بقلم : د/ غادة عامر
لا بد ان نعترف جميعا إن الطاقة النووية أداة مهمة لتحقيق التنمية والتقدم للأجيال الحالية والمستقبلية، خاصة في ضوء الدراسات والتوقعات بتزايد أعداد السكان عالمياً وتسارع عمليات النمو خاصة في الدول النامية، حيث أنه من المتوقع أن يزداد الطلب العالمي على الطاقة بحلول عام 2030 بنسبة 60٪ ،و هذا ما أكده التقرير الصادر عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التابعة لمنظمة التعاون والتنمية، حيث أشار التقرير أن الطاقة النووية سوف تحظى بالاهتمام الأكبر خلال العقود القادمة، نظرالتفاقم المشكلات البيئية المصاحبة للوقود الاحفوري، كما أكد التقريرأن مسألة الاستخدام السلمي للطاقة النووية يستحوذ على اهتمام متنامٍ في كل دول العالم تقريباً،و أنها ستكون هي الخيار شبه الوحيد لتوفير مصدر دائم ومستقر وأمن للطاقة، يضمن استمرار عملية التنمية.
كما أنه وعلى عكس الوقود الأحفوري، وهو وقود ناضب (مهما تفاءلت التوقعات بشأن احتياطاته)، فإن الوقود النووي وتحديداً اليورانيوم يتوافر بوفرة (وفقاً للكميات المكتشفة حالياً) وقادر على تغذية المحطات القادمة لمدة تزيد على 250 عاماً على الأقل، فهو متوافر في الطبيعة بكميات أكبر من الفضة. كما أن الدراسات العلمية أثبتت أنه يمكن استخراج اليورانيوم بكميات كبيرة من الفوسفات. بل أثبتت دراسات الوكالة الدولية إلى أنه يمكن استخراج الوقود النووي من مياه البحر. وبالتالي ليست هناك مشكلة في الوقود النووي، هذا على خلاف الوقود الأحفوري. كما أنه يتوقع مع الأجيال القادمة من المفاعلات أن يتم تعظيم القيمة المضافة من اليورانيوم المستهلك بحيث يمكن استخدامه لأكثر من مرة، وكل هذا ينعكس على التكلفة وعلى العائد على الاستثمار في هذه الصناعة ومن ثم قدرتها التنافسية.
و رغم أن دول منظمة التعاون والتنمية OECD تشكل اللاعب الأكبر في عالم هذه الصناعة، فهي أكبر منتج وأكبر مستهلك للكهرباء المولدة نووياً.ففرنسا مثلا تعد أكبر دول العالم اعتماداً على المصدر النووي في توليد الكهرباء، إذ يوفر حوالي 80% من احتياجاتها من الكهرباء.إلا أنه – خلال الأعوام الثلاث الماضية – بدأت هذه الصناعة تحظى باهتمام أكبر من قبل الدول النامية، وخاصة الصين والهند و كوريا و باكستان، حيث أن أكثر من ثلثي المحطات قيد الإنشاء توجد في الدول النامية و هناك العديد من الدول النامية التي أصبحت ذات سبق في عالم هذه الصناعة، ويكفي الإشارة إلى أنه وفقاً لبيانات الوكالة الدولية للطاقة أن 7 من بين أفضل 13 مفاعل نووي على مستوى العالم توجد في كوريا الجنوبية. فقد حققت كوريا الجنوبية تقدماً كبيراً في هذه الصناعة، ولديها بناء مؤسسي وتعليمي وتدريبي مؤهل وعلى استعداد لتقديم خدماته للدول الساعية للدخول في عالم هذه الصناعة. وعليه، تتوقع كافة الدراسات بأن تكون هذه الدول هي اللاعب الأكبر في عالم هذه الصناعة خلال القرن الجاري، لأنها مرشحة لأن تصبح أكبر مستهلك للطاقة خلال العقود القادمة لتغذية عملية التنمية والتطور السكاني والعمراني.
لقد باتت هذه الصناعة أكثر نضجاً وتطوراً بحيث توافرت لها اعتبارات التميز والتنافسية أمام صناعات التوليد التقليدية. فالدول ذات التاريخ في هذه الصناعة وبدعم من الوكالة الدولية للطاقة تسعى حالياً لتطوير الجيل الرابع من المفاعلات النووية، والذي يتوقع له أن يكون أقل تكلفة في إنشائه وأكثر أماناً وأكثر اقتصادية في استخدام اليورانيوم، بحيث يمكن استخدامه أكثر من مرة. كما أن تطور تقنيات هذه الصناعة سيقود إلى إطالة أعمار المفاعلات إلى 80 أو 100 عام، وكل هذه التحولات ستنعكس في النهاية على تكلفة الكهرباء، وكذلك على جاذبية هذه الصناعة للاستثمار الخاص.و بالنسبة إلى المخلفات النووية، فقد تطورت تقنيات معالجة وحفظ المخلفات النووية الي حد كبير، و للامان وعلى مدى أكثر من عقدين تحديدا منذ تلك حادثة تشيرنوبل (التي كان سببها أن تصميم تشيرنوبل ومعايير الأمان فيه كانت متواضعة للغاية) شهدت تقنيات أمن وأمان المفاعلات تطورات كبيرة. و دليل ذلك ان الدول التي تستخدمه دول تخاف علي أمنها أكثر من الدول التي لا تستخدم الطاقة النووية.
و فقط للعلم قدكانت مصر من أولي الدول النامية التي عرفت الطاقة النووية حيث بدأ التفكير في استخدامها عام 1954 حيث بدأ البرنامج النووي المصري كمشروع في نفس الوقت الذي بدأت فيه الهند مشروعها النووي، وكان المشروعان المصري والهندي بمثابة توأمين ترعاهما علاقة وثيقة ربطت بين جمال عبد الناصر ونهرو، لكن للاسف أخفقت مصر ونجحت الهند، التي تستطيع الآن تصنيع محطة نووية بأكملها دون حاجة إلي أي خبرة خارجية، كما تملك ما يزيد عن 30 قنبلة نووية و نحن بإرادتنا أصبحنا نمتلك أكبر كمية خوف و رعب من الطاقة النووية!