بقلم: ايمن صلاح
للحضارة مفاهيم كثيرة وصور عديدة، فأحيانا نذكر الحضارة كتاريخ تليد وتراث مجيد محفور فى وجدان الأمم العريقة وفى ثقافات الشعوب على مر الزمان، وأحيانا أخرى ننظر للحضارة على أنها التقدم والمدنية الحديثة وهو ما يطلق عليه "الحداثة" التى تواكب التطور فى كل المجالات التكنولوجية والاقتصادية والاجتماعية، والبعض ينظر للحضارة على أنها السلوك القويم والتصرفات الآخلاقية الحميدة حتى أننا نصف من يتمتع بهذه الصفات بأنه "انسان متحضر".
واذا أمعنا النظر ودققنا التحليل والدراسة ربما نجد أن المؤسسة المصرية الوحيدة التى تتمتع بكل مفاهيم الحضارة وتحظى بكل صورها هو النادى العريق الذى بات صورة من صور مصر المشرفة فى كل نوافذ العالم وأداة من أدوات قوى مصر الناعمة فى شتى المحافل الدولية .... انه النادى الأهلى.
تاريخيا ... بدأ النادى الأهلى أولى خطوات الوجود فى عام 1907 (أى منذ أكثر من مائة وخمسة عشر عاما) وذلك لخدمة طلبة وخريجى المدارس العليا وذلك بهدف بناء الوعى الوطنى الجمعى لشباب مصر وبالفعل كان هؤلاء الشباب هم اللبنة الأولى والدعامة الأساسية للثورة ضد الاحتلال البريطانى، وليس أدل على وطنية النشأة وحضارة الفكرة من كون أول رئيس شرفى للنادى الأهلى هو الزعيم / سعد زغلول (وزير المعارف آنذاك). لم تكن كرة القدم حين النشأة الأولى من أولويات النشاط بل كانت المنتديات السياسية والثقافية هى الأولوية الأولى ولكن مع مرور الوقت رأى الشباب الوطنى من أبناء الأهلى من وازع وطنى ضرورة تكوين فريق لكرة القدم باسم (الأهلى) لينافس ويقارع فرق الحلفاء العسكرية التى أسستها بريطانيا فى مصر، وبالفعل وفى بادرة تهدف لاظهار قوة الأندية المصرية كان أول لقاء كروى للأهلى عام 1917 ضد نادى المختلط (الزمالك حاليا) والذى كان تحت سيطرة الأجانب فى ذلك الوقت فى مباراة انتهت بفوز النادى الأهلى. لقد سطر التاريخ أرقى الملاحم الوطنية سواء من حيث مغزى وهدف تأسيس الكيان الأهلاوى أو من جهاد ومقاومة أبنائه للاحتلال البريطانى حتى قبام الثورة مما يعبر عن وجه حضارى تاريخى يعكس أهمية النادى الأهلى فى الحضارة المصرية عبر تاريخها المعاصر.
النادى الأهلى فى عصرنا الحالى ليس كبقية الأندية المصرية التقليدية التى ربما تدار بنظم ادارية نمطية ولكنه يدار بطريقة حديثة تستشرف الفرص المستقبلية وتأخذ بأحدث الأساليب العلمية تسويقيا وتكنولوجيا حتى أنه أصبح ناديا عالميا يشار اليه بالبنان حينما تذكر أندية العالم الرائدة رياضيا، فالنادى الأهلى الذى يستحوذ على جماهيرية نصف الأرض هو النادى الأول أفريقيا من حيث التصنيف وهو النادى الثانى عالميا من حيث الفوز بالبطولات الكروية القارية بعد نادى ريال مدريد، وهو ايضا النادى الأعلى قيمة تسويقية بين جميع أقرانه على مستوى القارة الأفريقية. فأى شرف للأمة المصرية أن يكون على أرضها ناد كنادى الأهلى يعبر عن حضارة مصرية تمثل الحداثة التى تستهدفها الدولة فى جميع المجالات.
أما عن قيم ومبادىء النادى الأهلى التى تمثل السلوك القويم والمسلك الحضارى فلا تسل. فالأهلى على مر الزمان هو مضرب الأمثال فى المواقف الانسانية والتربوية والقيمية والتى تعلى من شأن الأخلاق والشرف رغم المحاولات الكثيرة التى لم تهدأ للتشكيك فى الأهلى والنيل من انجازاته ومكتسباته الأخلاقية والقيمية، وكلما زادت الحملات الدنيئة على الأهلى كلما زاد الأهلى شموخا فى السماء وثباتا لجذوره فى الأرض.
ان الأهلى الذى يحمل بين جنباته شعار (تاريخ .. مبادىء .. تطوير) هو تعبير حقيقى لكل حضارات الأهلى التى ترجمها بالأفعال لا بالأقوال حتى أنه أصبح يزداد تألقا وبريقا يوما بعد يوم، ورغم كل الحروب والعداء الذى يواجهه الأهلى من الكارهين والحاقدين والحاسدين فى وطنه فانه يظل رمزا أقوى وأعلى وأكبر من كل تلك الصغائر، وحتى فى لحظات الانكسار يبقى الأهلى أكبر من اللحظة.