نبضات
بقلم : خالد حسن
منذ منتصف العقد الماضي وترفع الدول المصرية شعار بناء الإنسان المصري كأحد أهم أولويات التنمية الاقتصادية الشاملة وبناء صورة جديدة لمستقيل ابنائنا بحيث أصبحت الدولة المصرية مقتنعة أن تطوير منظومة التعليم أصبح ضرورة حتمية لتحقيق التنمية المستدامة ، وبالفعل هناك إعادة هيكلة شاملة لمنظومة التعليم سواء قبل الجامعي أو الجامعي .
ولكن بمناسبة ظهور نتائج مرحلة الثانوية العامة وبحث مئات الآلاف من أبنائنا عن اختيار الكلية والجامعة التي يمكن تساعدهم على تطوير مهاراتهم الشخصية والعملية بما يتناسب مع احتياجات سوق العمل المحلي والعالمي سوف نقتصر حديثنا هنا عن التعليم الجامعي .
في البداية من المهم الإشارة إلى أن هناك نموا في الاستثمار الموجه لمشروعات التعليم بنسبة 25% حيث تصل إلى 19.4 مليار خلال العام المالي الماضي، بالإضافة لنمو الاستثمارات الموجهة لمشروعات التعليم الجامعي بنسبة 11% لتصل إلى 22 مليار جنيه خلال 21/2022 حيث سيتم التوسع في إنشاء الجامعات الحكومية بهدف إتاحة خدمات التعليم العالي دون تمييز من خلال توفير جامعة حكومية واحدة على الأقل بكل محافظة باعتمادات تصل إلى 1.5 مليار جنيه لاستكمال 3 جامعات بمطروح والوادي الجديد والأقصر وإنشاء 2 جامعة جديدة بجنوب سيناء والغردقة .
كما سيتم التوسع في إنشاء الجامعات الأهلية لتوفير الخدمات التعليمية المتميزة الجاذبة للطلاب المصريين والأجانب، خاصةً لشرائح الدخل المتوسطة باعتمادات 4.8 مليار جنيه لإنشاء 16 جامعة، ومبادرة التوسع في إنشاء الجامعات التكنولوجية بهدف ربط منظومة التعليم العالي بمتطلبات سوق العمل، من خلال إنشاء جامعات ترتبط بالخريطة الصناعية بالمحافظات، باعتمادات تصل إلى 2.2 مليار جنيه، حيث أن المستهدفات الكلية تشمل إنشاء وتشغيل 9 جامعات .
هذا ناهيك عن موافقة مجلس الوزراء على إنشاء العديد من الجامعات الخاصة والتي ستكون إضافة حقيقية لمنظومة التعليم الجامعي خاصة مع إصرار القيادة السياسية على ان تمتلك هذه الجامعات لاتفاقيات شراكة وتعاون مع كبرى الجامعات العالمية بما يضمن إتاجة مستوى جودة عال وحديث للمحتوى وتنفيذ برامج دراسية تعليمية عالمية وأيضا مستوى تعليم متميز للطلاب يضاهى ما يحصل عليه الطلاب في الجامعات العالمية وأن تتوافر منصات تعليم تكون ذات طلب عالمي وإقليمي، حيث إن البرامج الدراسية الجديدة أصبحت متوافرة ليست فقط الجامعات الدولية والخاصة والأهلية ولكن بالجامعات الحكومية كثيرا كليات متخصصة في الذكاء الاصطناعي وعلوم الفضاء والإلكترونيات وعلوم البيانات والبيو تكنولوجي ، وهى تخصصات تتماشى مع المستقبل.
ومن ثمة فإن المشكلة الأزلية التي كنا نعاني منها والمتمثلة في ندرة الجامعات
و عدم كفايتها لاسيتعاب كل الطلاب الناجحين في المرحلة الثانوية في طريقها لتصبح شيئا من الماضي ولكن يجب أن يتواكب مع هذا التغير ان يحدث تغيير في ثقافة المجتمع، وأن تقتنع الأسر أنه ليس شرطا أن يدخل أبناؤها الكليات التقليدية وأن هناك ضرورة للتوجه للبرامج الدراسية الجديدة، وأن المستقبل سيكون للتخصصات التكنولوجية الحديثة إذا كنا نبحث عن فرص عمل حقيقية لاولادنا ونريد ان نساعدهم في تطوير مهاراتهم وفقا لاحتياجات سوق العمل .
وبالفعل أدى تطور عدد من التقنيات المتقدمة مثل الحوسبة السحابية، وإنترنت الأشياء، والذكاء الاصطناعي ، والميكنة ، والروبوتات ، وعلوم البيانات الضخمة وتحليلها والطباعة ثلاثية الأبعاد وتقنية البلوكتشين إلى إحداث ما اصطلح على تسميته الثورة الصناعية الرابعة ، وأحدث ذلك تغييرًا جذريًا في معظم القطاعات التجارية والصناعية الرئيسة في العالم من خلال المزج بين العالمين الواقعي والافتراضي.
كما يجب أن نشير إلى ما تقوم به وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بالتعاون مع وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات من إطلاق مشروع " رقمنة الجامعات " باستثمارات مالية تتجاوز 4.7 مليار جنيه بهدف تطوير منظومة التعليم بالجامعات ومواكبتها للتطورت العالمية اعتمادا على استخدام أحدث الأدوات التكنولوجية وذلك ضمن مفهوم التحول الرقمي الذي تتبناه الدولة المصرية .
