كتب: أيمن صلاح
دأبت الدراما المصرية على تقديم العديد من الأعمال الفنية التى تبرز البطولات المصرية فى تاريخ مصر الحديث وتروى العديد من القصص الحقيقية التى تنم عن جسارة وشجاعة المقاتل المصرى فى شتى المجالات الوطنية سواء كانت عسكرية أو مخابراتية أو غير ذلك، الا أننى أرى أن هناك تجربة فريدة من نوعها استطاعت الدراما المصرية تقديمها لأول مرة فى رمضان المنصرم وهو مسلسل "الاختيار 3" ذلك لأنه عمل تمكن بحرفية شديدة المزج بين العمل الدرامى الشائق وأيضا التوثيق والتأريخ لفترة زمنية من تاريخ مصر أظنها كانت الأخطر على الاطلاق كونها كانت الفيصل بين النور والظلام وبين الحق والباطل وبين مسار النجاة أومسار الهلاك، وهى الحقبة الزمنية ما بين عامى 2011 أى منذ قيام ثورة الخامس والعشرين من يناير و2013 عندما ثار الشعب المصرى بأكمله فى الثلاثين من يونيو لتصحيح مساره وتطهير بلاده من شرذمة باغية أرادت أن تستأثر بحكم مصر وطمس هويتها وتغييب وعى شعبها وتزييف تاريخها الحضارى المفعم بالتنوع وقبول الآخر والمنفتح على كل الثقافات والحضارات. هما عامان فقط ولكنهما كانا عامين مفصليين فى تاريخ أمة كانت على وشك الهاوية لولا رعاية الله وحفظه لمصر، ورجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وشعب أبى كريم لا يرضى عن حريته بديلا.
أما عن العمل الدرامى فقد استطاع المسلسل أن يبرز دور المؤسسات الأمنية فى تلك الفترة سواء كانت الأمن الوطنى أو المخابرات الحربية أو المخابرات العامة فى الحفاظ على أمن مصر وأراضيها وشعبها رغم الاستهداف المقيت من جماعة الشر لتلك المؤسسات منذ الشرارة الأولى لثورة الخامس والعشرين من يناير لعلمها اليقينى بأن تلك المؤسسات هى العقبة الكبرى أمامها فى طريق تحقيق أهدافها التآمرية فى تحويل مصر الى ساحة من ساحات ارهابها وتغييب وطمس هوية شعبها المتنوع الثقافات وتحويله الى أداة لنشر الفكر المتطرف المعادى للتطور والابداع والحداثة، الا أن هذه المؤسسات الأمنية استطاعت بواعز من ضميرها الوطنى التصدى لتلك المحاولات البائسة ومواجهة شر هذه الجماعة فى الداخل والموالين لهم من الخارج، وأظن أن المشاهد قد استمتع بتلك الأحداث الدرامية فى المسلسل التى حملت العديد من القصص الوطنية والبطولية من كل تلك المؤسسات.
وعلى الجانب الآخر استطاع المسلسل أن يوثق الأحداث التاريخية فى تلك الفترة وفى كثير من الأحيان كان ذلك التوثيق بالصوت والصورة لئلا ينكر أحدهم بعد ذلك اعترافاتهم بأفكارهم البالية ونواياهم الشريرة، تلك الأحداث التى أصلت لارهابية تلك الجماعة المسماة بالاخوان وأثبتت قفزهم على حكم مصر ظلما وعدوانا. وربما يتبادر الى الأذهان فى ظل هذا التوثيق للأحداث بعض الأسئلة التى قد تشكك فى هذا التوثيق التاريخى والسرد التأريخى، وعلى سبيل المثال ربما يسأل سائل "ألم تأت هذه الجماعة على رأس الحكم عن طريق انتخابات حرة اختار من خلالها الشعب محمد مرسى رئيسا للبلاد" والاجابة هنا بالتأكيد ستكون بنعم ولكن تلك الانتخابات التى أتت بمرسى قد جاءت فى ظروف استثنائية وليست طبيعية ولا يمكن أن نعول عليها فى اختيار رئيس صالح لحكم مصر اذ أنها جاءت فى مرحلة ضبابية بالنسبة للوعى الجمعى المصرى بعد ثورة أتت على الأخضر واليابس فى مصر ممزوجة بكثير من الأكاذيب سواء عن الحكم السابق لمبارك أو حتى عن ظلم قد وقع على الاخوان فى أزمنة سابقة لم يستيقن الشعب زيفها وضلالها الا بعد تجربة حكمهم العقيم، أضف الى ذلك كثير من الأحداث أثناء فترة الانتخابات نفسها التى حولت العملية الانتخابية الى انتخابات مشكوك فى نزاهتها بفضل ميليشيات تلك الجماعة وتأثيرهم على الناخب المصرى اما بالأموال والمؤن فى بعض الأماكن أو بالمنع والترهيب فى أماكن أخرى. وبذلك يمكننا الحكم بأن تلك الانتخابات كانت مجرد انتخابات صورية افتقدت لأبسط قواعد النزاهة والحرية الانتخابية.
ومن ضمن الأسئلة التى يمكن أن تتبادر الى الأذهان أيضا هو "أن ذلك التوثيق التاريخى فى المسلسل قد جاء بوجهة نظر واحدة ولم يأخذ فى الاعتبار وجهة النظر الأخرى"، وهذا التساؤل أيضا قد يكون موضوعيا وسليم نظريا، الا أننا على أرض الواقع نجد ان تلك وجهة النظر لا تعود فى النهاية الى رأى فردى أو حتى رأى جماعة أو فئة من الفئات ولكنها وجهة نظر شعب بالكامل والدليل على ذلك هو خروج الشعب المصرى بأسره على حكم هذا الجماعة فى الثلاثين من يونيو مطالبين برحيلها عن الحكم ومنددين بكل أعمالهم المنافية للمصالح الوطنية، مما يؤكد معه صحة ومصداقية التوثيق والتأريخ فى المسلسل.
ان هذه الجماعة التى نشأت عام 1928 بدعوى الدعوة ثم تحول مسارها الى القتل والارهاب والترويع والشهوة فى السلطة لأكبر دليل على فسادها وطغيانها وخيانتها، وتحية اعزاز وتقدير للدراما المصرية متمثلة فى مسلسل "الاختيار 3" والذى حمل اسم ومعنى "القرار" لتقديمه هذا العمل الفنى الرائع الكاشف والفاضح لتلك الجماعة تاريخيا وتوثيقيا.