أكبر متحف أثري في العالم يضم 5000 قطعة من كنز لتوت عنخ آمون يجتمعون لأول مرة

  • بقلم: لطيفة زناينة

    مستشارة استراتيجية الذكاء الاصطناعي والابتكار في الفنادق الفاخرة ومحللة بيانات السياحة الدولية - مكتب الاستشارات إيليت كونسالتينغ، باريس

     

    المتحف المصري الكبير: ملحمة 23 عاماً بين الحلم والحقيقة

    رغم تأجيل الحكومة المصرية للاحتفالية العلامية لافتتاح المتحف المصرى ، والذى كان يفترض فى يوليو 2025 ، هذا التاريخ في التاريخ كتحقيق لحلم فرعوني معاصر. بعد 23 عاماً من البناء الملحمي المليء بالعقبات، يفتح المتحف المصري الكبير أبوابه أخيراً، كاشفاً للعالم أكبر مجمع أثري تم تشييده لحضارة واحدة.

    جرأة الحلم: 2002-2005

    بدأ كل شيء في يناير 2002، عندما وضع الرئيس حسني مبارك رمزياً حجر الأساس الأول لمشروع ثوري. الطموح؟ إنشاء إطار يليق بالكنوز الفرعونية، على بعد كيلومترين فقط من أهرامات الجيزة. أطلقت الحكومة المصرية حينها ثاني أكبر مسابقة معمارية في التاريخ: تدفقت 1557 مشاركة من 82 دولة، شاهدة على السحر العالمي لهذا التحدي الجبار.

    مكتب صغير أيرلندي، هينيغان بينغ المعماريون، هو الذي فاز بهذا الماراثون الإبداعي أمام عمالقة العمارة العالمية. رؤيتهم؟ مبنى مثلثي شفاف بمساحة 500 ألف متر مربع - ما يعادل 70 ملعب كرة قدم - واجهته من الألباستر تتحاور مع الأهرامات الألفية. ثمن هذا النصر: 250 ألف دولار ومسؤولية تحويل حلم بقيمة 1.1 مليار دولار إلى حقيقة.

    الأسس الأولى: 2005-2011

    في عام 2005، بدأت الحفارات رقصتها على هضبة الجيزة. تم تقديم أكثر من 5000 مخطط لوزارة الثقافة المصرية، مفصلة كل سنتيمتر مما سيصبح أكبر متحف أثري في العالم. ساد التفاؤل: كان الافتتاح مقرراً لعام 2013.

    لكن التاريخ قرر خلاف ذلك. في عام 2007، دق جرس إنذار أول عندما اضطرت مصر لطلب قرض بقيمة 300 مليون دولار من البنك الياباني للتعاون الدولي. التزمت الحكومة المصرية بالمشاركة في التمويل بمبلغ 147 مليون دولار، بينما سيتم تغطية الباقي من خلال التبرعات الدولية.

    شكل عام 2011 نقطة تحول دراماتيكية. اجتاح الربيع العربي مصر، ومعه توقف مفاجئ للأعمال. لمدة ثلاث سنوات من عدم الاستقرار السياسي، غرق الموقع في الصمت، وقفت رافعاته الثابتة كحراس متجمدين أمام الأهرامات الأبدية.

    النهضة والتحديات: 2014-2020

    عام 2014 يبشر بالنهضة. مع استقرار النظام، استؤنفت الأعمال بدافع من شراكة مبتكرة بين القطاعين العام والخاص. مجموعة بيسيكس (بلجيكا) وأوراسكوم للإنشاءات (مصر) حصلتا على العقد الفرعوني بقيمة 810 مليون دولار للمرحلة الثالثة، مما رفع إجمالي الاستثمار إلى 1.1 مليار دولار.

     

    لحظة رمزية تميز هذه الفترة: في يناير 2018، تمكن تمثال رمسيس الثاني الضخم، الذي يزن 83 طناً ويبلغ عمره 3200 عام، من دخوله المنتصر إلى ردهة المتحف الذي لا يزال قيد الإنشاء. أول قطعة أثرية يتم تركيبها، أصبحت هذه التحفة من الجرانيت الأحمر الحارس الصامت للموقع، شاهدة على التحول التدريجي للمكان.

    لكن المحن لم تتوقف. في أبريل 2018، اندلع حريق غامض بالقرب من المدخل، مما أحيا المخاوف دون الإضرار بالمجموعات لحسن الحظ. ثم في عام 2020، فرضت جائحة كوفيد-19 تأخيرات جديدة، مؤجلة مرة أخرى الافتتاح المنتظر بفارغ الصبر.

    تتويج الرؤية: 2021-2025

    شهدت سنوات 2021-2024 التسارع النهائي. بدأت أكثر من 100 ألف قطعة أثرية رحلتها من متاحف القاهرة والأقصر والمنيا والإسكندرية إلى ملاذها الجديد. تنظمت لوجستيات تستحق نقل فرعوني: كل قطعة تم رقمنتها وتوثيقها وحمايتها.

    شكل 16 أكتوبر 2024 العرض الأول المنتظر بفارغ الصبر. 60% من المتحف فتح أبوابه أخيراً للجمهور، كاشفاً عن القاعة الكبرى والدرج الضخم المحاط بالتماثيل الضخمة و12 قاعة تتتبع 5000 سنة من التاريخ المصري. اكتشف الزوار، مندهشين، أرضيات مصقولة كالمرايا ومراحيض نظيفة ومطاعم بانورامية تطل على الأهرامات - رفاهية نادرة في المؤسسات القاهرية.

