قمة " FDC "..وخريطة مستقبلية لتوطين "مراكز البيانات "

  • §      بقلم : خالد حسن

    أصبحت الآن البيانات وما تتيحه من معلومات من أهم الدعائم الحيوية التي لا يمكن الاستغناء عنها في كل المجالات، وذلك نظراً لأهميتها في دفع عملية التنمية الشاملة والمستدامة؛ ولا أحد يستطيع أن ينكر مدى التطور السريع والتراكم الهائل في كم المعلومات وسرعة تداولها، فإذا لم يستطع أحد متابعة هذا التطور والتلاحق السريع في تراكم المعلومات سوف يطلق عليه أمي.

     

    وفي ظل التوجه الحالي نحو التحول الرقمي وتضاعف حجم المعاملات التجارية الإلكترونية ونمو حجم المعاملات المالية العبارة للحدود فان الحديث عن توطين مراكز البيانات "  Data Center"  لم يعد نوعية من الرفاهية بل بات مطلبا ضروريا حتى يمكننا استكمال الخطوات الهادفة إلى التحول إلى المجتمع الرقمي أهمية صناعة مراكز البيانات والتي شهدت نموا بشكل مطرد حيث من المتوقع أن تتجاوز معدلات نمو الصناعة نسبة 12% سنويا حتى 2022، كما يبلغ حجم السوق العالمية لها ما يناهز 230 مليار دولار، وهو الأمر الذي يمثل تحديا لدى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والتي يصل حجم صناعة مراكز البيانات بها ما لا يزيد عن 5 مليارات دولار مما يشير إلى أن المنطقة لم تنل نصيبها العادل من هذه الصناعة.

    وفى إطاراستضافة القاهرة حاليا لفعاليات الدورة الرابعة لقمة مستقبل مراكز البيانات العملاقة  " FDC"  ، والتي تنظمها شركة MCS  تحت رعاية وبحضور الدكتور عمرو طلعت ـ وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وبمشاركة نخبة من قيادات صناعة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في مصر ، ومجموعة من السفراء الأفارقة بمصر بالإضافة إلى رؤساء الشركات العالمية والمحلية ، فاننا نتطلع ان تسفر هذه القمة الى مجموعة من التوصيات التي يمكن أن تشكل خريطة عمل مستقبلية تستهدف الى توطين صناعة مراكز البيانات فى مصر كمركز إقليمي .

    وكانت نهاية العام الماضي شهدت اعتماد الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات الإطار التنظيمي لإنشاء مراكز البيانات وتقديم خدمات الحوسبة السحابية، حيث تأتي هذه الخطوة تماشياً مع استراتيجية الدولة في دعم عملية التحول الرقمي وجذب وزيادة الاستثمارات في هذا المجال، بالإضافة لتعظيم الاستفادة من الموقع الجغرافي لمصر وتعزيز مركزها الاستراتيجي كنقطة ارتكاز إقليمية وعالمية لحركة البيانات وبوابة ربط لمنطقة أفريقيا والشرق الأوسط بأوروبا، مما يجعلها من الأسواق الواعدة في مجال مراكز البيانات المتنامي بشكل سريع حيث يستهدف هذا الإطار التنظيمي استقطاب شركات مراكز البيانات العملاقة لسوق الاتصالات المصري مما سيساهم في جذب الاستثمارات في مجال الحوسبة السحابية والمحتوى الإلكتروني، وما يتبعه من توفير فرص عمل جديدة في مجال إنشاء وتشغيل مراكز البيانات والمرافق المرتبطة بها، كما يستهدف الإطار التنظيمي المساهمة بشكل كبير في دعم خطط الدولة في التحول الرقمي وتوفير الخدمات الإلكترونية المقدمة للمواطنين، وذلك من خلال ما تقدمه مراكز البيانات من تطبيقات يمكن من خلالها إجراء المعاملات الإلكترونية بشكل أبسط وأسرع عن طريق الوصول السريع للمحتوى المستضاف داخل مراكز البيانات في مصر.

     ومن هنا يأتي دور تكنولوجيا المعلومات في تفعيل وتأصيل دور المعلومات كشريك في إنجازات الحياة وتطورات المجتمع وذلك بعد ان ثبت بما لايدع مجالا للشك ، بعد تداعيات جائحة كوفيد – 19 ،  ان أساس اي تطور وتقدم مجال أو صناعة  أو حرفة  أو غير ذلك يعتمد في بنائه وتطوره على الكم المتوافر من المعلومات عن هذا المجال أو هذه الصناعة ، وهنا  أيضاً يأتي دور صناعة مراكز البيانات في حفظ وتخزين المعلومات وإتاحتها بشكل يسير وأكثر تطورا من الشكل الورقي وأيضا أكثر أماناً للمعلومات وأكثر توفيرا للحيز المكاني ، وهذه التكنولوجيا لها أشكال مختلفة ومنها قواعد البيانات التي هي موضوع هذه الدراسة.

