بقلم د/ غادة عامر
"عام 2016 أعلن المجلس الوطني الامريكي للعلوم والتكنولوجيا استراتيجية الامن القومي، والتي كانت تحمل عنوان "استراتيجية القرن الحادي والعشرين للعلوم والتكنولوجيا والابتكار لدعم الامن القومي الامريكي" ، و قد اطلقت هذة الاستراتيجية لتعكس المدخلات والتداولات بين عناصرالعلوم والتكنولوجيا والابتكار في الإدارات والوكالات المسؤولة عن تنفيذ مهمة الأمن القومي الامريكي. و ايضا لتحدد كيف ينبغي أن تطور المؤسسات الأمريكية التي تعمل في هذة المجالات بحوثها و ابتكاراتها في مجالات الأمن القومي، لتقديم الفرص و معالجة التحديات التي يفرضها المشهد الجديد للأمن القومي في العالم في هذة الحقبة.
و تقوم هذة الاستراتيجية عليأساسين مهمين: أولا،أن الأمن القومي لا يعتمد فقط علي القوة العسكرية والدفاع عن الوطن بالاسلحة التقليدية و أنما هو منظومه متكاملة بين امتلاك القوة العسكرية و بين امتلاك المعرفة و التكنولوجيا الفائقة،ثانيا،أن التكنولوجيا، والابتكارلا تنتج من العلماء والمهندسين العاملين في المختبرات الوطنية او القطاع الاكاديمي فقط، ولكنه نظام بيئي أكبر بكثير من هذة القطاعات فهو يضم علي سبيل المثال لا الحصر أصحاب المصلحة في الصناعة و اصحاب الخبرات و الافكار الابتكارية من المجتمع. و تؤكد هذة الاستراتيجية بأن الدولة يجب أن تستمر في دفعالتقدم في هذة المجالاتبكل الاشكال لضمان قوة و أمن الوطن ، ولكي يكون الاقتصاد الوطني القائم علي المعرفة أحد الادوات التيتضمن الامن القومي الامريكي. وقد شددت الاستراتيجية بضرورة ان تكون الدولة قادرة على الاستجابة بفعالية إلى كل التحديات الجديدة، مثل التهديدات غير المتماثلة التي تتيحها عولمة العلوم والتكنولوجيا وسرعة نقل المعلومات؛ و التهديدات التي تؤثر علي الاستقرار مثل الكوارث الطبيعية وآثار تغير المناخ؛ وغيرها من المسائل الإنسانية والأمنيةمثل الأمراض الوبائية، و هذا كله لن يحدث الا بامتلاك التكنولوجية الفائقة و الحديثة و دعم الابتكارات المحلية.
ان القيادة في مجالات العلوم و التكنولوجيا ليس بالامر الحديث علي الولايات المتحدة الامريكية، فقد كانت أساس الأمن القومي الأمريكي منذ الحرب العالمية الثانية، هذه القيادةدعمت الان بقدرة أمريكا على الابتكار والقدرة على ترجمة و تحويل اي افكار جديدةإلى أسلحة، وأنظمه ومفاهيم عملية، تضمن قوة الامن القومي الامريكي.وقد دعت الاستراتيجية الدولة الامريكية الي تحديث طرق دعم و تطوير انتاج العلوم و التكنولوجيا و الابتكار بعدة طرقها كان من أهمها: الوصول إلى أفضل المواهب التي تمتلك افضل الافكار الابتكارية في العالم لدعم الأمن القومي الامريكي؛عمل استثمارات استباقية و عملية و تعاونية في االخدمات و المرافق المتخصصة اللازمة للاحتياجات الحرجة لتطوير الابتكارات التي تدعم الامن القومي؛ العمل بنظام الادارة الذكية في مجال الأعمال التجارية التي تخص مجالات العلوم و التكنولوجيا و الابتكار، و معالجة المخاطر التي تهدد نمو الابتكارات، لتحقيق افضل النتائج و بسرعة، واعتماد أطر تحويلية وممارسات مبتكرة من القطاع الخاص، و دعمه بكل التسهيلات حتي يستطيع ان يدعم انتاج المعرفة وبالتالي دعم الامن القومي. كذلك العمل علي إقامة شراكات استراتيجية والحفاظ عليها، واستخدام تكنولوجيات الفائقة و الحديثة، والتصدي لتضاؤل الموارد، وإيجاد سبل للاستفادة من التعجيل بالعولمة. كذلك التأكيد علي العمل مع مراكز الدولة و مؤسساتها لتعزيز وتنشيط القدرات التكنولوجية للمؤسسات الأمنية الوطنية، ونظم الإدارة الحديثة، والشراكات متعددة القطاعات، وبرامج البحوث القوية، و المساعدة في توفير أفضل قاعدة للعلوم والتكنولوجيا في العالم.
