كتب : أمير طه
تواجه صناعة السيارات الكهربائية في الصين موجة من القيود التجارية أحادية الجانب في أسواق التصدير الرئيسية، مما يؤدي إلى تصعيد التوترات التجارية بين الاقتصادات الكبرى في العالم.
ففي مايو 2024، زادت الولايات المتحدة الرسوم الجمركية على السيارات الكهربائية المصنعة في الصين من 25 إلى 100بالمئة، وذلك بعد مخاوفها الطويلة الأمد بشأن "ممارسات التجارة غير العادلة" في الصين.
في يوليو من هذا العام، فرض الاتحاد الأوروبي تعريفة مؤقتة لمكافحة الدعم تصل إلى 37.6 بالمئة على السيارات الكهربائية المستوردة من الصين، بعد تحقيق لمكافحة الدعم أطلقته المفوضية الأوروبية في أكتوبر 2023 دون التماس من منتجي السيارات الكهربائية المحليين.
في أغسطس، حذت كندا حذو الاتحاد الأوروبي بزيادة تعريفتها الجمركية البالغة 6.1 بالمئة على السيارات الكهربائية الصينية إلى 100 بالمئة، مستشهدة أيضًا بقضايا معروفة تتعلق بالسياسات الصناعية الصينية والإعانات، والتي تسبب فائض الطاقة والمنافسة غير العادلة.
تدابير صينية
وبحسب تقرير للمنتدى الاقتصادي العالمي، فإن الصين ردت على الفور وبقوة من خلال مجموعة من التدابير المضادة، وأبرزها: سلسلة من إجراءات مكافحة الإغراق، استهدفت هذه الإجراءات أولاً لحم الخنزير والبراندي في الاتحاد الأوروبي. وفي تحقيق البراندي، اقترحت وزارة التجارة الصينية هامش إغراق إيجابي يصل إلى 39 بالمئة في قرارها الأولي، لكنها قررت عدم فرض رسوم إغراق مؤقتة حتى الآن.
وكإجراء مضاد، يبدو أن معدل الإغراق يعكس مستوى التعريفة الجمركية لمكافحة الدعم التي يفرضها الاتحاد الأوروبي على المركبات الكهربائية الصينية.
وأكد التقرير أن قرار تعليق فرض الرسوم الجمركية على السلع الصينية يوفر فرصة للحوار الدبلوماسي والتوصل إلى حلول، مشيرًا إلى أنه في الوقت نفسه، تقدمت الصين أيضًا بشكوى ضد التعريفات الجمركية التي فرضها الاتحاد الأوروبي إلى منظمة التجارة العالمية، ويوفر هذا النزاع فرصة أخرى للجانبين للتفاوض على حل من خلال التشاور.
وبيّن أنه في حالة كندا، فإن رد الصين الانتقامي أكثر قسوة، حيث تشمل مجموعة أدوات التدابير المضادة القادمة، التي أعلنت عنها وزارة التجارة في 3 سبتمبر 2024، تحقيقات مكافحة الإغراق على زيت الكانولا والمنتجات الكيميائية الكندية، فضلاً عن تحقيق منفصل لمكافحة التمييز، وبموجب قانون التجارة الخارجية الصيني.
وأكد التقرير على أنه يجوز للصين اتخاذ إجراءات مماثلة رداً على القيود التجارية التمييزية التي تفرضها حكومة أجنبية على الصين، وفي حين كانت أداة مكافحة التمييز خياراً سياسياً منذ عام 1994، إلا أنها لم تُستخدم من قبل، وبالتالي، يظل من غير الواضح كيف سيتم إجراء التحقيق وما هي التدابير التي يمكن تطبيقها.
المنافسة الاستراتيجية والتنافس الجيوسياسي
وقال التقرير إن الرسوم الجمركية على السيارات الكهربائية والتدابير المضادة التي اتخذتها الصين تؤدي إلى تصعيد التوترات التجارية وسط احتكاكات جيوسياسية متزايدة وعدم اليقين.
وأضاف أنه لطالما كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها قلقين بشأن السياسات الصناعية الطموحة للصين المدعومة بإعانات ضخمة، وخاصة في القطاعات الاستراتيجية، فإن هذه السياسات والإعانات هي السبب وراء النجاح غير المسبوق لصناعة السيارات الكهربائية في الصين على مدى السنوات الـ 15 الماضية.
وأشار إلى أنه في حين أن هدف السياسات الصينية هو تسهيل الانتقال إلى اقتصاد منخفض الكربون، فإن الاستراتيجية تتضمن أيضًا جعل الصين رائدة العالم في تقنيات السيارات الكهربائية والابتكار والإنتاج، موضحًا أن من العواقب الرئيسية "الطاقة الفائضة"، مما أدى إلى مزاعم عن غمر السيارات الكهربائية الصينية الرخيصة أسواق أخرى وإلحاق الضرر بصناعات السيارات الكهربائية الأجنبية.
ووفقًا للتقرير فإنه منذ العام 2017، ارتفعت صادرات السيارات الكهربائية الصينية بنسبة 13300 بالمئة إلى 42 مليار دولار في عام 2023، عندما شكلت الصين ما يقرب من 70 بالمئة من إنتاج السيارات الكهربائية العالمي.
