بقلم : د. عادل اللقانى
خبير تكنولوجيا المعلومات والاتصالات
"يُعتبر مؤتمر CAISEC (مؤتمر الأمن السيبراني للاتصالات والمعلومات) - والذى تبدأ فعالياته من اليوم وحتى الغد بفندق كمبنسكى القاهرة الجديدة - واحدًا من الفعاليات الرائدة في مجال الأمن السيبراني على مستوى المنطقة. يُعقد هذا المؤتمر بشكل دوري بهدف مناقشة التحديات المستجدة في مجال الحماية الرقمية ومواكبة التطورات التكنولوجية في عالم الاتصالات. خلال دوراته الثلاث السابقة استطاع المؤتمر أن يحقق نتائج ملموسة نستعرضها فى هذه المقالة ونقدم تحليلا وافيا لما تحقق من الإنجازات والآثار التي ترتبت عليها في تعزيز الأمان السيبرانى ، كما نستعرض عددا من الرسائل المستخلصة لمؤتمر هذا العام فى دورته الرابعة ، ونتطرق اخيرا الى أهم المطالب التى ينتظرها مجتمع الأعمال والاقتصاد والتكنولوجيا من CAISEC’25 هذا العام "
نبدأ اولا باهم النتائج التى تحققت خلال الدورات الثلاث السابقة ونلخصها فى النقاط التالية :
· التوعية بالأمن السيبراني : من أبرز نتائج مؤتمر CAISEC على مدار دوراته الثلاث السابقة هو إسهامه في زيادة الوعي بمخاطر الأمن السيبراني من خلال تنظيم ورش عمل ومحاضرات عديدة تفاعلية وتقديم منصة لعرض التهديدات المتطورة مثل الهجمات السيبرانية المستهدفة، البرمجيات الخبيثة، والتهديدات المتنقلة التي تطال البيانات الحساسة وطرحه ايضا لأفضل الممارسات وسبل الوقاية من الهجمات مما أسهم في رفع مستوى الوعي لدى المؤسسات والأفراد.
· تعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص : ساهم المؤتمر في تعزيز التعاون بين المؤسسات الحكومية والشركات الخاصة، حيث قدم فرصة للتفاعل وتبادل الخبرات بين أصحاب المصلحة الرئيسيين في مجال الأمن السيبراني وتحسين قدرة المؤسسات على التصدي للتهديدات الإلكترونية المتزايدة.
· إطلاق المبادرات التعليمية : أطلق المؤتمرعديد من المبادرات التي تهدف إلى تحسين مهارات العاملين في هذا المجال، وقدم مجموعة من البرامج التدريبية للمتخصصين في الأمن السيبراني مما ساعد على تأهيل الكوادر البشرية لصد التهديدات المتطورة وطرح نقاشات لتعزيزالتعاون مع الجامعات والمؤسسات التعليمية فى المناهج المتعلقة بالأمن السيبراني.
· استعراض التوجهات المستقبلية : شهد المؤتمر مناقشات موسعة حول التوجهات المستقبلية في مجال الأمن السيبراني بما في ذلك تطبيقات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي في التصدي للتهديدات الإلكترونية ، وتكامل التقنيات الحديثة للأمان المعلوماتي مع الأنظمة الحالية لتوفير طبقات حماية متعددة للمؤسسات.
· الحلول التقنية المبتكرة : كانت إحدى النتائج الرئيسية للمؤتمر هي التعريف بالحلول التقنية المبتكرة التي تقدمها الشركات الرائدة في صناعة الأمن السيبراني واستعراض أحدث تقنياتها للكشف عن الهجمات الإلكترونية والتصدي لها.
· التفاعل مع الجهات الرقابية والتشريعية : تُعد التشريعات المتعلقة بالأمن السيبراني أحد القضايا المحورية التي تم مناقشتها في دورات المؤتمر السابقة ، وأسهم في تعزيز التعاون بين الهيئات التنظيمية والمشغلين الفنيين لوضع معايير عالمية للأمن السيبراني.
