هل تُعيد «البيتكوين» ترامب إلى البيت الأبيض؟

  • بقلم : لاريسا ياروفايا

    *مديرة مركز التمويل الرقمي، وأستاذة مشاركة في التمويل، جامعة ساوثهامبتون- «ذا كونفيرزيشن»

     

    أصبحت عملة البيتكوين المشفرة نقطة محورية في الحملة الرئاسية الأمريكية، وذلك بعد أن ترأس المرشح الجمهوري للانتخابات، دونالد ترامب، أكبر مؤتمر بيتكوين لهذا العام في ناشفيل، الشهر الماضي. قائلاً، إنه سيجعل الولايات المتحدة «عاصمة العالم للعملات المشفرة» إذا عاد إلى البيت الأبيض.

     

    من المؤكد أن مغازلة ترامب لصناعة التشفير، والبيتكوين تحديداً، بعد أن وصفها في 2021 بأنها «عملية احتيال تؤثر على قيمة الدولار الأمريكي»، ما هي إلا خطوة سياسية على طريق انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني. كيف لا، وقد جمعت حملته 25 مليون دولار من القطاع منذ أن بدأت في قبول التبرعات بالعملات المشفرة في مايو/أيار الماضي، ومن المتوقع أن تتلقى المزيد بعد الحدث الأخير.

     

    في الواقع، عزز دعم ترامب العلني للعملات المشفرة تفاؤل المستثمرين، لكن الأسئلة لا تزال قائمة حول جدوى وعوده إذا عاد رئيساً. وحتى في هذه الحالة، من غير الواضح ما إذا كانت أجندته المؤيدة للعملات المشفرة ستؤثر بشكل مستدام على سعر البيتكوين في الأمد البعيد.

     

    وتعهد ترامب أيضاً بالاحتفاظ ب 100% من كل حيازات البيتكوين التي تضع الحكومة الأمريكية يدها عليها حالياً، أو التي ستستحوذ عليها في المستقبل. وتجدر الإشارة إلى أن الكثير من البلدان، بما في ذلك الولايات المتحدة، تمتلك عملة بيتكوين، وأن جزءاً كبيراً منها تمّت مصادرته من المجرمين الرقميين وغيرهم. لكن يبقى أمر التعامل مع هذه العملة المصادرة معقداً بعض الشيء. وعدم إعادتها لضحايا جرائم العملات المشفرة، قد يرسل رسالة متضاربة لهم.

     

    فإذا كانت الحكومات تريد حقاً حماية المستهلكين من الاحتيال والجرائم الإلكترونية في أسواق العملات المشفرة، فيجب أن يكون استرداد عملة البيتكوين المسروقة جزءاً من إجراءاتها. وبالتالي، قد لا يكون وعد ترامب بالاحتفاظ بجميع حيازات البيتكوين الأمريكية عملياً ولا ذا قيمة.

     

    بالإضافة إلى ذلك، تم تصميم البيتكوين في البداية كعملة لامركزية، تستمد جاذبيتها الرئيسية من كونها تعمل بشكل مستقل عن أي سلطة مركزية. لكن، منذ نشأتها عام 2009، انخفضت درجة اللامركزية هذه. وتحتفظ مجموعات التعدين الرئيسية وعمال المناجم الرقميون اليوم بكمية كبيرة من العملة، ويسعون لزيادة فرصهم في «تعدين» عملات بيتكوين جديدة بنجاح.

     

    كما يُعد الافتقار إلى الوضوح التنظيمي عقبة رئيسية أخرى أمام التبني الجماعي للبيتكوين وغيرها من الابتكارات القائمة على تقنية البلوك تشين. ومن هذا المنظور، قد يرحب مجتمع التشفير بأجندة ترامب المؤيدة للعملات المشفرة؛ لأنها قد تخلق بيئة أكثر ملاءمة في الولايات المتحدة لعمال التعدين والشركات الناشئة ورواد الأعمال الآخرين في القطاع.

