بقلم : د . ياسر بهاء
الكثير منا يبدأ في العديد من المهام أو المشاريع أو الأفكار التي يعتقد عند البدء فيها أنها فعلاً فارقة في حياته ولكن ليس كل ما نبدأه نصل إلى نهايته المتوقعة وهناك العديد من الأسباب وراء تلك النتيجة ولكن أهمها والذي نتناوله في هذا المقال هو السعي إلى "الكمال" ولكي نلقي الضوء على هذا المفهوم لك أن تتخيل عدد المرات التي بدأ فيها الكثير من الناس محاولة التوقف عن التدخين أو البدء في حمية غذائية معينة أو البدء في تعلم لغة جديدة ولكن بعد فترة - قد تكون قصيرة جداً - نجد أن التوقف وعدم الاستمرارية هو ما آلت إليه كل تلك المحاولات. ولكن كيف يمكن الربط بين السعي للكمال وعدم الاستمرار في تنفيذ ما تم تخطيطه؟
من أحد أشهر الأسباب وراء ذلك هو الرغبة فقط في النتيجة المثالية كمن يضع لنفسه جدولا يوميا لممارسة الرياضة وبمجرد أن يتعرض لعدم الالتزام ليوم واحد فقط يكون اختياره الأول هو التوقف النهائي مع العلم أن الاستمرار حتى بعد هذا التوقف المؤقت قد يؤدي إلى نتيجة مقبولة مقارنة بالتوقف التام أو حتى ازدياد الجدول الزمني للوصول إلى النتيجة المرجوة ولكن الرغبة في الوصول إلى النتيجة المتوقعة كاملة وفي نفس الوقت المخطط له يجعل اختيار التوقف هو الأسهل والأقرب للتنفيذ حيث إن العديد لا يقبل إلا بالكمال أو التنازل تماماً.
يتناول كتاب (Finish) هذه القضية مع وضع بعض الحلول في حالة الإخفاق الجزئي وعدم الالتزام الكامل بالخطة المحددة للوصول لهدف معين وقد استعرض الكاتب خمسة مقترحات للوصول إلى خط النهاية كما يلي:
1- تصغير الهدف أو مضاعفة الوقت:
وهنا يقترح الكاتب إما زيادة الوقت المخصص أو المتوقع للوصول إلى النتيجة المطلوبة أو تقليل الهدف مع الاحتفاظ بنفس الجدول المحدد وذلك ضماناً للاستمرار وعدم فتور الهمم حيث إنه كما يقال "طلب الكمال من مهلكات الرجال" لأن الكثير قد يتنازل عن تحقيق ما يصبوا إليه اعتقاداً بأن هناك اختيارين لا ثالث لهما وهما الحصول على 100% أو لا شيء وبالتالي الخطوة الأولى لتحقيق ما هو مميز في الحياة أن نتخلص من السعي للكمال والمثالية في الكثير من جوانب الحياة.
2- لا أحد يُحسن كل شيء:
وهو السعي لأن نكون في قمة الأداء عند القيام بأي شيء وذلك يُعد من أنماط التفكير الخاطئة حيث يصعب جداً القيام بكل الأعمال بالتزام تام وكفاءة عالية ويجدر بنا عدم المقارنة بمن هم في قمة النجاح حيث أنهم بلا شك لديهم قصور في بعض جوانب الحياة غير الظاهرة لنا حيث من الطبيعي أن يكون التركيز على ما هو أهم من حيث النتائج والأثر وإعطاء الحد الأدنى من الاهتمام والمجهود لما هو أقل في الأهمية لتوفير بعض الوقت والمجهود للمشاريع والخطط الأكثر أهمية.
3- استمتع بالسعي قبل النتائج
من المفاهيم الخاطئة لدى البعض هو ربط السعادة والشعور بالإنجاز فقط عند تحقيق النتائج مع العلم بأن رحلة السعي لتحقيق تلك النتائج هي غالباً ما نتذكره عند الحديث عن إنجازاتنا ولكن ربط السعادة بالنتائج يجعل الكثير يتوقف عما يقوم به إذا ما تعرض لأي عائق قد يؤجل الوصول لتلك النتائج والأهداف المخطط لها حيث أنها حقاً فكرة محبطة إذا ما كان الاعتقاد بأن السعي مشقة والنتائج هي مصدر السعادة فبالتالي ستكون معظم الحياة مشقة تتخللها فترات قصيرة من السعادة ومن ثم يكون المقترح الأكثر واقعية هنا هو تقسيم الهدف الكبير إلى أهداف صغيرة يمكن تحقيقها على فترات متقاربة وبالتالي الحصول على جرعة من السعادة والتحفيز تساعد على الاستمرارية وعدم الاستسلام عند أي منحنيات أو منحدرات في طريق الوصول للهدف.
4- قياس التقدم بشكل عقلاني وليس عاطفيا
وهنا يؤكد الكاتب على ضرورة تسجيل ومتابعة التقدم وتحقيق الإنجازات البسيطة في الطريق للإنجازات الأكبر وعدم الاعتماد فقط على العاطفة حيث قد يكون إنجاز المشروع أو المهمة يحتاج إلى كثير من التجهيزات – التي هي جزء من تحقيق الهدف – قبل البدء الفعلي في تنفيذ ما هو واضح ومرئي فعلى سبيل المثال قد يمضي الكثير من الوقت في تحضير الرسومات الهندسية وأيضاً حفر أساسات أحد الأبنية وعدم ظهور أي طوابق لفترة ولكن ذلك لا يعني عدم حدوث أي إنجاز وبالتالي فإن قياس التطور والتقدم في أي مشروع ليس مرتبط فقط بتحقيق النتائج النهائية والتي يغلب عليها العاطفة ولكن عن طريق متابعة وقياس ما تم إنجازه فعلاً مقارنة بما هو مخطط له.
5- احذر من العقبة الأخيرة
ويقع العديد في هذا الخطأ عندما يشعر بعدم كمال المشروع الذي يسعى للانتهاء منه وينظر إليه نظرة المنتقد والمحلل حتى يجد الكثير من النقاط التي قد تحتاج بعض التطوير وهنا قد يحدث أحد أمرين إما الخوف من الاكتفاء بما تم الوصول إليه والتوقف تماماً عن الاستمرار أو تأجيل عرض ما تم الانتهاء منه سعياً للكمال؛ ولكن إلى متى؟ وهنا ينصح الكاتب أنه عند قرب موعد الانتهاء من مشروع ما لابد من أن نضع وقتا محددا للتسليم والالتزام به مهما كانت الظروف حتى لا نحرم أنفسنا من قيمة ما تم الانتهاء منه حيث قد تكون الأسباب التي تدفع إلى التوقف أو التأجيل ما هي إلا أسباب واهية في رأس صاحبها فقط.
وأخيراً فإن ما سبق لا يعني الاستمرار في أي مشروع أو خطة تعكف على الانتهاء منها فقد تجد أن بعضها يكون التوقف عن الاستمرار فيه مكسب وهنا يجب أن يكون الحكم عقلانياً وليس عاطفياً حتى لا تخسر الوقت والمجهود فيما يمكن أن يكون أقل قيمة وعائد من مشاريع وخطط أخرى قد تحدث فارق في حياتك على مختلف المستويات سعياً إلى الكثير من النهايات السعيدة.