· كنت أظن.
· بقلم : د/ أحمد الحفناوى
هذه المقالة هي الثانية من مجموعة مقالات خاصة بوزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والجهات الرئيسية التابعة لها. بدأتها بالبريد المصري وأكتب اليوم عن الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات. هذا الجهاز حقيقة تم إنشاءه في إطار تحرير صناعة الاتصالات المصرية كجزء من العولمة والجات GATT والجاتس GATTS، وهو المسار الذي بدأ في منتصف التسعينات وشمل تحويل الهيئة القومية للاتصالات السلكية واللاسلكية للشركة المصرية للاتصالات وطرح رخص تشغيل مختلفة وبالذات للإنترنت ومن من المحمول. وساهم دخول القطاع الخاص في هذا المجال في تطويره أو على الأقل محاولة تطويره وهنا المحك.
هل فعلا يقوم الجهاز بدوره؟ إن دور الجهاز مهم بلا شك ولكن ما هو دوره الرئيسي ببساطة؟ دور الجهاز هو ضمان التعامل العادل بين ثلاثة أطراف: الحكومة ومقدمي الخدمة والعملاء. ويتطلب هذا الدور أن نفهم حقوق وواجبات كل طرف وبالتالي ضمان توظيف الموارد الطبيعية والبشرية لتحقيق التعامل العادل. وهو دور حيوي ففي ظل عالم رقمي يمثل هذا القطاع الجهاز العصبي للمجتمع وضمور هذا الجهاز يؤدى إلى ضمور باقي الأجهزة والحد من أداءها وعدم مواكبتها للعصر.
قبل تحديد حقوق وواجبات كل من الأطراف الثلاث فمن المهم أن ندرك أن خدمة الاتصالات مثل باقي الخدمات تتطلب عناصر: مواصفات الخدمة وسعرها وتوقيتها. وهذه العناصر الثلاث تتكامل معا ويجب أن تقاس بشكل محايد. أكرر محايد. فغياب الحيادية هو أساس فقدان التعامل العادل. وهذا الأمر ينعكس على كافة النواحي سواء الاقتصادية أو الاجتماعية أو الأمنية أو البيئية أو الفنية وبالتالي في مجملها أو المنظور السياسي الذي يواءم بين المصالح المختلفة.
صناعة الاتصالات اليوم مختلفة شكلا وموضوعا عن صناعة الاتصالات من خمس وعشرون عاما عندما كان الصوت هو الآلية الرئيسية للاتصال. الصناعة اليوم معتمدة بشكل رئيسي على البيانات. ومن الناحية الفنية تعتمد الصناعة على بنية تحتية مختلفة كالاختلاف بين القطار والطائرة. إن استخدام الطائرات للقضبان الحديدية هو نوع من العبث.
الجهاز حاليا دوره الرئيسي في العلاقة بين الحكومة ومقدمي الخدمة وبدون مرجعية حقيقية للعملاء. طبعا سيقول البعض هناك رقم مختصر 155 لتلقي شكاوى العملاء ولجنة بالجهاز. لكن كيفية معالجة هذه الشكاوى أو العقود أو غيرها والمرجعية للعقود غائبة ووسائل القياس المحايدة غائبة فالجهاز يرجع للشركات (مقدمي الخدمة) لمتابعة الموقف وليس لديه آلية محايدة لقياس مستوى الخدمة أو مقارنتها بالعقود أو أصلا لمراجعة العقود طبقا للمعاير الدولية أو بالتالي تحول أصلا لجهاز جباية وبيع طيف ترددي واختفى العميل ومصلحته بالرغم أن دور الجهاز الأصلي هو للعملاء فهم الجهة الأضعف أمام مقدمي الخدمة. أعطي على سبيل المثال هل هناك أي التزام بجودة الخدمة بأي معايير تعاقدية؟ وما هو تبعات هذا الالتزام؟
إن عمل جهاز التنظيم في أي دولة متقدمة هو عمل قانوني في الأصل وليس عمل فني. وأقترح أن تنتقل كافة الأجهزة التنظيمية لتتبع مجلس النواب كما هو الحال في المملكة المتحدة مثل الجهاز المركزي للمحاسبات والذي يقتصر دوره على المحاسبة المالية بدون محاسبة للأداء وهو أمر عجيب لإرتباط الاثنين ببعضهما.
وأخيرا فإن ما سبق يتكامل مع أن رئيس مجلس إدارة الجهاز هو رئيس الجمعية العمومية للمصرية للاتصالات التي يراقبها وينظم عملها الجهاز والذي هو في نفسه الوزير الذي يضع سياسة الاتصالات. يجب الفصل بين مقدم الخدمة ومنظمها ومراقبها فهي أساس لنجاح أي قطاع. نرجو أن ننهي هذه المهزلة العبثية ونتبع الأصول العالمية المتبعة في أوروبا والدول المتقدمة.
Dr.elhefnawy@gmail.com