كما أفاد بأن الإجراءات أحادية الجانب التي اتخذتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وكندا تبدو مدعومة بمخاوف مشروعة، ومع ذلك، لا ينبغي النظر إلى هذه الإجراءات بمعزل عن السياق الجيوسياسي الأوسع، ففي حين استهدف الغرب السياسة الصناعية والإعانات الصينية، فقد قدم سياسات وإعانات مماثلة، مثل قانون خفض التضخم الأمريكي وبرامج المساعدات الحكومية المختلفة في الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.
وأكد أن المنافسة بين القوى العظمى على الزعامة العالمية في القطاعات الاستراتيجية تضيف وقودًا إلى سباق السياسة الصناعية المحموم بالفعل في جميع أنحاء العالم.
ماذا بعد؟
وقال التقرير إنه إذا كان هدف التعريفات الجمركية على السيارات الكهربائية هو إجبار الصين على تغيير سياستها وممارساتها، فمن المؤكد أن هذه التعريفات ستفشل، فقد تم التأكيد على التزام الصين الراسخ بنموذجها الاقتصادي وأهداف التنمية الاستراتيجية والسياسة الصناعية في بيان الدورة الكاملة الثالثة في يوليو 2024.
ورجح أن تؤدي الإجراءات أحادية الجانب إلى ردود فعل انتقامية، كما يتضح من الحرب التجارية المطولة والمستمرة بين الولايات المتحدة والصين وردود أفعال الصين على التعريفات الجمركية على السيارات الكهربائية.
وأفاد بأن رد فعل الصين ليس بالأمر الصعب، مرجعًا ذلك إلى:
الحكومة الصينية ترى أن التعريفات الجمركية المفروضة على المركبات الكهربائية تشكل تمييزاً صارخاً وسياسة حمائية تهدف إلى احتواء التنمية في الصين.
نمو السياسات والإعانات بأشكال ومقاييس مماثلة بسرعة في هذه الاقتصادات المتنافسة بهدف تجاوز الصين، وبهذا المعنى، تواجه سياسات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي معضلة "البيت الزجاجي" الكلاسيكية وتفشل في الوفاء بالمعايير والمقاييس القائمة على السوق.
وبحسب التقرير فإنه لتخفيف تأثير التعريفات الجمركية الأجنبية:
ربما يواصل مصنعو السيارات الكهربائية الصينيون نقل إنتاجهم إلى سوق دولة ثالثة كما فعل البعض بالفعل في دول مثل تايلاند.
قد تؤدي مثل هذه الممارسات إلى إثارة الاستفسارات حول التحايل على التعريفات الجمركية لمكافحة الإغراق ومكافحة الدعم الحالية، مما قد يؤدي إلى تطبيق هذه التعريفات على السيارات الكهربائية المنتجة والمصدرة من أسواق الدول الثالثة هذه.
قد يعمل منتجو السيارات الكهربائية الصينيون على تسريع تنويع الصادرات إلى الأسواق الناشئة، مثل أستراليا، والواقع أن شركة بي واي دي، أكبر شركة لصناعة السيارات الكهربائية في الصين، تحقق تقدماً جيداً في تجاوز مبيعات سيارات تيسلا الكهربائية في أستراليا .
ونظراً لأن أستراليا لا تحتفظ بصناعة للسيارات الكهربائية، فمن غير المرجح أن تسعى إلى اتخاذ إجراءات مكافحة الإغراق أو مكافحة الدعم، والتي تتطلب إثبات الضرر المادي الذي لحق بالصناعة المحلية ذات الصلة.
وذكر التقرير أن التقاضي في منظمة التجارة العالمية لا يزال خياراً قائماً، فالاتحاد الأوروبي وكندا والصين أعضاء في ترتيب التحكيم المؤقت متعدد الأطراف، وهو عملية استئناف مؤقتة أنشئت لملء الشاغر في هيئة الاستئناف.
وأوضح أن من شأن اللجوء إلى ترتيب التحكيم المؤقت متعدد الأطراف أن يتجنب حالة " الاستئناف في الفراغ " حيث يعرقل الطرف الخاسر عملية تسوية المنازعات في منظمة التجارة العالمية بالاستئناف إلى هيئة الاستئناف المشلولة، ولكن التقاضي في منظمة التجارة العالمية قد لا يكون نهجاً فعالاً لحل المنازعات مع الولايات المتحدة، التي ليست عضواً في ترتيب التحكيم المؤقت متعدد الأطراف، وبالتالي فهي أكثر ميلاً إلى استئناف الأحكام غير المواتية الصادرة عن هيئات منظمة التجارة العالمية، محكمة الدرجة الأولى في منظمة التجارة العالمية ـ في الفراغ.
وأفاد بأن المشكلة الأكبر هنا هي أن التقاضي في إطار منظمة التجارة العالمية لا يوفر حلاً منهجياً، ذلك أن تدابير مماثلة قد تتخذ ضد بعضها البعض مراراً وتكراراً، الأمر الذي يؤدي إلى حلقة مفرغة تؤدي إلى استمرار المشكلة.