· تقارير بحثية ودراسات حالة : تم عرض تقارير بحثية ودراسات حالة تتعلق بأحدث أساليب الهجوم وكيفية التصدي لها والتى كانت بمثابة ضوء للمؤسسات لفهم التهديدات التي تواجهها، وتزويدهم بالمعرفة اللازمة لتطوير استراتيجيات فعّالة للمواجهة .
· مشاركة خبراء عالميين : استقطب المؤتمرالعديد من الخبراء عالميين في مجال الأمن السيبراني والذين قدموا رؤى فريدة حول التحديات التي يواجهها الأفراد والشركات وساعدت في إثراء المحتوى العلمي للمؤتمر وأثرت في تقديم حلول واقعية لمشاكل الأمن السيبراني.
نتطرق ثانيا لسؤال هام يشغل راى الكثيرين من المهتمين بمجالات الامن السيبرانى فى قطاعات عديدة من المجتمع المصرى والعربى وهو :
ماذا يحمل مؤتمر CAISEC’25 من دلالات ورسائل مهمة لهم هذا العام ؟
لايمكن ان نعتبر المؤتمر هذا العام انه مجرد فقط فعالية تقنية بل هو مؤشر استراتيجي على نضوج الرؤية المصرية والعربية تجاه ملف الأمن السيبراني، وتحوله إلى منصة هامة واساسية تجمع بين صانعي القرار والخبراء والأكاديميين ، وتاكيد منه على ان السيادة الرقمية باتت أولوية وطنية فى جميع البلدان .
ونلخص فى النقاط التالية عدد من الدلالات الهامة لمؤتمر هذا العام :
· تزايد اهمية الأمن السيبراني في مصر والعالم العربي : تأتي النسخة الرابعة من مؤتمر ومعرض CAISEC’25 كحدث استثنائي في توقيت بالغ الحساسية، حيث تتسارع التهديدات السيبرانية وتزداد تعقيدًا في ظل التحول الرقمي الشامل الذي تشهده الحكومات والقطاعات الحيوية في العالم العربي. ما يميز هذا الحدث هو دوره المتنامي عاما بعد عام كمحفّز للأمن السيبراني في المنطقة.
· دلالات سياسية واستراتيجية : الرعاية الرسمية من قبل رئاسة مجلس الوزراء ، ودعم أكثر من عشر وزارات وهيئات سيادية ومصرفية للمؤتمر يؤكد على تحول الأمن السيبراني من مجرد شأن تقني إلى قضية أمن قومي تتصدر أولويات الدولة المصرية. كما ان تواجد مجالس الأمن السيبراني في ثماني دول عربية يعكس الرغبة في بلورة موقف إقليمي موحّد لمواجهة التحديات السيبرانية.
· منصة إقليمية لصياغة السياسات: تحول الحدث من مجرد معرض إلى منتدى لصياغة السياسات السيبرانية العربية ومع إطلاق الاستراتيجية العربية للأمن السيبراني في دورته السابقة، وحضور ممثلين من 15 دولة، فانه اصبح بذلك يعزز موقع مصر ومكانتها الاقليمية في بناء منظومة سيبرانية موحدة وآمنة.
· رؤية واضحة ومحددة : التحالف بين الحكومة والقطاع الخاص في دعم المؤتمر، ممثلًا في رعاية أكثر من 40 جهة وشركة من كبرى الكيانات العالمية مثل Dell، Cisco، Fortinet، وCIB، يُظهر الاهمية المتزايدة بدمج الأمن السيبراني في صلب الاستراتيجية الاقتصادية والتكنولوجية في القطاعات الهامة مثل البنوك، الطاقة، والبنية التحتية.
