كتب : أمين قدري
منذ انطلاق تقنية (ChatGPT) في عام 2022، تسارعت جهود الشركات لاستكشاف استخدامات الذكاء الاصطناعي التوليدي بشكل فعّال. ورغم أن معظم هذه المساعي لم تُسفر عن نتائج ملحوظة حتى الآن، فإن قطاع تطوير البرمجيات يعد استثناءً ملحوظاً.
تشير دراسة استقصائية أجرتها مجلة «إيكونوميست» البريطانية إلى أن المطورين في جميع أنحاء العالم يجدون الذكاء الاصطناعي التوليدي أداةً فعالة، إذ أظهر حوالي ثلثي المشاركين في الاستطلاع أنهم يستخدمونه بالفعل في مشاريعهم.
تشهد نسبة المهندسين والمبرمجين القادمين من الأسواق الناشئة، مثل الهند والصين، ارتفاعاً ملحوظاً، متفوقين بذلك على الدول الغنية.
وبحلول عام 2020، تجاوز عدد مستخدمي منصة (GitHub)، المتخصصة في تخزين ومشاركة معلومات البرمجيات، من البلدان النامية نظراءهم من الدول المتقدمة.
ومن المتوقع أن تتفوق الهند قريباً على الولايات المتحدة لتصبح أكبر مركز للمواهب البرمجية في العالم، مما يعكس تحولاً كبيراً في توزيع المهارات التقنية عالمياً.
تعتبر هذه التحولات مهمة للغاية في القطاع، إذ إن مهنة البرمجة تُعد ضرورية حالياً ومستقبلاً، كما أن الأجور المرتفعة تعكس ذلك. يُظهر متوسط أجر مطور البرمجيات في الولايات المتحدة أنه يتجاوز جميع المهن الأخرى بنسبة 5%، مما يعني أن المبرمجين يكسبون أكثر من المهندسين النوويين.
تعتمد شركات التكنولوجيا الكبرى على هؤلاء المحترفين لجعل منصاتها أكثر جاذبية، بينما تسعى الشركات غير التقنية إلى توظيف مزيد من المبرمجين لتعزيز جهود التحول الرقمي، الذي يأملون أن يسهم في تحسين الإنتاجية وجذب المستهلكين، وفقاً لتقرير «إيكونوميست».
ساعدت التكنولوجيا المطورين بشكل كبير، وسهلت شبكة الإنترنت عليهم الحصول على الإجابات بسرعة، بدلاً من العودة إلى الكتب التي تستغرق وقتاً طويلاً، أما الذكاء الاصطناعي التوليدي، فقد أحدث قفزة أكبر إلى الأمام في هذا السياق. من بين الأسباب التي تجعله مفيداً بشكل خاص للمطورين هو توافر البيانات، إذ تحتفظ منتديات على الإنترنت، مثل (Stack Overflow)، بأرشيفات هائلة من الأسئلة والأجوبة التي يطرحها المبرمجون، وغالباً ما يتم تصنيف هذه الإجابات، مما يساعد نماذج الذكاء الاصطناعي على تحديد ما هو مفيد وما هو غير ذلك.
كما أن البرمجة تعتمد على العديد من «حلقات التغذية الراجعة» وعمليات الاختبار المستمرة، التي تُستخدم للتحقق من صحة عمل البرنامج. تعني هذه التغذية المعلومات أو البيانات التي يحصل عليها المبرمج أو النظام بعد اختبار البرنامج، لتحديد ما إذا كان يعمل بشكل صحيح أو يحتاج إلى تعديلات.
يوضح ناثان بينيتش من شركة (Air Street Capital) أن نماذج الذكاء الاصطناعي تستطيع استخدام التغذية الراجعة للتعلم والتحسين. فهذه النماذج تستفيد من البيانات الناتجة عن الاختبارات، مما يتيح لها تحسين أدائها وتعلم كيفية حل المشكلات أو تحسين البرامج باستمرار بناءً على النتائج السابقة.
بمعنى آخر، كلما تم اختبار البرنامج وجمع البيانات حول أدائه، تستطيع نماذج الذكاء الاصطناعي التعلم من تلك البيانات واستخدامها لتطوير أدائها مع مرور الوقت.
شهدت السنوات الأخيرة طفرة في تطوير أدوات الذكاء الاصطناعي لدعم المبرمجين، إذ ظهرت حوالي 250 شركة ناشئة متخصصة في هذا المجال، وفقاً لشركة «بيتشبوك». تقود شركات التكنولوجيا الكبرى هذه الجهود، فقد أطلقت (GitHub)، المملوكة لشركة «مايكروسوفت»، أداة (Copilot) في عام 2022، التي يستخدمها أكثر من 2 مليون مشترك، بمن في ذلك موظفو 90% من شركات (Fortune 100).
في عام 2023، دخلت «ألفابت» و«ميتا» المنافسة، وتبعتهما «أمازون» و«أبل» في العام نفسه. كما قامت العديد من الشركات ببناء أدوات برمجة تعتمد على الذكاء الاصطناعي للاستخدام الداخلي، مما يعكس تسارع الابتكار في هذا المجال.
رغم الفوائد التي تقدمها أدوات الذكاء الاصطناعي للمبرمجين، فإن تأثيرها الحالي لا يزال محدوداً. وفقاً لاستطلاع أجرته «إيفانز داتا»، أفاد 35% من المبرمجين أن الذكاء الاصطناعي يوفر فقط بين 10% و20% من وقتهم، وذلك يعود إلى قدرته على إنتاج أكواد بسيطة فقط، وليس معقدة. كما وجدت دراسة من «جيت كلير» تراجعاً في جودة الأكواد، يُعتقد أن نماذج الذكاء الاصطناعي هي السبب وراءه.
بالإضافة إلى ذلك، اكتشفت أكثر من نصف المنظمات مشكلات أمنية مرتبطة بالكود الضعيف الذي ينتجه الذكاء الاصطناعي. ومع ذلك، يُتوقع أن يكون الجيل القادم من الأدوات أفضل، مثل طراز (Claude 3.5 Sonnet) من «أنثروبيك» وأداة «o1» من «أوبن أيه آي»، التي تدعي تحسين قدرتها على معالجة الأكواد المعقدة.
تساهم الثورة في مجال البرمجة في زيادة المنافسة بين المطورين المبتدئين في البلدان الغنية، إذ يُتوقع أن يرتفع عدد المبرمجين في منطقة آسيا والمحيط الهادئ بنسبة 21% وأميركا اللاتينية بنسبة 17% بين عامي 2023 و2029، مقارنة بـ13% فقط في أميركا الشمالية و9% في أوروبا، وفقاً لشركة «إيفانز داتا».
تعد الهند القوة العظمى في هذا المجال، إذ بلغت صادراتها من البرمجيات والخدمات المرتبطة بها 193 مليار دولار في عام 2023، نصفها يتجه إلى أميركا، مما يساعد الشركات على التحكم في التكاليف، والتوسع من دون تجاوز الميزانيات.