بقلم : فريد شوقي
لم يعد سرا أن تقنيات الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة والتعليم العميق سيغير هيكل سوق العمل العالمي ويلغي ويتيح عشرات الملايين من فرص العمل حيث يتوقع متخصصون أن تشهد سوق العمل مستقبلًا تغييرات جذرية مرتبطة بالقفزات التكنولوجية الكبيرة والتطور العلمي، لاسيما انه سبق أن قدرت شركة "ماكينزي للاستشارات العالمية " أن ما بين 400 إلى 800 مليون شخص حول العالم سيخسرون وظائفهم بحلول العام 2030 مع تزايد تغلغل تقنيات الذكاء الاصطناعي في مختلف مناحي الحياة .
ومن ثمة فإن تأهيل وتدريب مواردنا البشرية على هذه التقنيات الجديدة لم يعد خيارا متاحا وإنما أصبح بمثابة " لغة المستقبل " وضرورة يقتضيها ما نعيشه حاليا من تطورات عالمية في خضم ما يعرف بالثورة الصناعية الرابعة والتي تقودها تقنيات الروبوتات والذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء والحوسبة السحابية والطباعة ثلاثية الأبعاد والجبل الخامس للاتصالات اللاسلكية " 5G " .
وبالطبع فإن مصر والدول العربية ليست بمنأى عن هذا الطوفان التكنولوجي القادم والمتسارع والذى يفرض علينا تحديدات كبيرة يجب التعامل معها بمنتهي الجدية خاصة أننا نتحدث عن استراتيجيات ورؤى مستقبلية حول التوسع في تطبيق عملية التحول الرقمي لكل المؤسسات الحكومية والخاصة ، في ظل تداعيات جائحة فيروس كورونا " المستجد " وما أكدته من ضرورة الاعتماد على حلول التكنولوجيا باعتبارها احد الآليات الضرورية للحياة لاسيما أن العالم يشهد توجهًا ملحوظًا للاعتماد بشكل أكبر على البيانات والذكاء الاصطناعي؛ وبصفة خاصة في مجال الطب والصحة، إذ أصبحت الأجهزة والأنظمة التشخيصية القائمة على تقنيات التعلم العميق للآلات أفضل من الأطباء في جميع مجالات التشخيص تقريبًا .
فالتقنيات المستقبلية؛ التى ذكرناها سابقا، ستسهم بتغيير طبيعة العمل في مختلف المجالات، ويجب على الشباب تعلم المهارات المطلوبة في المستقبل وتطوير أفكار جديدة تعزز من قدرتهم على المساهمة الفاعلة في مجتمعاتهم المحلية.
وإذا كنا بالفعل شهدنا في السنوات الأخيرة إطلاق عدد من المبادرات ، الحكومية ، التى تستهدف تأهيل وإعداد الكوادر البشرية المتخصصة فى مجال تكنولوجيا المعلومات الا ان من أهمها مبادرة رئيسية لإعداد رواد تكنولوجيا المستقبل " NTL " والتي أطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسي في نهاية عام 2017 لبناء قدرات الكوادر من الشباب على أحدث تقنيات التكنولوجيا والاتصالات والإلكترونيات وتقود وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ،من خلال مركز الإبداع التكنولوجي وريادة الأعمال التابع لهيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات (إيتيدا) .
وفي اعتقادي أن المبادرة تشكل فرصة حقيقية للشباب الباحث بجدية عن فرص عمل في المستقبل وإعادة تأهيل قدراته حيث تستهدف بناء القدرات التكولوجية لشبابنا من خلال إنشاء نظام تعليمي متكامل وعملي ويتسم بالجودة، يكون محوره الدارس ويدعمه محتوى مميز يتم إعداده من خلال جهود مشتركة وبمساعدة أفضل الجامعات والشركات الرائدة، ويتاح هذا المحتوى على منصات التعلم الذاتي الرائدة عالمياً (MOOC)، وتستهدف المبادرة الطلاب الجامعيين بداية من الصف الثاني، والخريجين، والعاملين بالجامعة، ورواد الأعمال، والمتخصصين من خلال إتاحة الدورات على الإنترنت في مجالات من بينها الذكاء الاصطناعي وعلم البيانات، والتعلم الآلي، وتقنيات إنترنت الأشياء، وريادة الأعمال، والبرمجة، والإدارة الاستراتيجية، والابتكار.
أما على مستوى منطقة الشرق الأوسط فهناك مبادرة "مليون مبرمج عربي" ، والتى تستهدف تأهيل مليون مبرمج عربي ، وأطلقتها مؤسسة دبي للمستقبل التابعة لحكومة دبي، وإدخالهم مجال علم البرمجيات مجانًا، وتمكينهم ليصبحوا قادرين على تطوير المجال والاحتراف فيه من خلال برامج تدريبية متطورة ومكثفة .
كما ستتيح فرصًا مستقبلية تعطي لخريجيها أملًا بتأسيس شركاتهم الخاصة في إمارة دبي خاصة أن المبادرة تقدم الدعم لخريجيها عبر مجموعة من المشاريع والبرامج المتخصصة؛ منها توفير مساحات عمل مشتركة لأول 50 خريجًا لتأسيس شركاتهم الخاصة كذلك من المقرر أن يحصل أفضل ألف طالب مشارك في المبادرة على منحٍ لبرامج تدريبية معتمدة عالميًا، بالإضافة إلى ميزة الانضمام إلى منصة الوظائف الخاصة بالمبادرة للانخراط في سوق العمل.
وتمنح المبادرة أفضل 4 مدرسين يختارهم الطلبة عبر تصويت خاص، جوائز تصل قيمتها إلى 200 ألف دولار، وكذلك جائزة مليون دولار لأفضل مبرمج، و50 ألف دولار لمن يصل للمراكز العشر الأولى. وحظيت المبادرة باهتمام عالمي، واعتبرها سيباستيان ثرون مساهمةً «في تطوير قدرات الشباب العربي ومهاراتهم ومن الضروري استنساخها في مناطق أخرى من العالم».
في النهاية نؤكد ان امتلاك مواردنا البشرية والمهارات اللازمة لتقنيات التعلم العميق للآلات والذكاء الاصطناعي هي بمثابة المفتاح الذهبي للحصول على وظيفة مناسبة في المستقبل القريب فهذه التقنيات المستقبلية ستسهم بتغيير طبيعة العمل في مختلف المجالات، ويجب على الشباب تعلم المهارات المطلوبة في المستقبل وتطوير أفكار جديدة تعزز من قدرتهم على المساهمة الفاعلة في مجتمعاتهم المحلية وبناء عالم أفضل وأكثر استدامة يعتمد بصورة أساسية على الرقمنة والمعلومات " اقتصاد المعرفة " مع الأخذ في الاعتبار تسارع التوجهات العالمية للاعتماد على المهارات المتخصصة والمرتكزة على تقنيات الثورة الصناعية الرابعة وأهمها تقنيات الروبوت والذكاء الاصطناعي وتعلم الآله وتحليل البيانات وغيرها .