§ كنت أظن.
بقلم / د : أحمد الحفناوى
عندما بدأت مشواري المهني من حوالي 37 سنة كمهندس، ظننت أن التقنية تتمثل في بناء مصانع تقوم بتوفير تكنولوجيات. وقام والدي رحمة الله عليه بشراء أرض في مدينة السادات لبناء مصنع عليها بناء على طلبي، وحصلت من شركة أكديما على دراسة وافية عن احتياجات الأجهزة الطبية وهو تخصصي الأصلي، وتواصلت مع مجموعة من الأصدقاء وشركات أجهزة طبية. ثم توقف الأمر لسفري للحصول على رسالتي الماجستير والدكتوراة من الولايات المتحدة. ظننت وقتها أن التكنولوجيا هي الحل وأن الآلية هي بناء مصانع. وقبل عودتي سنة 1987 تواصلت مع أخرين وتبين لي أن الأمر يتعلق بتصميم منتجات وليس بناء المصانع. وفعلا أنشأنا شركة وعملنا على تصميم منتجات جديدة كان أشهرها منظومة متكاملة لقراءة عدادات الكهرباء إلكترونيا عن بعد بالإضافة إلى أجهزة أخرى للتحكم في أجهزة التكييف والمصاعد.. واستخدمنا وقتها مصنع الإليكترونيات بالهيئة العربية للتصنيع ليقوم بالتجميع واختبار الأجهزة. وتعاقدنا بما يزيد عن 40 مليون جنيه. وكان هذا إنجازا عظيما. وكانت هناك عشرات التصميمات الأخرى لأجهزة أخرى، لكن كان هناك شيء مفقود وهو النظرة المتكاملة للسوق وتحديد دورة حياة المنتج من دراسات تسويقية وآليات دعم وغيرها. إن منظومة الصناعة هي منظومة متكاملة، فهل تقدمت مصر في هذا الاتجاه؟
الإجابة بصراحة في تقديري هي لأ: لم تتقدم مصر، بالعكس لقد تأخرنا، فلماذا؟
سأبدأ للإجابة في السطور التالية.
دورة حياة منتج أو خدمة يجب النظر إليها من خلال سلسلة القيمة تبدأ إما من نقطة إبداع وابتكار من خلال فكرة تتحول لتصميم ويتم هندسته وانتاجه وتسويقه ودعمه وتطويره بشكل مستمر، أو تبدأ من خلال دراسة سوق ثم إما تصميم أو ترخيص ثم باقي المراحل: انتاج وتسويق ودعم وتطوير.
في الحالة الأولى فالأمر يتطلب فكر مبدع وهذه في العادة تنشأ من تلاحم أفكار وتصارعها أو ملاحظات عن البيئة أو تصرفات الأخرين.. هذا الأمر يتطلب تواصل من أشخاص لديهم قدرات خاصة وتنميتها مفتقد في مجتمعنا بشكل عام فتطوير قدرات الاستشراف أمر صعب. ويجب أن يبدأ بمعرفة عامة جيدة وفرشة معرفية غير متوفرة في منظومتنا التعليمية والمعرفية. ومع هذا فالأمر مهم وبناء هذه الفرشة مهم لكن منظومتنا التعليمية لم تبدأ فيها بعد. وهذا في تقديري قد يمثل 10% من الإنتاج لكن القيمة المضافة فيه تكون عالية والأمر لا يقتصر على رأس المال المخاطر.
في الحالة الثانية والى تبدأ بدراسة السوق فالأمر يتطلب استثمار عشرات الملايين في دراسة للسوق المحلي والعالمي ومعرفة توجهاته والتعامل معه بشكل أسرع من الأخرين وهو ما لا يقدر عليه سوى شركات محدودة، وفي تقديري يجب أن تتم بشكل وطني، على أن تشرف على هذه الدراسات الاتحادات والغرف النوعية وتتاح لأعضائها. مرة أخرى لم تقوم هذه الكيانات بهذا الدور فيما بعض المحاولات المحدودة وفي نطاق محدود. وأنادى هنا سيادة الرئيس السيسي.. إن تخصيص مائة مليار للشباب بفائدة لتشجيعهم على القيام بمشروعات لهو أمر رائع، لكن لن يؤتي ثماره أو يحقق أهدافه بدون عمل الدراسات التسويقية والتي تسبق دراسة الجدوى. وللحديث بقية.
Dr.elhefnawy@gmail.com