    كنز توت عنخ آمون: الكشف الأخير

    ستحدث الذروة في 3 يوليو 2025 مع الافتتاح الرسمي. لأول مرة في التاريخ، ستجتمع 5000 كنز لتوت عنخ آمون في مكان واحد، كثير منها لم يُعرض على الجمهور من قبل. القناع الذهبي الأسطوري والعربات الملكية والمجوهرات الفاخرة والأثاث الجنائزي ستترك نهائياً المتحف المصري القديم بالقاهرة للانضمام إلى قاعاتها المخصصة، المكيفة والمؤمنة وفقاً لأعلى المعايير الدولية.

    إنجاز تقني ومعماري

    وراء هذه الملحمة التي استمرت 23 عاماً يكمن إنجاز تقني رائع. الواجهة الشفافة من الألباستر، المكونة من آلاف المثلثات بأحجام مختلفة، تنقي ضوء الصحراء بشكل طبيعي. الدرج الضخم المكون من أربعة طوابق يعمل كمعرض عمودي، خالقاً حواراً دائماً بين الأعمال والعمارة.

    التكنولوجيا ليست متخلفة: الواقع الافتراضي، إعادة البناء ثلاثي الأبعاد، الأدلة الرقمية المتاحة عبر رموز QR تحول الزيارة إلى رحلة غامرة. مركز مؤتمرات ومتحف للأطفال وورش ترميم تكمل هذا النظام البيئي الثقافي الفريد.

    تحدي التمويل: 1.1 مليار دولار

    هذا الإنجاز الاستثنائي كلف 1.1 مليار دولار، مما يجعل من المتحف المصري الكبير أحد أغلى المشاريع الثقافية في التاريخ الحديث. التمويل، لغز دولي حقيقي، يوضح البعد العالمي للمشروع:810 مليون دولار للبناء (بيسيكس-أوراسكوم) ، 300 مليون دولار قرض ياباني ، 147 مليون دولار من الحكومة المصرية

    تراث ملحمة

    وراء الأرقام والتحديات، يجسد المتحف المصري الكبير إصرار رؤية. من حسني مبارك إلى عبد الفتاح السيسي، ثلاثة رؤساء حملوا هذا الحلم. آلاف العمال والمهندسين والمعماريين والمحافظين كرسوا جزءاً من حياتهم لهذا العمل الجماعي.

    مع 5 ملايين زائر متوقع سنوياً، يستعد المتحف المصري الكبير لثورة في السياحة الثقافية العالمية. أكثر من متحف، يصبح رمزاً لمصر الحديثة، قادرة على الحفاظ على تراثها الألفي مع احتضان الابتكار التكنولوجي.

    عندما تضيء أشعة الشمس الأولى في 3 يوليو 2025 واجهة الألباستر، ستكشف أكثر من مبنى: تتويج ملحمة إنسانية استثنائية، حيث انتصر الشغف بالتاريخ على جميع العقبات.

    التأثير التحويلي: مصر تعيد تعريف السياحة الثقافية العالمية

    هذا الافتتاح التاريخي يمثل أكثر من مجرد حدث ثقافي: يعيد وضع مصر في قلب الاقتصاد السياحي الدولي. مع 15.7 مليون زائر في 2024 (+21% مقارنة بالمستوى قبل الجائحة), تُظهر بلاد الفراعنة مرونتها الاستثنائية أمام الاضطرابات الجيوسياسية الإقليمية.

    تذكرة الدخول بقيمة 24 دولاراً (1200 جنيه مصري) تضع المتحف المصري الكبير استراتيجياً في الشريحة المتميزة، منافسة المؤسسات العالمية الكبرى. هذا التسعير يعكس إرادة مؤكدة لتقدير التراث المصري بقيمته الحقيقية، بعيداً عن السياحة الجماهيرية التقليدية.

    الثورة الرقمية: عندما يلتقي الذكاء الاصطناعي بالفراعنة

    الابتكار التكنولوجي يشكل الحمض النووي للمجمع الجديد. الواقع المعزز وإعادة البناء ثلاثي الأبعاد والأدلة الرقمية الذكية تحول كل زيارة إلى رحلة زمنية شخصية. هذا النهج "الفيزيقي-الرقمي" ينذر بمستقبل المؤسسات الثقافية العالمية، حيث تتغذى المشاعر الإنسانية على الذكاء الاصطناعي.

    الخطوة الثورية القادمة: الدمج المخطط لأفاتار الذكاء الاصطناعي متعددة اللغات قادرة على التحدث مع الزوار بلغتهم الأم، خالقة تجربة غامرة لا مثيل لها في العالم.

    آفاق 2025-2030: نحو الهدف الفرعوني

    الطموح المصري لا يتوقف عند هذا الافتتاح. هدف 30 مليون زائر سنوياً بحلول 2028 سيتطلب ارتقاء مستمراً بالعرض السياحي. يصبح المتحف المصري الكبير بالتالي محفزاً لتحول نظامي، جاذباً للاستثمارات الدولية ومحفزاً للابتكار في كامل النظام البيئي.

    الرهان مطروح: جعل مصر الوجهة الثقافية المتميزة المرجعية عالمياً، حيث تندمج التكنولوجيا المتطورة والتراث الألفي لخلق تجارب لا تُنسى.

    في القاهرة، المدينة ذات الألف وجه حيث تتجاور القصور خمس نجوم فقط مع النصب الأبدية، يستعد المتحف المصري الكبير ليصبح عجيبة العالم الجديدة، بعد 4600 سنة من تشييد هرم خوفو.

    حمّل تطبيق Alamrakamy| عالم رقمي الآن