كتب : أمير طه
عند التفكير في "السحابة"، قد يظن بعضهم أنها مجرد مفهوم غير ملموس للبيانات التي تتنقل عبر الفضاء الإلكتروني، ولكن الحقيقة تختلف تماماً؛ فالسحابة تعتمد على بنية تحتية مادية معقدة تتضمن مراكز بيانات ضخمة تحتوي على شرائح حاسوبية قوية، وتستهلك كميات هائلة من الطاقة.
وتمثل وحدات معالجة الرسومات (GPUs) جزءاً أساسياً من هذه البنية التحتية، إذ تُستخدم استخداماً رئيساً في تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي المتقدمة وتشغيلها، مثل برامج المحادثة الذكية (ChatGPT).
وفقاً لتقرير نشرته مجلة "تايم"، تزداد أهمية هذه الشرائح مع توسع قدرات الذكاء الاصطناعي، ما يبرز الأبعاد الجيوسياسية المرتبطة بتوزيع هذه الشرائح المتقدمة، تتنافس الولايات المتحدة والصين بشدة في هذا المجال، إذ تفرض واشنطن عقوبات تهدف إلى منع بكين من الوصول إلى النماذج الأكثر تطوراً، ورغم أهمية هذا التنافس، تظل البيانات العامة حول توزيع الشرائح على مستوى العالم محدودة.
وفي دراسة جديدة، جرى مراجعتها ومشاركتها حصرياً مع المجلة، كشفت عن تفاصيل توزيع الشرائح على الصعيد العالمي، وأوضح فيلي ليدونفيرتا، المؤلف الرئيس للدراسة، والأستاذ بجامعة أكسفورد، قائلاً: "لقد بدأنا هذه الدراسة بهدف تحديد أماكن وجود شرائح الذكاء الاصطناعي".
وأوضحت النتائج أن وحدات معالجة الرسومات مركزة في 30 دولة فقط، إذ تتصدر الولايات المتحدة والصين القائمة، على حين تبقى كثير من مناطق العالم ضمن ما يُسمى بـ"صحارى الحوسبة"، إذ لا تتوفر فيها أي من هذه الشرائح إطلاقاً.
تشير نتائج الدراسة، وفقاً لتقرير "تايم"، إلى تأثيرات كبيرة تتجاوز المنافسة الجيوسياسية المستقبلية، لتشمل أيضاً حوكمة الذكاء الاصطناعي، فالحكومات التي تمتلك القدرة على بناء الذكاء الاصطناعي وتطويره ونشره ستشكل تشكيلاً رئيساً معايير هذا المجال.
في المقابل، تواجه الدول التي تفتقر إلى البنية التحتية اللازمة تحديات كبيرة في التأثير في معايير الذكاء الاصطناعي، وتضيف الخبيرة بوكسي وو، أحد مؤلفي الدراسة، قائلاً: "تعكس هذه النتائج الفجوات العالمية في مجال الذكاء الاصطناعي، ولها تأثير مباشر في القدرة على تشكيل أبحاث وتطوير هذا المجال".
وعلى حين تتفوق الصين على الولايات المتحدة في بعض مناطق الحوسبة المدعومة بوحدات المعالجة، تظل الشرائح الأكثر تقدماً مركّزة في الولايات المتحدة، إذ توجد ثماني مناطق تحتوي على وحدات معالجة (H100)، وهي التي تخضع للعقوبات الأميركية ضد الصين، في المقابل على الرغم من عدم توفر وحدات (H100) في خدمات السحابة الصينية الرسمية، تنشط سوق سوداء متنامية داخل الصين لتلبية الطلب على هذه الشرائح المحظورة.
قسمت الدراسة العالم إلى فئات رئيسة: "الشمال الحوسبي"، الذي يضم الشرائح الأكثر تقدماً؛ و"الجنوب الحوسبي"، الذي يحتوي على شرائح أقدم تصلح للتشغيل، ولكن ليس للتدريب، بشكل يشابه مفاهيم "الشمال العالمي" و"الجنوب العالمي" التي يستخدمها خبراء اقتصاد التنمية، حيث تسلط الضوء على الانقسامات العالمية في مجال موارد الحوسبة الخاصة بالذكاء الاصطناعي.
وحذرت وو من أن تركيز الشرائح في الاقتصادات الثرية قد يؤدي إلى اعتماد البلدان في الجنوب العالمي على الذكاء الاصطناعي المطور في الشمال العالمي، ما قد يقلل من تأثير الجنوب العالمي على هذه التكنولوجيا، وأضاف أن هذا التوزيع قد يؤدي إلى ترسيخ القوة التكنولوجية والاقتصادية لدول الشمال الحوسبي، ما يؤثر في قدرة دول الجنوب الحوسبي في تشكيل أبحاث، وتطوير الذكاء الاصطناعي.