بقلم : د . ياسر بهاء
عندما يعرف الناس أنه يلعب رياضة يومياً ويأكل أكلا صحيا يومياً ويقرأ يومياً ويشتغل على مشاريعه المهمة يومياً؛ ينظرون له نظرة انبهار ويقولون إنه شخص عنده قوة إرادة عظيمة، لكن في الواقع هذا غير صحيح. لأن كل هذه الأفعال ما هي إلا عادات يومية لا يحتاج لإجبار نفسه عليها!
هكذا كتب Tynan في كتابه “Superhuman by Habit” والذي سيكون محور نقاشنا في هذه المقال نتيجة أهمية بناء العادات الإيجابية وغرسها في أنشطتنا اليومية حيث أشاد العديد من الباحثين بأهمية تلك المهارة الخاصة بالتعامل الاحترافي مع اكتساب العادات الجيدة والتخلص من السيئة وذلك لاكتساب القدرة على إنجاز أقصى ما يمكن إنجازه في الحياة.
ولكن أولاً ما هي العادة؟
العادة هي السلوك أو الفعل الذي يقوم به الإنسان بانتظام وبدون تفكير تقريباً. وبالتالي فإن لدى كل منا مئات العادات اليومية النافع منها والضار، ومن هنا جاءت أهمية التحكم في تلك العادات حيث إن لها التأثير الأكبر على مصير كلٍ منا وبالأخص على المدى البعيد خاصة أنه حتى عند الرغبة في التخلص من العادات السيئة فإنها تحتاج إلى مجهود كبير لإخراجها من دائرة الاعتياد.
وحيث إن الأهداف الكبيرة دائماً ما تحتاج إلى وقت طويل لإنجازها فإن من أهم الأدوات التي تساهم في ذلك هو بناء العادات التي تساعد على استمرارية الأداء بكفاءة وفعالية. ولا يختلف عن ذلك الإنجازات التي حدثت في وقت قصير فإنها أيضاً تطلبت فترة زمنية للتجهيز والتحضير واكتساب المعارف والمهارات التي تمكن صاحبها من عمل شيء كبير في وقت قصير.
ولكن قد يتبادر إلى الذهن كيف يمكن للعادات أن تساهم في تحقيق إنجازات كبيرة. وهنا يمكن اختصار أهمية العادات في نقطتين أولاهما أنه كما تقول الحكمة "قليلٌ مستمر خيرٌ من كثيرِ منقطع" والعادات ما هي إلا ذلك القليل المستمر أما النقطة الثانية أن بناء العادات يساعد على تحول السلوك أو الفعل الذي يحتاج إلى قدر كبير من قوة الإرادة ومجاهدة النفس أحياناً إلى فعل معتاد لا يحتاج ذلك المجهود الكبير للقيام به أو حتى ذلك الحديث الداخلي الذي يقاوم أحياناً القيام ببعض الأفعال ومن هنا يتم توجيه تلك الطاقة المتوافرة إلى أفعال وسلوكيات أخرى تجلب منفعة أكثر وأكبر.
يشير كتاب “The Power of Habbits” للكاتب Charles Duhigg إلى أهمية معرفة مكونات العادة حتى نستطيع التحكم في كيفية اكتساب الجيد منها أو التخلص مما هو سيء وأشار إلى أن العادة تتكون من ثلاثة عناصر رئيسية هي:
1- الإشارة أو المحفز وهو ما يجعلنا نبدأ في سلوك معين بمجرد وجود هذا الحافز مثل الشعور بالملل أو الرغبة في التغيير تؤدي بالبعض إلى تصفح مواقع التواصل الاجتماعي حتى وإن لم يكن هناك أي مبرر لذلك وأيضاً قد تجد بعض المدخنين الذين يربطون دائماً شرب كوب من الشاي مع التدخين بدون أي تفكير أو مثلاً اعتياد القراءة قبل النوم بمجرد أن تذهب للنوم وتجد الكتاب الذي تقرؤه بالقرب من مكان النوم.
2- السلوك أو العادة نفسها وهي كما في الأمثلة السابقة تصفح مواقع التواصل الاجتماعي والتدخين والقراءة والتي تتبع دائماً المحفز أو الإشارة المشار إليها في العنصر السابق.
3- العائد أو المنفعة التي تحدث بعد السلوك مثل الشعور بإشباع الجسد من النيكوتين بعد التدخين أو الإحساس بالرضا عن الذات بعد القراءة وبالتالي فإن هذا العائد هو السر الذي يجعل اكتساب العادات الجيدة صعباً واكتساب العادات السيئة سهلاً وذلك لأن العائد من العادات الجيدة غالباً ما يكون مؤجلاً .. فمثلاً ممارسة الرياضة قد تكون مرهقة حالياً ولكن أثرها على الصحة يظهر بعد فترة من الزمن ولكن حالة المتعة عند أكل أي وجبة سريعة وعدم وجود ضرر مباشر في نفس اللحظة يجعل الأمر صعباً للتوقف عن أكل الوجبات السريعة والاستمرار في ممارسة الرياضة بشكل دوري.
وبالتالي فإن العادات السيئة أسهل في اكتسابها ولكنها تجعل الحياة صعبة على المدى البعيد بعكس العادات الجيدة التي تكون صعبة في اكتسابها ولكنها تجعل الحياة أسهل على المدى البعيد. وبالتالي فإن اكتساب العادات الجيدة والتخلص من العادات السيئة يحتاج إلى صبر حتى يستوعب المخ تلك التغيرات وهنا يأتي دور مجاهدة النفس وقوة الإرادة في بداية اكتساب عادة جديدة.
في المقال القادم سنتحدث عن 8 نقاط تجعلنا أكثر قدرة وجاهزية لاكتساب العادات والحفاظ عليها.
دُمتم في رعاية الله وأمنه.