بقلم : توم كلارك
شريك في مكتب «هايدريك آند سترجلز»
من المتوقع أن يكون الاقتصاد الرقمي في الشرق الأوسط من أسرع الاقتصادات الرقمية نمواً في العالم. وقد اجتذبت دول المنطقة استثمارات من عمالقة التكنولوجيا مثل «مايكروسوفت»، التي استثمرت مؤخراً 1.5 مليار دولار في شركة «G42»، الشركة المتخصصة في مجال الذكاء الاصطناعي في دولة الإمارات. في الوقت نفسه، تفيد التقارير أن شركة «أمازون ويب سيرفسيز» هي من بين المستثمرين الرئيسيين في منظومة مراكز البيانات في السعودية، حيث تسعى المملكة إلى تعزيز بنيتها التحتية التكنولوجية. ومع سعي المنطقة إلى ترسيخ مكانتها كمركز عالمي للذكاء الاصطناعي، فإن تزايد استخدام البيانات يجعل الحاجة إلى منصب الرئيس التنفيذي للبيانات أكثر وضوحاً.
إن دور الرئيس التنفيذي للبيانات يتجاوز إدارة البيانات. فهو بمثابة الوصي الموثوق الذي يقود المؤسسة إلى التطور جنباً إلى جنب مع التكنولوجيات الجديدة.
على الرغم من إدراك العديد من المؤسسات لأهمية الرئيس التنفيذي للبيانات، إلا أنها غالباً ما تفشل في تحقيق إمكانات الدور الكاملة بسبب عوامل مثل التسلسل الإداري غير الواضح، وافتقار الدعم المؤسسي، والتوقعات غير المتسقة. ويؤدي هذا إلى التقليل من قيمة الرئيس التنفيذي للبيانات أو تخفيض رتبته أو دمجه في دور نظير ضمن وظيفة التكنولوجيا.
عندما يتم التقليل من أهمية وظيفة البيانات، لا يتم منح الرئيس التنفيذي للبيانات أو نظيره، المستوى المطلوب من الصلاحية والإذن الذي يحتاجه لإحداث تغييرات جذرية في ممارسات البيانات الحالية. وفي ظل التحديات التي يواجهونها، ما هي الصفات التي يحتاج إليها الرؤساء التنفيذيون للبيانات اليوم لإظهارها لإثبات قيمتهم لشركات الشرق الأوسط؟
كما يوحي الاسم، فإن الخلفية التقنية القوية والبرمجة المتقدمة القوية هي شرط رئيسي لأي رئيس تنفيذي للبيانات. ومع توقع أن يصل الإنفاق السنوي على الذكاء الاصطناعي في الشرق الأوسط إلى 7.2 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2026، فمن المهم فهم كيفية جعل البيانات تعمل لتحقيق عوائد أكبر.
يجب أن يكون المرشح المناسب قادراً على تقييم الجاهزية التشغيلية للمؤسسة وبنية بياناتها لدمج المخرجات التحليلية والذكاء الاصطناعي في العمليات. بدءاً من إنشاء مستودعات كافية للبيانات، وإجراء اختبارات فاعلية للبيانات ووصولاً إلى ضبط العمليات بدقة، يلزم وجود فهم تقني قوي لتحديد وبناء الاستراتيجيات التي تساعد في تحقيق تأثير تجاري ثابت ومتزايد تدريجياً من البيانات.
يحتاج الرئيس التنفيذي للبيانات بالإضافة إلى المعرفة التقنية البحتة، إلى العمل كمترجم رئيسي للبيانات، حيث يقوم بتفصيل الذكاء الاصطناعي المعقد وتحليلات البيانات إلى مفاهيم مبسطة. لا يتمتع كل فرد في مجلس الإدارة أو في فريق القيادة التنفيذية بنفس المستوى من الخبرة الفنية، وستكون الترجمة إلى لغة يفهمها الآخرون أمراً بالغ الأهمية في إقناعهم بأهمية هذه التوجهات.