وفى الحقيقة تقوم وزارة الاتصالات بعدد من مشروعات ومبادرات فى تنمية قدرات الموارد البشرية وتأهيل ابنائنا الطلاب على أحدث التقنيات ولعل أهمها ،في إطار حديثنا عن الجامعات ، أنها تعاون مع وزارة التعليم العالي لإنشاء جامعة مصر للمعلوماتية " EUI" ، المتخصصة في مجالات المعلوماتية والموضوعات ذات الصلة لتكون أول جامعة في الشرق الأوسط وأفريقيا متخصصة في علوم الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بهدف إعداد كوادر شابة في مجالات التكنولوجيا بما يتواكب مع مستحدثات ومتطلبات التحول الرقمي ولصقل مهارات الشباب المصري بما يؤهلهم لتنفيذ مشروعات بناء مصر الرقمية وكذلك التنافس في سوق العمل الدولي
حيث تم مؤخرا تشكيل مجلس أمناء جامعة " EUI " ومن المنتظر ان يبدأ الموسم الدراسي الجديد في أكتوبر 2012 بعد أن قامت وزارة الاتصالات بتوقيع اتفاقيتين للتعاون مع جامعة بيردو، ويست لافييت Purdue University, West Lafayette (“PWL”), بالولايات المتحدة الامريكية ، المتخصصة مجال هندسة الالكترونيات والكهرباء بهدف تقديم برنامجي بكالوريوس هندسة الكمبيوتر وهندسة الكهرباء كدرجات علمية مزدوجة .
وبالطبع فإن تأثير الثورة الصناعية الرابعة لن يقتصر على القطاعات الاقتصادية، بل من المتوقع أن تؤدي إلى اختفاء وظائف تقليدية وتحول أخرى وظهور وظائف جديدة وتؤكد بعد الدراسات أن اقتصاد المعرفة والتحول الرقمي الذي نحياه حاليا سيولد نحو 50 مليون فرصة عمل جديدة ولكنها مرتبطة بمهارات التكنولوجيا والإلكترونيات على حين توقع بحثٌ أجرته جامعة أكسفورد أن 47% من الوظائف الحالية ستصبح مميكنة خلال العقد أو العقدين المقبلين، ونشرت شركة كوجنيزانت ورقة عمل توقعت فيها ظهور 21 وظيفةً جديدة خلال العقد المقبل ستشكل حجر الزاوية للاقتصادات المستقبلية وستختفي الملايين من الوظائف التقليدية بصورتها الحالية .
ولهذا سيواصل متخذو القرارات ومسئولو الموارد البشرية في مؤسسات الأعمال البحث عن موظفين يتمتعون بمهارات مميزة مع قدرتهم على العمل عن بعد والتكيف سريعًا مع مختلف المهمات خاصة بعد الدروس التي تعلموها من أزمة جائحة فيروس كورونا لكن التحدي القائم أن أنظمة التعليم في معظم دول العالم لا تواكب سريعًا التغيرات التي تفرضها الثورة الصناعية الرابعة، فلا تمد الأجيال الشابة بالمهارات الأساسية التي يحتاجون إليها للمنافسة الفعّالة في سوق العمل المتغير.
ويبدو هذا واضحًا في نتائج الاستطلاعات التي تجريها مؤسسات الأبحاث، إذ كشف استطلاع عالمي شارك فيه عدد من أرباب العمل أن 60% منهم يرون أن الخريجين الجدد غير مؤهلين بصورةٍ كافية لسوق العمل. وكشف استطلاع أجرته شركة "برايس ووترهاوس كوبرز" بين الرؤساء التنفيذيين، أن نقص المواهب المؤهلة يمثل أحد ثلاث عقبات رئيسية تعترض نمو الدول العربية. وأظهرت أبحاث شركة " ماكينزي" أنه بحلول العام 2030، ربما يحتاج ما يصل إلى 40% من العاملين في البلدان المتقدمة إلى تغيير مهنتهم أو العودة إلى مقاعد الدراسة لتحسين مجموع مهاراتهم.
وفي تصوري ازدادت أهمية إتقان الطلاب للعلوم والتقنية والهندسة والرياضيات ومهارات التفكير النقدي بالتزامن مع زيادة دور التقنية والابتكار في العالم. ولهذا يبحث أرباب العمل عن موظفين يتمتعون بمهارات التفاوض وحل المشكلات والإدارة البشرية والتفكير الابتكاري بالإضافة إلى المهارات التقنية وحتى معرفة لغات البرمجة وصولًا إلى معرفة اللغة الإنجليزية بطلاقة.
وبالإضافة إلى كل هذا، فإن القدرة على التعلم المستمر خلال أداء الوظيفة، والاهتمام بمواصلة اتباع البرامج التدريبية تعزز فرص المرشحين في الفوز بوظائف مميزة ومن يفتقر إلى هذا ربما لن يحصل على أي وظيفة على الإطلاق مستقبلًا لأن الوظائف التكرارية التي لا تحتاج إلى مهارات إبداعية ستوكل إلى الآلات والنظم الرقمية وأضيف إلى هذا مؤخرًا قدرة الموظف على العمل عن بعد بصورة مستقلة والتعاون مع الفريق أينما كان وكأنه في مكان العمل. وربما يكون للنظم التعليمية التي تعتمد على أسلوب التعليم عن بعد بالإضافة إلى التعليم الصفي والدروس العملية، دور رئيسي في تنمية هذه المهارات عند طلاب المستقبل.
وأخيرا ضرورة التركيز على مهارات الاتصال وتزويد الطلاب بقدرات لغوية جيدة في اللغة الإنجليزية، إلى جانب لغتهم الأم العربية ، تعزيز الابتكار والاستثمار في تقنيات التعليم، لضمان محو الأمية الحاسوبية وتوفير برامج التعلم الشخصية ، تعزيز التعلم مدى الحياة، والاستثمار في الفرص التعليمية خارج نظام التعليم التقليدي بالاضافة لتعزيز التعليم في مجالات العلوم والتقنية والهندسة والرياضيات.