وذكر التقرير أنه لتوفير حل طويل الأجل ذي مغزى للانتشار الواسع النطاق للسياسات الصناعية والإعانات، يتعين على جميع اللاعبين الرئيسيين أن يعملوا معاً لصياغة قواعد متعددة الأطراف تعيد تصميم قواعد المنافسة العالمية في القطاعات ذات الصلة، وهو ما يتطلب من جميع البلدان أن تلتقط أدوات الدبلوماسية المتعددة الأطراف وتتخلى عن أسلحة الحرب القانونية الأحادية الجانب.
تحديات وقيود
من لندن، أكد خبير اقتصاديات الطاقة، نهاد إسماعيل، في حديث خاص مع موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن الصين مُصدِر هام وكبير للاتحاد الأوروبي، مشيرًا إلى أنه (الاتحاد) استورد من بكين في عام 2023 حوالي 430 ألف سيارة كهربائية.
وقال إن السيارات الكهربائية الصينية غير متوفرة حتى الآن في الولايات المتحدة الأميركية على الرغم من تقنيتها العالية وسعرها التنافسي الجذاب للمستهلك.
وأفاد بأن صناعة السيارات الكهربائية في الصين تواجه تحديات واتهامات وقيود من اقتصادات الغرب في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية، لافتًا إلى أنها تشمل: الإغراق ، المنافسة غير العادلة.
الدعم المالي المفرط، حيث بلغ الدعم الحكومي الصيني لقطاع السيارات الكهربائية بين 2009 و 2023 ما يزيد عن 231 مليار دولار وفقا لمراكز دراسات استراتيجية أميركية.
اتهام الصين بممارسات اقتصادية غير عادلة.
تقويض المنافسة الحرة وتشويه السوق الحر، وإغراق الأسواق بسلع مدعومة .
وأرجع السبب وراء اتخاذ حكومات الغرب مواقف حمائية مثل فرض رسوم جمركية عالية على المستوردات الصينية لوجود التحديات سالفة الذكر، مشيرًا إلى أن الاتحاد الأوروبي فرض في يوليو تعاريف جمركية على السيارات الكهربائية بنسب تتراوح ما بين 17.4بالمئة على سيارات شركة BYD العملاقة و37.6 بالمئة على شركة SAIC الحكومية لصناعة السيارات الكهربائية لمدة أربعة أشهر، متوقعًا أن تصبح ثابتة وطويلة الأمد اعتبارا من نوفمبر، بينما إدارة بايدن في واشنطن تهدد بفرض رسوم جمركية تبلغ 100بالمئة.
وقال إن النتيجة النهائية هي إحباط الصناعات الصينية وحماية الصناعات المحلية، ولكنها أيضا تعاقب المستهلك في الدول المستوردة، لافتًا إلى أن المستهلك الأميركي ينفق 55 ألف دولار كمعدل متوسط لشراء سيارة كهربائية أميركية بينما السيارة الصينية ذات التقنية العالية تكلف نصف ذلك إذا توفرت في السوق.
وفي حال قامت الدول المستوردة بإلغاء القيود وتخفيض التعريفة الجمركية، توقع أن تكون هناك فيضانات من السيارات الكهربائية الصينية في أسواق أوروبا وأميركا الشمالية، وهو ما سيهدد مستقبل الصناعات الأوروبية والأميركية، والقضاء على صناعة السيارات الكهربائية في الغرب.
وأشار إلى أن السنوات الأخيرة شهدت موجة من الماركات الشهيرة الأوروبية مثل بي إم دبليو وفولكسفاغن وفولفو وحتى تيسلا الأميركية تقوم بتصنيع سيارات كهربائية في الصين ذاتها لتلبية الطلب الصيني و الآسيوي وأيضا التصدير لأوروبا، كما أن كل من فورد وجنرال موتورز تدرسان تأسيس مصانع في الصين.
وذكر أن الشركة الصينية المتخصصة بصناعة السيارات الكهربائية BYD تخطط إلى تأسيس قاعدة صناعية في المكسيك لتكون قريبة من السوق الأميركية وكذلك سوق أميركا اللاتينية، منبهًا بأن الاتفاق الأميركي الكندي المكسيكي الذي وقع عام 2020 لا يمنع تأسيس مصانع أجنبية في المكسيك، ومتسائلًا عن ما إذا كانت ستفرض واشنطن تعاريف جمركية عقابية على صادرات BYD من المكسيك؟
وأفاد بأن هناك محاولات لسد أبواب الاستيراد للسيارات الكهربائية الصينية تحت ذريعة حماية الأمن القومي الأميركي، وأن موقف الولايات المتحدة سيتضح بشكل أكبر بعد الانتخابات الرئاسية في نوفمبر المقبل.
وقال إنه في حال استمرت الحرب التجارية بين الصين والدول الصناعية المتقدمة لسنوات ولم يتم التوصل إلى اتفاق وسطي برعاية منظمة التجارة الدولية، فإن العالم يحتاج إلى الصين والصين تحتاج أسواق العالم .