كلمات ومعاني
بقلم : فريد شوقي
آباؤنا وأمهاتنا دائما لم ولن نستطيع أن نرد لهم جزءا بسيطا مما يستحقونه من البر والمعاملة الطيبة والحسنة جراء تضحياتهم وكل ما تحملوه على مدار سنوات عمرهم من أجل إسعادنا نحن الأبناء .. ولكن عرفانا بالجميل وما قدموه من مساهمات في تنمية مجتمعاتهم بل والقدرة علي مواصلة عطائهم بلا حدود من خبرات وحنان وعطف .. الأمر الذي استوجب أن تخصص لهم الأمم المتحدة يوما سنويا للاحتفال بهم وهو الأول من أكتوبر، والذي يقام منذ عام 1991 ، باسم " اليوم العالمي للمسنين " وتقام الدورة الثلاثون هذا العام تحت شعار " رحلة إلى المساواة بين الفئة العمرية " .
وتشير تقديرات الأمم المتحدة يوجد بالفعل مليار من الأشخاص البالغين من العمر 60 عاماً أو أكثر، ويعيش معظمهم في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل ، ويفتقر العديد منهم إلى إمكانية الحصول على الموارد الأساسية اللازمة لحياة ذات معنى وللعيش بكرامة وبصحة جيدة كما يواجه العديد من الآخرين عقبات كثيرة تحول دون مشاركتهم مشاركة كاملة في المجتمع، ومن ثمة فإننا في حاجة عاجلة إلى العمل العالمي المتضافر بشأن التمتع بالصحة لآبائنا ممن هم في مرحلة الشيخوخة.
وفي الحقيقة فإن عام 2020 بما شهده من انتشار جائحة فيروس " كوفيد – 19 " أثر بصورة سلبية جدا على كبار السن إذ أكد أنطونيو جوتيريش ـ الأمين العام للأمم المتحدة ـ " إن الجائحة تسببت في مخاوف ومعاناة يعجز اللسان عن وصفها لدى كبار السن في جميع أنحاء العالم .. وبصرف النظر عن الواقع الصحي المباشر الذي تخلفه الجائحة على كبار السن، فإن خطر تعرضهم للفاقة والتمييز والعزلة من جرائها أعظم. ومن المرجح أن أثرها على كبار السن في البلدان النامية أدهى وأمر" .
وتشير الدراسات المتخصصة إلى جائحة "كوفيد-19 " أدت إلى انخفاض كبير في مدخولات كبار السن ومستويات معيشتهم.حيث يحصل أقل من 20٪ من كبار السن في سن التقاعد على مرتبات تقاعدية منتظمة هذا بالإضافة إلى كبار السن يواجهون الانزلاق بين الفئات الأضعف في هذا الوقت أكثر من أي وقت مضى. ولا يهدد الفيروس حياة المسنين وسلامتهم فحسب، بل يهدد صحتهم الاجتماعية وفرص حصولهم على الخدمات الصحية ووظائفهم وسبل عيشهم. ناهيك عن أن الفيروس يتسبب بوفاة أولئك الذين تزيد أعمارهم على 80 عامًا بمعدل أعلى بخمسة أضعاف من الفئات العمرية الاخرى. إذ يعاني نحو 66٪ من الأشخاص الذين تزيد أعمارهم على الـ 70 عامًا من حالة مرضية واحدة على الأقل، مما يضعهم في خطر متزايد للتأثير الشديد من العدوى أو الإصابة بكوفيد-19 .
وبالطبع فإن التكنولوجيا بما قدمته وستقدمة من حلول كانت بمثابة " العصا السحرية " التى يمكنها أن تكون المساعد الافتراضي والصديق الوفي لكبار السن من خلال تطوير حلول منتجات إلكترونية تستهدف مساعدة هذه الفئة لتنال ما تستحقه من عيشة كريمة والاحترام والتقدير لما أنجزوه ، وهم يمرون بمرحلة ما يسمى خريف العمر ، وتوفير التكنولوجيا الملائمة والتأهيل، وكذلك تدريب الموظفين في مجال رعاية كبار السن، وتوفير المرافق اللازمة لتلبية احتياجات كبار السن، وحث المنظمات غير الحكومية والأسر؛ لتقديم الدعم للمسنين لاتباع أسلوب صحي جيد، والتعاون بين المؤسسات الحكومية والأسر والأفراد لتوفير بيئة جيدة لصحة ورفاهية المسنين خاصة أنهم يمكن أن يتشاركوا مع ذوي الإعاقة في الكثير من الاحتياجات .
نطالب ، في ظل الحديث عن قانون التأمين الصحي الشامل ، كل الكيانات المعنية بكبار السن بتنسيق التعاون فيما بينهم لتوفير وإتاحة بعض الأدوات التكنولوجية الجديثة وأبسطها ساعات اليد ، المزودة بالإنترنت التي تتابع الحالة الصحية لكبار السن، لقياس المعدلات الحيوية لهم بدقة كمعدل ضغط الدم وضربات القلب ، والبقاء على اتصال دائم مع الجهات الصحية المتابعة لصحتهم والتدخل السريع وفقا لنتائج قياس مؤشراته الفيزيائية والبيوكيميائية لجسم الإنسان بهدف رصد وتشخيص مختلف الأمراض لكبار السن .
في النهاية نؤكد أن توفير وسائل المعيشة الكريمة هو حق أصيل لكبار السن وليست فضلا أو منة من المجتمع لهم وعلينا أن ننتهز الاحتفال باليوم العالمي للمسنين لرفع نسبة الوعي بالمشاكل التي تواجه كبار السن وأهمية الرعاية الوقائية والعلاجية لكبار السن، وتعزيز الخدمات الصحية والوقاية من الأمراض خاصة اذا أخذنا بعين الاعتبار أن العديد منهم لديهم القدرة والرغبة في الاستجابة لنجدة ومساعدة غيرهم، فمنهم من يعمل في مجال الصحة والرعاية والعديد من الخدمات الأساسية لاسيما مع تخصيص الأمم المتحدة العقد الحالي كعقد التمتع بالصحة في مرحلة الشيخوخة (2020-2030) بما يشكل فرصة للجمع معاً الحكومات، والمجتمع المدني، والوكالات الدولية، والمهنيين، والدوائر الأكاديمية، ووسائل الإعلام، والقطاع الخاص، لعشر سنوات من الجهود المتضافرة والمحفّزة والتعاونية التي تُبذل من أجل تحسين حياة المسنين وأسرهم والمجتمعات المحلية التي يعيشون فيها.