و من بعض الاولويات الاستثمارية التي حددتها الاستراتيجية: اولا، القطاع العسكري، حيث أكدت علي أنه يجب الاستمرارية في ضمان استخدام القوات العسكرية احدث التكنولوجيا للهجوم و الردع، و كذلك امتلاك التكنولوجيا التي تتيح التنبأ باي مخاطر في جميع البيئات مثلا البروالبحروالجو والفضاء، بالاضافة الي المجال السيبراني، و ذلك عن طريق دعم الابتكارات في مجالات البحوث التطبيقية ، مثل معالجة وتحليل البيانات، والمواد الهندسية،وتكنولوجيا النانو، والعلوم الكمومية، والنظم السيبرانية الفيزيائية، وعلم الأعصاب، ونمذجة السلوك البشري، والبيولوجيا التركيبية، تطوير انظمة النمذجة والمحاكاة،الاستخدام الفعال للنماذج الأولية والإدارة الذكية للمخاطر. ثانيا، دعم الامن الداخلي، بتوفيرحلولا تكنولوجية للحفاظ علي الامن و الاستقرار الداخلي، مثل تطوير البيانات المتكاملة من كل قطاعات الدولة، والنمذجة التنبؤية، وقدرات تحليل المخاطر لتوفير معلومات سريعة وقابلة للتنفيذإلى صانعي القرار. ثالثا، دعم المخابرات، بالاستثمار بكثافة في العلوم والتكنولوجيا لزيادةالقدرات الاستخباريةفي جمع المعلومات ذات الصلة بالأمن من جميع أنحاء العالم. استمرار بناءالشراكة بين الاستخبارات وبين العاملين في قطاعات العلوم والتكنولوجيا و المبتكرين والمحللين وصناع القرار من أجل ضمان دعم القدرات الاستخباراتية بأحدث التكنولجيا لتحقيق أهداف الأمن القومي.ثالثا، دعم التصنيع، بالحفاظ علي قوة و سلامة قطاع التصنيع عن طرق دعم البنية الحيوية المرنة و توفيرها بأسعار مناسبة مثل الطاقة الكهربائية،والغاز الطبيعي، والاتصالات، دعم تطوير الخبرة في تصنيع التكنولوجيا الفائقة و الابتكارات الحديثة ذات الصلة بالأمن القومي، بما في ذلك تكنولوجيا النانو، المواد الحيوية، الالكترونيات الدقيقة،الحوسبة المتقدمةوالشبكات، وإنترنت الأشياء.
ولان الولايات المتحدة الامريكية تنتهج خطة طويلة الامد، فإن الاستراتيجية كانت داعمة للاربعة مصالح التي توجه ما تقوم به أمريكا في العالم، اولا،أمن الولايات المتحدة ومواطنيها وحلفاءها وشركائها؛ ثانيا،اقتصاد أميركي قوي ومبتكر ومتنامي في نظام اقتصادي دولي مفتوحيعزز الفرص والازدهار؛ثالثا احترام القيم العالمية (التي وضعتها بالتأكيد أمريكا) في الداخل وحول العالم، رابعا دعم النظام الدولي القائم على قواعد تقدمها القيادة الامريكية لتعزيز السلم والامن (حسب المفهوم الامريكي)، من خلال تعاون أقوى لمواجهة التحديات العالمية.