     

    في مؤتمر ناشفيل، انتقد ترامب القوانين الأمريكية غير الواضحة والصارمة بشكل مفرط، ووعد بطرد رئيس لجنة الأوراق المالية والبورصة غاري غينسلر، الذي لا يحظى بشعبية في دوائر التشفير بسبب موقفه العدائي تجاه الصناعة، كما حذّر من أن مجتمع التشفير سوف يُسحق إذا تم انتخاب كامالا هاريس.

     

    وقال: «سيكون لدينا لوائح وقواعد، ولكن من الآن فصاعداً سيتم كتابتها من قبل أشخاص يحبون صناعتك، ولا يكرهونها». ومع ذلك، تظل تفاصيل كيفية تحقيق هذه الهيئات التنظيمية الجديدة «الصديقة للعملات المشفرة» لأهدافها إذا تم انتخاب ترامب، غير واضحة.

     

    في عام 2023، قادت لجنة الأوراق المالية والبورصات تحقيقات كبرى مع مثيري المشاكل الرئيسيين في مجال العملات المشفرة. وعلى سبيل المثال، حُكم على مؤسس بورصة العملات المشفرة «إف تي إكس» المفلسة الآن، سام بانكمان فرايد، بالسجن لمدة 25 عاماً، ومصادرة 11.2 مليار دولار من ثروته بتهمة الاحتيال.

     

    صحيح أن الولايات المتحدة تتمتع بالسلطة اللازمة لتأمين مجال التشفير أكثر أمام المستثمرين، ولكن من غير المؤكد ما إذا كانت هذه التدابير المناهضة للجريمة ستستمر في ظل حكومة جديدة صديقة للعملات المشفرة بقيادة ترامب.

     

    وبصرف النظر عن عدم اليقين بشأن هوية الرئيس القادم، تستمر مخاوف مستثمري العملات المشفرة بشأن ما تملكه الحكومة من البيتكوين؛ لأن أي تقلب حالي مدفوع جزئياً ببيع الحكومات لحيازاتها تلك. فقد انخفض سعر العملة بنسبة 15% منذ بدأت ألمانيا ببيع ما يقرب من 2.5 مليار يورو (2.7 مليار دولار) من البيتكوين المصادرة في بداية يونيو/حزيران.

     

    كما أن موقف الحكومة الأمريكية من القضايا البيئية التي تتعلق بالعملة، والتي تشكل مادة دسمة للكثير من الانتقادات الإعلامية، من شأنه أن يؤثر أيضاً على سعرها في الأمد البعيد؛ إذ تستخدم عملية تعدين البيتكوين عادةً كميات هائلة من قوة الحوسبة لحل الألغاز الرياضية المختلفة، وإضافة رموز جديدة إلى سلسلة الكتل. وهذه عملية تستهلك كمية مذهلة من الكهرباء والمياه، وتُخلف كميات كبيرة أيضاً من النفايات الإلكترونية.

     

    وبناء عليه، قد يتم استقبال وعد ترامب بدعم تعدين البيتكوين في الولايات المتحدة بشكل سلبي من قبل المجتمعات التي تعاني أصلاً من استهلاك هائل لموارد العملة المشفرة، على غرار تكساس، حيث الأسر تواجه بالفعل تكاليف كهرباء مرتفعة في المناطق التي يتم فيها تعدين البيتكوين على نطاق واسع.

     

    بالتالي، لكي تؤثر تعهدات ترامب على سعر البيتكوين في الأمد البعيد، لابد أن تكون تلك الوعود مدعومة بتدابير جوهرية ومتسقة، وإلا فسوف تتسبّب في تقلبات جديدة بالأسعار. ومع ذلك، يبقى البيتكوين أصلاً مضارباً للغاية وحساساً للتغطية الإعلامية والأخبار وحتى الإعلانات على وسائل التواصل الاجتماعي.

     

    حمّل تطبيق Alamrakamy| عالم رقمي الآن