بقلم : احمد عسيري
استراتيجي الابحاث في Pepperstone
أنهت وول ستريت جلسة الأمس على مكاسب واضحة ، لتؤكد أن الزخم ما زال في يد الثيران رغم الضبابية السياسية المتزايدة. ارتفع ستاندرد آند بورز 500 بنسبة 0.4% ، فيما صعد ناسداك 100 بنحو 0.3%. الأهم أن الربع الثالث أُغلق بأداء قوي ، المