بقلم : د . ياسر بهاء الدين
على وزن "فَتِّشْني فَتِّشْ" للممثل الكوميدي الرائع إسماعيل ياسين في فيلم (ابن حميدو) عندما مر على نقطة تفتيش مرورية وكان مصمما على أن يتم تفتيشه رغم علمه بأنه لن يتم ذلك. هل تعلم أننا – بدون أي اندهاش – نتبنى نفس المنهجية في ازدواجية التفكير؟
نكره التشتت ولكن نعشقه – إلا من سيقرأ هذا المقال ويعمل بما فيه – فمثلاً عندما تبدأ في القيام بأي مهمة عادية لم تربطها بأهمية كبيرة فإنك تبدأ في الشعور بالجوع أو العطش أو الرغبة في التحدث لأحد أصدقائك أو تحاول اكتشاف ما حدث في الثلاجة في الدقائق الفائتة من تطورات أو تتفحص الهاتف لعل هناك رسالة مهمة وطارئة وعاجلة تحتاج ردك الفوري أو غيرها من الملهيات والمشتتات التي تعلم جيداً أنك تكرهها كأثر (لأنها مشتتات) ولكن تعشقها كإحساس (لأنها تشبع رغباتك اللحظية).
هناك دائماً حرب ضارية بين نوعين من التفكير داخل كل منا ويمكن تشبيه النوع الأول بتفكير الأم والذي يحرص دائماً على حمايتنا من أي خطر أو تغيير لما تم الاعتياد عليه حتى لو كان هناك مجال للوصول إلى مستويات أعلى من المكاسب المادية أو المعنوية أو النفسية وبالتالي يخشى هذا الجانب من التفكير في أي تغيير ولو بسيط يتم عرضه عليه ودائماً ما يقابله بالرفض التام وخلق الأعذار التي تتمحور حول المخاوف من النتائج غير المضمونة والمخاطر المحتملة والمساوئ التي قد نتعرض لها مع هذا التغيير لنمط الحياة المعتاد والذي نعرفه بمنطقة الأمان تماماً مثل حرص الأم على أطفالها بدافع الحب والحرص الزائد على عدم تعرض أبنائها لأي أذى حتى ولو كان بسيطا خوفاً من العواقب التي في المقام الأول لم تحدث وأيضاً قد يحدث ما هو إيجابي ورائع.
وعلى الجانب الآخر نوع التفكير الذي غالباً ما يتبناه الأب والذي لا يُراعي في كثير من الأحيان جانب الأمان وتجنب المخاطر خاصة عندما تكون النتائج المتوقعة إيجابية مثل أن يسمح الأب لأحد أبنائه بالذهاب منفرداً لشراء بعض الأغراض من أحد المحلات القريبة من المنزل في حين تعترض الأم خوفاً عليه من أن يضل الطريق أو يختطفه أحد أو تُسرق منه النقود وغير ذلك من المخاوف كما تم توضيحه في نوع التفكير الأول. لكن في النهاية لمن الغلبة؟
إذا ما تخيلنا المثال السابق فإن ذلك الإبن لن يستطيع بمرور الأيام أن يعتمد على نفسه في شراء أغراض المنزل وسيعتمد دائماً على الآخرين في كل ما يحمل في طياته شيئاً من المخاطرة ولو بسيطة. هكذا نحن عند مواجهة أي موقف أو تحد يحتاج بذل مجهود أكبر أو القيام بما هو غير مألوف سيكون الصراع بين الجزء الذي يرغب في الارتياح وعدم المخاطرة عن طريق إيجاد كل المساوئ والأعذار التي يمكن أن تحدث ولو بنسبة منخفضة في سبيل التوقف عن اكتساب أي مدخلات جديدة تنهكه أو تنقله إلى منطقة اللا راحة في حين على الطرف الآخر سيكون هناك جزء من التفكير الذي يرغب في التطوير وإحداث نقلة في المعلومات والمهارات عن طريق توقع كل المميزات والأسباب التي يمكن أن تحدث ولو بنسبة بسيطة في سبيل السعي للحصول على تلك المميزات والانتقال لمستوى أعلى نفسياً وذهنياً ومادياً واجتماعياً.
وبالتالي يعتمد مدى نجاح وتطوير أي شخص على مدى انتصار أحد الجزءين على الآخر ولكن هذا لا يعني أن يكون انتصار أحدهما كاسحا دائماً وإلا ستكون النتيجة التحفظ الكامل وعدم التطور أو المخاطرة والتهور وكلاهما غير مرغوب ولكن كلما كان جانب المخاطرة أكبر مع الأخذ في الاعتبار بعض الاحتياطات والتفكير العقلاني واستشارة من لهم باع في تلك المسألة محل التفكير؛ كلما كانت نسبة النجاح والتطوير والتميز أعلى.
وأخيراً أطرح عليكم أربعة أسئلة قد تكون هي الأداة المُثلى – من وجهة نظري – التي تساعدك على اتخاذ قرار السليم في الوقت المناسب وهي:
لماذا؟ فلابد أن تسأل نفسك لماذا تقوم بهذا العمل الذي يتطلب المخاطرة وهل تتناسب العوائد مع المخاطر وما هو أسوأ ما يمكن أن يحدث وأيضاً أفضل ما يمكن أن يحدث وهنا تستطيع الانتقال للسؤال الثاني.
لماذا لا؟ أي نكون على إدراك كامل بما سيترتب على عدم خوض تلك التجربة وهل ستكون نتائج عدم الإقدام على ذلك الفعل سلبية أم إيجابية على حياتي الآن وحياتي فيما بعد؟
لماذا لست أنا؟ ويعتبر هذا السؤال من أهم الأسئلة حيث إنه يضع نصب أعيننا النجاحات التي تنتظرنا إذا ما تعرضنا أو خضنا تجارب جديدة والمكتسبات على كل الأصعدة التي سنصل إليها ومدى تميزنا عن غيرنا ممن تخاذلوا عن المضي قدماً وتحقيق ما أنا بصدد تحقيقه.
لماذا ليس الآن؟ وإجابة هذا السؤال تحارب بشكل مباشر عادة التسويف والتي يعاني منها الكثير نتيجة الاستسلام للجزء الأول من التفكير والذي يتمنى ويسعى للتأجيل والإقدام على ما هو غير معلوم حتى يصل إلى تناسيه والتنازل عنه بعد أن تفتر الهمة وتتكسر أمواج العزيمة على صخور الأفكار السلبية والمأساوية التي هي من نسج الخيال.
فمن يستطيع أن يبحث عن إجابة تلك الأسئلة الأربعة عند مواجهة أي موقف يحتاج فيه إلى قرار سريع عندما يواجه حرباً داخلية بين مؤيد ومعارض سيعلم تماماً أن من تميزوا ونجحوا وأفادوا البشرية وقدموا ما لم يقدمه غيرهم كانت لهم رؤية لم يستطع غيرهم الوصول إليها إما لانتصار الفكر المتحفظ جداً أو عدم الإجابة على تلك الأسئلة الأربعة والتي تؤدي بشكل غير قابل للنقاش إلى التركيز على النتائج الإيجابية وعدم التشتت فيما ليس له قيمة فإما التردد والانكسار أو الإقدام والانتصار.