هلوسات الذكاء الاصطناعي من "جوجل"

  • بقلم: بارمي أولسون

    لسنوات، كانت كلمة "جوجل" تعني أن يستخدم المرء محرك البحث ليستفيد من البيانات الهائلة المتاحة على الإنترنت. أما اليوم، فهي تعني أن تخوض عبر سيل من الإعلانات والرسائل غير المرغوب فيها، بالإضافة إلى ردود الذكاء الاصطناعي غير الدقيقة على الإطلاق حديثاً.

    تسببت خاصية "إيه آي أوفرفيو" (AI Overview) الجديدة التي طرحتها "جوجل" الأسبوع الماضي في سلسلة من الأخطاء مؤكد أنها تثير امتعاض رئيس شركة "ألفابت" التنفيذي سوندار بيتشاي. حين سئلت الأداة الجديدة عن حل لمشكلة انزلاق الجبن عن شريحة البيتزا، أوصت أحد المستخدمين بأن يضع الغراء عليها. كما ذكرت لمستخدم آخر أن ثعبان الأصَلة من الثدييات.

    تدخَّل بيتشاي في أحد أنجح منتجات التقنية وأكثرها ربحية على الإطلاق بشكل جعله غير موثوق تماماً بل وينطوي على مخاطر. بات الأمر مسألة وقت قبل أن يقرر بيتشاي إيقاف الخدمة. وكلما سارع في اتخاذ تلك الخطوة، كان ذلك أفضل.

    في الوقت الحالي، قالت "جوجل" إنها تعمل على تطوير خدمتها للبحث باستخدام الذكاء الاصطناعي مع ورود كل تقرير جديد بحادثة هلوسة للذكاء الاصطناعي (وهو ما أضحى سيلاً بحسب ما أراه على "تويتر"). قال متحدث باسم "جوجل" لموقع "ذا فيرج" (The Verge) إن الأخطاء ترد في استفسارات غير شائعة بشكل عام ولا تمثل تجارب معظم الناس.

    لكن ذلك يُعتبر عذراً واهياً لشركة تفخر بأنها تتولى مسؤولية تنظيم المعلومات في العالم. كما أن الاستفسارات غير المتكررة كثيراً ينبغي أن تولّد نتائج موثوقة، نظراً لأن أغلبية عمليات البحث على "جوجل" تتكون من سلسلة طويلة من الاستفسارات غير الشائعة.

    يُعد ذلك تحولاً مذهلاً لشركة كانت يوماً تتوخى الحذر جداً لدرجة أنها رفضت أن تطرح تقنية الذكاء الاصطناعي التوليدي التي صنعتها والتي كانت تسبق تطبيق "تشات جي بي تي" من "أوبن إيه آي" بعامين على الأقل. استسلمت الشركة منذ ذلك الحين للسباق الذي بدأته "مايكروسوفت" و"أوبن إيه آي"، اللتان تثيران الجدل مرة تلو الأخرى.

    طرحت "أوبن إيه آي" الأسبوع الماضي نسخة جديدة من "تشات جي بي تي" في توقيت متعمد من جانبها لتستبق إطلاق "غوغل" للذكاء الاصطناعي في اليوم التالي، لكن في خضم تلك الأحداث المتسارعة، أفسد سام ألتمان عملية طرح النسخة الجديدة ودخل في خلاف مع الممثلة سكارليت جوهانسون.

    جسّدت عبارة "إنها ببساطة تعمل" ، وهي مقولة شهيرة لستيف جوبز تعود إلى 2011، عهداً كانت الكفاءة الاعتمادية فيه هي مقياس منتجات التقنية. لكن كلما بيّنت شركات التقنية كيف أن الذكاء الاصطناعي التوليدي ليس ناجحاً، ازدادت صعوبة أن تثبت تلك الشركات فائدته للعملاء من الشركات والمستخدمين الأفراد على حد سواء.

    بل حتى أن إيلون ماسك، الذي يوشك أن يجمع ستة مليارات دولار لشركته الناشئة "إكس إيه آي" (xAI) لا يستخدم أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي في شركتيه "سبيس إكس" (SpaceX) و"ستارلينك" (Starlink) بسبب أنها ما تزال ترتكب أخطاء.

    قال ماسك في قمة معهد "ميلكن" (Milken Institute) في وقت سابق من الشهر الجاري: "أسأل الذكاء الاصطناعي بعض الأسئلة عن مفارقة فيرمي وتصميم محركات الصواريخ والكيمياء الكهربائية، وقد كانت إجاباته على كل تلك الأسئلة سيئة حتى الآن".

    إذا تمسكت "جوجل" بخاصية "إيه آي أوفرفيو" ولم توقف تلك الخدمة عن العمل، فجليّ أن زيادة المعلومات المضللة ستكون إحدى النتائج. أما النتيجة الأخرى فهي أننا سنعتاد على الأخطاء الحمقاء التي يرتكبها الذكاء الاصطناعي أيضاً مثلما اعتدنا بالطريقة ذاتها تجاهل الرسائل غير المرغوب فيها المستخدمة لتحسين نتائج محركات البحث والإعلانات المدفوعة.

    كما أننا سنعتاد على خدمة متواضعة المستوى أكثر من قبل في ضوء محدودية الخيارات الأخرى. تراجعت حصة "جوجل" السوقية على مستوى العالم لعمليات البحث إلى 82% بعدما كانت 87% قبل نحو عقد.

    سنستسلم في ذلك العصر الجديد لوجود برمجيات دون المستوى كانت توصف قبلاً بأنها قادرة على تحقيق تحول ثوري في العالم لكنها الآن تتطلب تقصّي الحقائق باستمرار.

    إن هلوسات الذكاء الاصطناعي ليست مشكلة جديدة، لكن يبدو أنها مشكلة بدأنا نعتاد عليها بشكل يضر بمصالحنا. حين ظهرت بعض الأخطاء في أول عروض "جوجل" لـ"بارد" (Bard) في فبراير 2023، تراجع سعر سهم "ألفابت" 7%، مما محا 100 مليار دولار من قيمة الشركة السوقية.

    ارتفع سعر السهم نحو 1% الجمعة الماضي رغم انتشار مزيد من المنشورات لأحدث هفوات الذكاء الاصطناعي من الشركة على منصات التواصل الاجتماعي. لا يبدو أن وول ستريت تكترث لتلك الأخطاء. لكن هل تكترث "غوغل"؟

    سنكتشف ذلك إذا أوقف بيتشاي خاصية الذكاء الاصطناعي الجديدة من الشركة عن العمل مؤقتاً لحين إجراء مزيد من التعديلات أو عندما يأخذ تلك الخطوة، مثلما فعل مع موّلد الصور الخاص بـ"جيميناي" (Gemini) في فبراير.

    سيكون ذلك انسحاباً مهيناً آخر، لكن يجدر ببيتشاي أن يأخذ تلك الخطوة من أجل أن يضع التقنية من جديد على مسار يتيح لها أن تعود إلى مرحلة أن "تعمل ببساطة" مثلما قال جوبز.

    حمّل تطبيق Alamrakamy| عالم رقمي الآن