    وفي هذا الإطار تستعد الشركة المصرية للاتصالات، أول مشغل اتصالات متكامل في مصر، وأحد أكبر مشغلي الكابلات البحرية في المنطقة، لتشغيل أكبر مركز بيانات دولي في مصر، والذي يعد أول مركز بيانات في مصر يحصل على شهادات معهد Uptime للمستوى الثالث Tier III في فئات التصميم وبناء المنشآت والاستدامة التشغيلية، كما يتم ربط المركز بجميع أنظمة الكابلات البحرية العالمية التي لديها نقاط إنزال في جمهورية مصر العربية، كذلك فقد تم منح المركز شهادة المستوى الثالث للتصميم من قبل معهد Uptime  منذ بضعة أشهر بعد تقييم دقيق لجميع جوانب المركز وأنظمته التشغيلية. وعلى الرغم من الظروف الاستثنائية التي فرضتها جائحة كورونا وتداعياتها الاقتصادية، استطاعت الشركة المصرية للاتصالات الاستمرار في تنفيذ المشروع دون أدنى تأثير على الخطة الموضوعة أو الفترة الزمنية المحددة لبناء المركز، ومن المتوقع أن يدخل المركز الخدمة أوائل العام المقبل 2021، وتصل طاقته الاستيعابية إلى 2000 كابينة مقسمة على 4 مباني مجهزة لاستضافة البيانات .

    وبصرف النظر عن المفاوضات الجارية مع بعض الشركات العالمية المتخصصة في هذا المجال لإقامة عدد من مراكز للبيانات في مصر إلا أنه دائما ما كان سؤال الشركات العالمية عن مدى امتلاك مصر بعض التشريعات القانونية التي تستهدف تنظيم وادارة وحماية البيانات وكذلك حماية حقوق الملكية الفكرية وهو ما مثل موقفا صعبا لتعزيز الاستثمارات الأجنبية في هذا المجال .

    ومن هنا تاتي أهمية الحديث عن مشروع قانون لتنظيم تخزين وإدارة مراكز البيانات لاسيما بعد أن نجحنا مؤخرا في إصدار قانون 175 لعام 2018 لمكافحة الجرائم الإلكترونية وتقنية المعلومات  وكذلك  القانون رقم 151 لسنة 2020 والخاص بحماية البيانات الشخصية بما يتوافق مع التشريعات العالمية في مجال حماية البيانات والاستجابة لطلبات الشركات العالمية المخاطبة به .

    في تصوري أن توفير قانون حماية حقوق الملكية الفكرية ومشروع قانون "حماية البيانات الشخصية "ومن قبله قانون مكافحة الجريمة الإلكترونية يشكل معا حزمة من التشريعات الضرورية  والداعمة للصناعات الإبداعية وبدون التفعيل الرشيد لقوانين الحماية يصعب الكلام عن تحديث هذه الصناعة ومواكبتها التطورات المتلاحقة في هذا المجال لاسيما أن أغلب المؤسسات العاملة في هذه الصناعات هى غالبا مؤسسات صغيرة ومتوسطة لا تسمح لها إمكانياتها المالية والفنية بالاستمرار إلى ما لا نهاية في الإنتاج بدون وجود تنظيم للسوق أو حماية لمنتجاتها لضمان الحصول على العائد المادي الذي يسمح لها بتطوير إنتاجها .

    وبالطبع تؤكد مثل هذه التشريعات القانونية على جدية وحرص الحكومة على دعم وتنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وجذب المزيد من الاستثمارات المحلية والأجنبية والعمل على تحويل مصر إلى مركز عالمي لمراكز البيانات والاستفادة من موقعها الجغرافي المتميز لتصبح مركزاً لحركة الاتصالات الإقليمية والدولية من خلال الاستغلال الأمثل للكابلات البحرية التي تمر عبر مصر، حيث تحتل مصر المركز الثاني عالمياً في مرور الكابلات البحرية وفقًا لتصنيف المؤسسات الدولية، الأمر الذي يساهم في تحقيق عائدات مالية كبيرة لها .

    نتطلع كذلك في ظل الحديث عن إعادة إحياء مشروع وادي التكنولوجيا بالإسماعيلية - وضمه لمشروع  تنمية المنتطقة الاقتصادية لمحور قناة السويس – أن تتم دراسة فكرة التسويق العالمي وتعظيم العائد من مرور نحو 18" كابل ألياف ضوئية بحري" ، التى تنقل البيانات من الشرق للغرب والعكس ، وإقناع الشركات العالمية بالتواجد في هذا المشروع بعد منحه المزايا والإعفاءات التي يتمتع بها غيره من المشروعات القومية التي تهدف إلى تحقيق التنمية التكنولوجية والنهضة المعلوماتية .

    نؤكد فى النهاية أنه مع صدور القانون ، حماية الملكية الفكرية للبيانات وحفظها بصورته النهائية سيساهم في دفع ودعم التعاون مع العديد من دول العالم والشركات الدولية المتخصصة في صناعة مراكز البيانات لضخ استثمارات مالية ضخمة بمليارات الدولارات في السوق المصرية  .

     

    حمّل تطبيق Alamrakamy| عالم رقمي الآن