المستقبل ..وتنظيم المحتوى الرقمي المدفوع

  • بقلم : خالد حسن

     

    على مدار العقدين الماضيين حرصت شبكات التواصل الاجتماعية العالمية على جذب مستخدمين جدد من خلال تقديم مجموعة من الخدمات بصورة مجانية اعتمادا على نموذج عمل يركز على اقناع الشركات المعلنة بان اعلانها سيشاهد من قبيل الملايين من المستخدمين وظل هذا النموذج يعمل بفاعلية وجميع الاطراف فى حالة رضا " بداية من المستخدمين مرورا بشبكات التواصل وصولا الى الشركات المعلنة ".

    وكما أشرنا ، فى نفس هذا المكان منذ اكثر من عامين ونصف تقريبا  ، الى أنه يبدو ان هذا النموذج لم يعد يعمل بكفاءة ، لاسباب لا نعلمها حتى الان ، خاصة ما انتقال ملكية هذه الشبكات الى ملاك جدد يبحثون عادة عن كيفية تغطية قمة الصفقات واستعادة الاستثمارات التى تم ضخها بل وتحقيق مكاسب مالية جديدة من قاعدة المستخدمين الذين اعتادوا على استخدام هذه الخدمات واصبحت تشكل جزء مهم فى نمط تعاملهم اليوم مع الانترنت ناهيك عن عزوف وهجرة الكثير من المستخدمين ، لاسيما الشباب ، عن بعض اشهر شبكات التواصل الاجتماعى والبحث شبكات جديدة اكثر تخصصا وتتناسب اكثر مع طبيعتهم واحتياجاتهم الواقعية .

    ناهيك عن أن الكثير من المستخدمين بدأو فى التحذير من خطورة المحتوى الرقمي الذى يتم بثه عبر العديد من شبكات التواصل الاجتماعي العالمية والذى لا يتناسب مع تقاليد وعادات المجتمعات ناهيك عن الانهيار الاخلاقي والثقافي فيما يتم تقديمه من محتوى وظن البعض ان المحتوى الرقمي المدفوع  ربما يكون هو سفينة الانقاذ لصناعة الحتوى الالكترونى كألية مهمة لتمويل وتشجيع صناع المحتوي على اعداد وتقديم محتوى رقمي هادف ووايجابي يكون له تأثير مثمر على كافة فئات المجتمع .

    وبالفعل شهدنا اطلاق شبكات من القنوات القضائية المتخصصة " رياضة ، فنيه ، ترفيهية ، أخبارية وشاملة " من خلال فرض اشتراك شهري أو سنوي لمشاهدة المحتوى المتميز والحيادي الذى تقدمها وبالفعل لجاء لها الملايين  من المستخدمين حول العالم كما بدأت بعض الصحف العالمية " وكان أولهم جريدة وول ستريت جورنال ، وكذلك الوكالات الأخبارية العالمية " رويترز نيوز ،  بلومبرج دوت كوم ، داوجونز  وغيرهم " فى فرض رسوم على تصفح محتواها الالكتروني كوسيلة لمساعدة هذه الوكالات على استمرار نشاطها فى ظل عمليات التحول الرقمي وتفضيل المستخدمين الجدد متابعة المحتوي الرقمي على جهة هواتف الذكية او أجهزتهم المحمولة .

    ولكن يبدو أن المنافسة الشديدة مع منصات تقديم المحتوى الرقمي " المجانية " والتى تعرض اى نوع من المحتوى الالكترونى بصرف النظر عن محتواها ، والتى تركز على حذب الاعلانات التجارية لمنصتها ، دفع منصات المحتوى الرقمي المدفوع الى الدخول فى منافسة مع المنصات المجانية والتنازل عن فكرة جودة المحتوي الرقمي المقدم والسعي فقط الى جذب المشتركين الجدد والوصول الى اكبر عدد من المشاهدين مما ادي الى تراجع كبير فى مستوى جودة الاعمال التى يقدمونها بل وهجرة المشتركين لهذه المنصات المدفوعة وكان اكبر دليل على ذلك هو خسارة منصة " نتفليكس " العالمية للمحتوى الرقمي المدفوعى لنحو مليون مشترك خلال العام الماضي .

