بقلم : نضال أبوزكي
مدير عام "مجموعة أورينت بلانيت"
يدخل العالم مرحلة جديدة من مراحل تنويع مصادر الدخل من الصناعات الفضائية خلال القرن الحالي. فخلال السنوات الأخيرة شهد العالم دخول بعض الدول إلى الفضاء من أوسع أبوابه، الأمر الذي أحدث نقلة نوعية في هذا القطاع وأسهم في زيادة الأنشطة الاقتصادية والإنتاجية المستندة إلى المعرفة العلمية. وتستقطب الاستثمارات في الفضاء اهتمام العديد من الدول المتقدمة لأهمية ذلك على الصعد البحثية والاستراتيجية والتجارية، مما دفع تلك الدول للاهتمام في دور الاستثمار في الفضاء من أجل تعزيز صورتها، إضافة إلى تطوير العلم والتكنولوجيا ودعم الصناعات المحلية.
وتعد دولة الإمارات أول دولة عربية تستكشف الفضاء واضعة بصمتها المميزة إلى جانب أكبر دول العالم، فدخلت بذلك خط المنافسة إلى جانب كل من أمريكا وروسيا والصين وأستراليا. وعملت الدولة على سن قانون الفضاء الذي فتح المجال أمام القطاع الخاص للاستثمار في صناعة الفضاء الإماراتية. كما أعدت استراتيجية متكاملة خاصة بالاستثمار في القطاع الفضائي تضع الأطر والخطوط العريضة والإرشادات اللازمة لتعزيز الاستثمار في قطاع الفضاء سواء على الصعيد المحلي أو العالمي. ويتوقع لهذه الاستراتيجية أن تسهم في تعزيز إسهام قطاع الفضاء في بناء اقتصاد وطني تنافسي قائم على المعرفة
والابتكار والتطبيقات التكنولوجية المستقبلية.
كما اعتمدت دولة الإمارات "الخطة الوطنية لتعزيز الاستثمار الفضائي" التي ستسهم في تحول الإمارات إلى مركز إقليمي ودولي لصناعات الفضاء، وبالتالي تحقيق مستهدفات "رؤية الإمارات 2021"، و"مئوية الإمارات 2071"، الرامية إلى أن تكون دولة الإمارات أفضل دول العالم في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.
وتوقع خبراء اقتصاديون وأكاديميون أن يكون إقبال شركات القطاع الخاص في دولة الإمارات واسعاً خلال الفترة المقبلة، في ظل تنامي صناعة الفضاء محلياً وعالمياً، خاصة أن التوقعات تشير إلى أن قطاع الفضاء الدولي يشهد نمواً بمعدل 8% سنوياً. كما أن حجم هذه الصناعة عالمياً يقدر بـ 300 مليار دولار سنوياً.
وارتفع إجمالي الاستثمارات الإماراتية في قطاع الفضاء من 20 مليار درهم خلال العام 2015 ليبلغ أكثر من 22 مليار درهم حتى النصف الأول من العام الماضي. وتعد الصناعات الفضائية خاصة الأقمار الصناعية وخدماتها من أهم المحركات الأساسية لرفع معدل النمو الاقتصادي في هذا المجال في دولة الإمارات.
ووفقاً لمركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، فإن اقتصادات الفضاء تلعب دوراً متزايداً في ازدهار وتنشيط المجتمعات الحديثة، وتؤثر على نموها الاقتصادي وتطورها الاستراتيجي بفضل الاستخدام المكثف لتكنولوجيا الفضاء، خاصةً الأقمار الصناعية في مجالات الملاحة الجوية والبحرية والاتصالات واستكشاف الموارد الأرضية والاستشعار عن بعد ومتابعة الأحوال الجوية. كما تؤثر تكنولوجيا الفضاء في مجالات التخطيط الزراعي وإدارة الكوارث والأزمات ومراقبة الأرض وحركة النقل والتخطيط العمراني الحضري، وهو ما يجعل من كل هذه الأنشطة مُحركاً للنمو الاقتصادي، فضلاً عن توفير العديد من الوظائف في جميع مراحل الإنتاج الخاصة بالمعدات الفضائية.
ونتيجة للسباق المحموم بين بلدان العالم نحو الفضاء، أضحى الاستثمار في هذا القطاع نقطة جذب للمستثمرين الباحثين عن مستقبل جديد، من شأنه أن يقود إلى ابتكارات واكتشافات متقدمة وتحفيز الاقتصاد. وتتجه أنظار المستثمرين في الوقت الحالي إلى الفضاء باعتباره عاملاً مهماً في كسب الثروات وتنمية الاقتصاد وانتعاشه. ففي عام 2018 أعلنت شركة "فيرجن غالاكتيك"، عزمها على إطلاق رحلات سياحية إلى الفضاء بحلول العام 2020 مقابل سعر سيكون باهظاً، حيث سيصل ثمن التذكرة إلى 250 ألف دولار أمريكي. وبحسب صحيفة "ديلي ميل" البريطانية فإن مؤسس الشركة ريتشارد برانسون، وقع عقداً مع جهات إيطالية لإقامة منشأة فضائية بمدينة غروتاغلي جنوب البلاد. ومن المؤكد أن هذا النوع من الاستثمار سيدفع المزيد من الشركات والمستثمرين إلى التفكير بجدية بضرورة تركيز أعمالهم في الأعوام المقبلة على قطاع الفضاء.
في المقابل، ذكرت شركة سبيس إكس المتخصصة في تكنولوجيا رحلات الفضاء والمملوكة للملياردير إيلون ماسك، أنها وقعت عقداً مع أول مسافر خاص في العالم للطيران حول القمر، على متن مركبة الإطلاق بي.إف.آر (بيغ فالكون روكيت)، التي لا تزال في مرحلة التطوير ولن يتسنى لها الإقلاع قبل سنوات عدة. وتراهن سبيس إكس على السياحة الفضائية مثل فيرجن غالاكتيك، التي عددت من تجارب مركبتها "سبيس شيب2 في أس أس يونيتي"، التي يتم إطلاقها بواسطة طائرة.
وذكر تقرير لموقع "ستاتيستا Statista" المتخصص في إحصاءات الاقتصاد العالمي وتقنية المعلومات أن مقدار الاستثمار في صناعة الفضاء خلال الفترة من العام 2000 إلى العام 2017 بلغ نحو 359.4 مليار دولار، فيما وصلت قيمة استثمار القطاع الخاص فى صناعة الفضاء لنحو 13.9 مليار دولار.
ويضم مجال صناعة الفضاء جوانب عدة منها الاستكشاف الفضائي والصناعات المستوحاة أو المستخدمة لتكنولوجيا الفضاء والسياحة الفضائية. ولعل شعار القرن الحادي والعشرين هو استثمار الفضاء تجارياً، حيث وفر هذا القطاع حيزاً جديداً لإيجاد أفكار جديدة تتيح فرصاً متعددة لإنشاء أعمال وشركات ناشئة في القطاع الخاص.