ثم ناتى ثالثا وأخيرا الى السؤال الاكثر أهمية فى هذا المقال التحليلى : ماالذى ينتظره مجتمع الأعمال والتكنولوجيا من دورة هذا العام CAISEC’25 ؟
فى الحقيقة ومع انعقاد النسخة الرابعة من CAISEC فان مجتمع الأعمال والاقتصاد والتكنولوجيا يترقب وباهتمام كبير أن يتحول حدث هذا العام - والذى تنطلق فعالياته اليوم بالقاهرة إلى منصة تنفيذية تطرح حلولًا ملموسة وتُترجمها إلى سياسات داعمة وقرارات فاعلة وذلك فى اطار مجموعة من المطالب التى نذكرها فيما يلى :
· قوانين مرنة ومحفزة : من خلال سن تشريعات حديثة لحماية البيانات تتماشى مع المعايير الأوروبية ، ولكن تتوائم مع البيئة المحلية بالمنطقة العربية ، هذا بالاضافة الى إعفاءات ضريبية أو تسهيلات للشركات التي تعتمد حلولًا سيبرانية متقدمة.
· منظومة إنذار مبكر واستجابة رقمية سريعة : من خلال تأسيس مركز وطني مشترك (حكومي–خاص) للاستجابة الفورية للهجمات السيبرانية الكبرى. وربط هذا المركز بمراكز الأمن السيبراني في الدول العربية لتكوين دفاع مشترك إلكتروني.
· تنمية رأس المال البشري السيبراني : بإطلاق "المبادرة القومية لإعداد مليون متخصص في الأمن السيبراني" خلال 5 سنوات، ودعم الجامعات والمعاهد لإنشاء كليات متخصصة في الأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي.
· دعم الشركات الناشئة والمبدعين المحليين : من خلال تمويل الابتكارات في مجال حماية البنية التحتية الحيوية، مثل الطاقة، والنقل، والقطاع المالي ، وتقديم منح حكومية وتسهيلات تمويلية للشركات المصرية والعربية الناشئة في مجال الأمن السيبراني.
· شراكات دولية لنقل المعرفة : من خلال دعوة الشركات العالمية إلى إنشاء مراكز بحث وتطوير إقليمية داخل مصر والمنطقة العربية ، وتوقيع اتفاقيات نقل تكنولوجيا حقيقية تتجاوز مجرد بيع المنتجات إلى التمكين المعرفي وتوطين التكنولوجيا .
· اطلاق مؤشر الأمن السيبراني العربي : ويتضمن 5 معايير: الجاهزية المؤسسية، التدريب، حماية البنية الحرجة، التعاون الإقليمي، واستجابة الحوادث ، وهذا المؤشر يجب ان يصدر سنويًا تحت إشراف جامعة الدول العربية ومنظمة الاتصالات العربية.
"فى الختام نقول انه من خلال دوراته الثلاث الماضية، أثبت مؤتمر CAISEC أنه منصة حيوية لبحث ومناقشة قضايا الأمن السيبراني المعقدة. وقد تمكّن المؤتمر من تحقيق نجاحات بارزة في مجالات التوعية، التعاون بين القطاعين العام والخاص، والتعليم التقني، إلى جانب تقديم الحلول المبتكرة والتفاعل مع القضايا التشريعية . ومع انعقاد النسخة الرابعة هذا العام تتجه الأنظار نحو CAISEC لتقديم حلول عملية وإجراءات ملموسة تواكب التطورات المتسارعة في عالم الأمن السيبراني . وهناك عدد من الرسائل المستخلصة لمؤتمر هذا العام تتمثل فى ان مصر تسعى إلى أن تكون مركزًا إقليميًا للأمن السيبراني ،و ان التهديدات الرقمية أصبحت ذات أولوية وطنية ، وان القطاع الخاص شريك أساسي في الأمن القومي الرقمي . إ ن تطلعات مجتمع الأعمال والتكنولوجيا هذا العام من CAISEC’25 تتجاوز مجرد النقاشات النظرية لتصبح دعوة واضحة نحو التنفيذ الفعلي والمستدام لرؤية إقليمية للأمن السيبراني. ويتطلب النجاح في تلبية هذه التطلعات فقط إرادة سياسية وتعاونًا وثيقًا بين القطاعين العام والخاص واستثمارًا حقيقيًا في الكفاءات والابتكار. وإذا ما تحققت هذه المطالب فإن CAISEC لن يكون مجرد مؤتمر سنوي، بل سيغدو منصة استراتيجية تصنع المستقبل الرقمي الآمن لمصر والمنطقة العربية بأسرها"