من السمات المهمة الأخرى التي تتيح للرؤساء التنفيذيين للبيانات قيادة برامج البيانات الخاصة بهم بنجاح، القدرة على التنقل في إدارة الشركاء وأصحاب المصلحة من خلال التأثير عليهم.
إن دور الرئيس التنفيذي للبيانات هو بطبيعته تدخلي ومُخلّ بالنظام القائم. غالباً ما تمس ممارسات البيانات المؤسسة بأكملها عبر مختلف الوظائف وخطوط الأعمال، وتتحدى الوضع الراهن باستمرار. وبناءً على ذلك، لا يتبع الرؤساء التنفيذيون للبيانات الرئيس التنفيذي فقط، بل يتبعون أيضاً مختلف الرؤساء التنفيذيين ورؤساء الأقسام الذين يتأثرون بأي عمليات بيانات جديدة يتم تنفيذها. يمكن أن تسبب هذه التغييرات اضطرابات، ومن دون الفهم الكافي من المرجح أن تؤدي إلى المقاومة والرفض. على سبيل المثال، قد يجد رئيس المبيعات أنه بحاجة إلى تسجيل الأنشطة على نظام معين. وهذا إلى جانب الوقت والجهد الإضافيين، قد يبدو وكأنه يضر بالإنتاجية.
يحتاج الرئيس التنفيذي للبيانات إلى التعامل بعناية مع هذا الرفض وكذلك ضمان الموافقة المستمرة عبر المؤسسة لضمان تبنّي الفرق لممارسات إدارة البيانات الضرورية. ويمكن تحقيق ذلك من خلال محادثات شفافة وقنوات اتصال مفتوحة حول عملية التنفيذ، حيث يمكن للرئيس التنفيذي للبيانات العمل بشكل تعاوني مع الموظفين لاحتضان وفهم كيف يمكن لإدارة البيانات واستخدامها أن تؤثر بشكل إيجابي على عملهم.
يتعين على الرؤساء التنفيذيين للبيانات ليحققوا النجاح في أدوارهم بناء علاقات مع الشركاء وأصحاب المصلحة والتأثير على صناع القرار مع بناء ثقافة جماعية للمسؤولية عندما يتعلق الأمر بإدارة البيانات.
يجب أن يتحلّى الرئيس التنفيذي للبيانات بمجموعة من الصفات ليكون ناجحاً، ولكن يجب أن نتذكر أن هذا الدور لا يمكن أن يحدث تأثيراً على الأعمال بشكل منفرد. حتى إن أكثر الرؤساء التنفيذيين تأهيلاً وخبرة سيواجهون صعوبة في إحداث تأثير دون التوافق الجماعي عبر المؤسسة، مما يجعل مهارة إدارة أصحاب المصلحة أكثر أهمية بكثير.
تسلط المقابلات التي أجريت مع متخصصي البيانات والتكنولوجيا في المنطقة الضوء على أن وجود قائد بيانات فعال هو جهد تنظيمي. صرح ميغيل ريو تينتو رئيس قسم العمليات الرقمية والمعلومات في بنك الإمارات دبي الوطني، أن إنشاء مركز للتميز في البيانات يعد أمراً محورياً لتحقيق نتائج إيجابية. يضمن مركز التميز الذي تم دمجه في فرق رأسية ويضم علماء البيانات وفرق حوكمة البيانات وتصورات البيانات إعداد الفرق للعمل معاً في دفع أجندة البيانات إلى الأمام.
أمّا بالنسبة للشركات في الشرق الأوسط، فإن إدراك هذه الحاجة في وقت مبكر سيساعد على التكيف والبقاء في الطليعة مع تقدم عصر الذكاء الاصطناعي. إن الشركات التي تفتقر إلى رئيس تنفيذي للبيانات الذي يتمتع بالصفات المناسبة أو تفشل في تمكين المواهب المتميزة بشكل كامل، فإنها تعمل بأجل مستعار.