلامتها من الناحية القانونية لاسيما عند انتقال القضية من محكمة لأخرى .