    وفى هذا الاطار  قرر "المجلس الأعلى لتنظيم الاعلام " في مصر اصدار قواعد تنظيمية وتراخيص لمنصات المحتوى الالكتروني مثل نتفلكس وديزني واصدر بيان بعنوان “إلزام المنصات التلفزيونية بأعراف وقيم الدولة”، مؤكدا إنه قرر إصدار قواعد تنظيمية وتراخيص لمنصات المحتوى الإلكتروني موضحا أن التراخيص والقواعد التنظيمية تشمل التزام المنصات المشار إليها بالأعراف والقيم المجتمعية للدولة، والقيام بالإجراءات اللازمة حال بث مواد تتعارض مع قيم المجتمع.

     

    وكانت كل من لجنة مسؤولن الاعلان الالكتروني بدول مجلس التعاون الخليجي برئاسة المملكة العربية السعودية وهيئة تنظيم الاتصالات ومكتب تنظيم الاعلام قدموا ، مؤخرا ، طالبوا ، منصة نتفلكس بإزالة المحتوى المخالف.

    وأجمع المطالبون على أن "نتفلكس" تقوم ببث بعض المواد المرئية والمحتوى المخالف لضوابط المحتوى الإعلامي في دول مجلس التعاون، والذي يتعارض مع القيم والمبادئ الإسلامية والمجتمعية، وبناء عليه؛ تم التواصل مع المنصة لإزالة هذا المحتوى بما فيه المحتوى الموجه للأطفال والتأكيد على الالتزام بالأنظمة.

    ومن المتوقع أن تتضاعف اشتراكات شركات البث التدفقي مثل نتفلكس في الدول العربية إلى أكثر من الضعف على مدى السنوات الخمس المقبلة، مع بقاء نتفلكس في صدارة السوق في الشرق الأوسط ووفقًا  لدراسة اجريت فى 13 دولة عربية من قبل شركة الأبحاث الرقمية Digital TV Research  التي تتخذ من لندن مقراً لها، فإن الاشتراكات المدفوعة في خدمات البث في منطقة الشرق الأوسط من المتوقع أن ترتفع من 9.49 مليون عام 2021 إلى 21.5 مليون بحلول عام 2027.

    فى اعتقادى أن المستخدمين باتوا يبحثون حاليا عن المحتوى الرقمي الجيد والموضوعي والحصول على المعلومات والبيانات والتحليلات المتعمقة من مصادر خبيرة، جديرة بالثقة والحيادية والدقيقة من خلال عرض مميز وهم الان اكثر استعدادا لدفع مقابل هذه المحتوي الرقمي بعد ان كانت فكرة الدفع مقابل المشاهدة فكرة صعبة وغير مقبولة لدى الغالبية العظمى .

    فى تصورى أن الكيانات والمؤسسات العاملة فى مجال صناعة المحتوى ستواجه المزيد من الضغوط فى المستقبل نظرا لانها بين طرفي الرحي فهى بين مطرقة رغبة المستخدين فى الحصول على مستوى جودة متكيز للمحتوى الرقمي بصورة دائمة  وهو ما يتطلب مضاعفة استثماراتها لارتفاع تكلفة اعداد هذا المحتوى وبين سندان المنافسة مع صناع المحتوى الافراد والذي ليس لديهم اى معايير للجودة او الكفاءة او التميز وانخفاض تكلفتهم .

    فى النهاية نؤكد ان تدخل الجهات الحكومية المنظمة و المعنية بصناعة المحتوى الاعلام يجب ان يكون متوازنا بين كافة أطراف صناعة المحتوى الرقمى سواء شركات او أفراد حتى لا نفاجىء بوجود ضغوط مستمرة على صناع المحتوي من المؤسسات والكيانات المعترف بها على حين يتم ترك الحبل على الغارب للافراد الذي يقومون بصناعة محتوى رقمي اقل ما يوصف به انه غير لائقا اخلاقيا او مجتمعيا او دينيا فالعدالة وفرض الضوايط على كافة صناع المحتوى الرقمي هو الذى سيدفع هذه الصناعة الى التحسن ورفع مستوى جودة ما تقدمه .

     

     

    حمّل تطبيق Alamrakamy| عالم رقمي الآن