بقلم : د. ياسر بهاء
من أهم أسباب عدم الإنتاجية والإنجاز هو تأجيل المهام بشكل مستمر والعمل على الانتهاء مما هو سهل وليس إنجاز ما هو مهم وعند الوصول إلى المهام المهمة تظهر الأعذار للتأجيل وبالتالي يستمر الكثير في هذه الدوامة حتى تصل تلك المهام المهمة لمرحلة كونها عاجلة ومهمة في نفس الوقت وبالتالي يكون الاختيار الوحيد هو البدء فيها وأخيراً يتم الانتهاء منها ولكن بعد التعرض لضغط عصبي وقلق كان يمكن تجنبه في حالة البدء مبكراً دون التأجيل للدقائق الأخيرة.
وبالرغم من ذلك فإن هناك سببا آخر لا يقل أهمية عما سبق ويقلل من إنتاجية الأفراد وهو طلب الكمال عند أداء بعض المهام فمثلاً قد يستغرق أحد التقارير يوما كاملا لكتابته بشكل مقبول ودقيق ولكن عند الرغبة في الوصول لأفضل شكل ومحتوى قد يستغرق أكثر من يوم سعياً للكمال من وجهة نظر كاتبه، مع العلم أن الإضافات والتعديلات بين التقريرين قد لا تكون فارقة عند قارئ التقرير ولكن الفارق يحدث عند الطرف الأول الذي يريد الوصول بالتقرير إلى أفضل صورة ممكنة مما يستدعي الكثير من الوقت والمجهود الذي كان ممكنا أن يُستغل في أداء مهام أخرى في حالة إدارة الوقت والأولويات بشكل أفضل.
وحيث إن الوقت والمجهود قد نشعر أحياناً بالتضحية بهما في سبيل الوصول إلى النتيجة المُثلى في بعض الحالات ولكن أحياناً السعي لتلك النتيجة قد يكون السبب في عدم الوصول إلى أي نتيجة من الأساس وهذا هو موضوع مقالنا لهذا الأسبوع حيث إن السعى للكمال وقمة الإتقان يدفع البعض إلى التوقف وعدم إنهاء ما يجب إنهاؤه.
فعلى سبيل المثال ومن تجربة شخصية عندما قررت البدء في الالتزام بقراءة كتاب شهرياً على أن أحافظ على القراءة اليومية لعدد معين من الصفحات وفقاً لحجم الكتاب المُراد قراءته إلا أنني وجدت أن هناك سببين رئيسيين كانا السبب في كثير من الأحيان لعدم إنهاء قراءة الكتاب وهما أولاً التأخر في إنهاء الكم اليومي من الصفحات وبالتالي بعد يومين أو ثلاثة وبعد تراكم عدد الصفحات أتحدث مع نفسي بأنه سيستحيل إنهاء الكتاب في المدة المحددة وبالتالي أتكاسل عن الاستمرار حيث إن الهدف يصعب تحقيقه وفقاً لما تم التخطيط له. أما السبب الثاني فهو مواجهة بعض الصعوبات في الالتزام بالكم اليومي كقراءة عدد أقل من الصفحات في أحد الأيام أو عدم القراءة تماماً وبالتالي أيضاً سيصعب الانتهاء من قراءة الكتاب بنهاية الشهر مما يؤدي إلى نفس القرار ألا وهو التوقف عن القراءة حيث إن الهدف المنشود لن يتم الوصول إليه بالصورة المثلى كما تخيلت في البداية.
يتحدث الكاتب Jon Acuff في كتابه Finish عن تلك الظاهرة ويصفها عند بعض الأفراد بأنهم لا يتقبلون الحل الوسط فإما 100% والكمال في الإنجاز أو 0% وعدم الإنجاز تماماً مع العلم بأن الاستمرار ربما يؤدي إلى نتيجة جيدة ومقبولة أو نفس النتيجة المثالية ولكن خلال فترة زمنية أطول، وكلتا الحالتين أفضل بكثير من التوقف والانسحاب.
فمثلاً في المثال الذي تم ذكره سابقاً فإن الانتهاء من الكتاب في شهر وأسبوع أو حتى شهر ونصف سيكون أفضل بكثير من التوقف تماماً عن فكرة القراءة ويمكن القياس على ذلك المثال الكثير مما نخطط له ونتوقف عن الاستمرار فيه بعد فترة وجيزة بسبب عدم الالتزام الكامل بالجدول المحدد وبالتالي توقع وعدم الرضا عن عدم الوصول إلى النتيجة المثالية المرجوة وكما يقال فإن "طلب الكمال من مُهلكات الرجال".
وحتى لا نُطيل في هذا المقال فسيكون المقال القادم ملخصا لخمس نصائح ذهبية تساعد بشكل فعال وكفء في إنجاز أي مشروع أو فكرة أو مهمة نسعى لإتمامها من خلال بعض الحلول التي أثبتت نجاحها عملياً وبالتالي نتجنب التعثر في الوصول إلى النهايات ونسعد بالنتائج المُخطط لها.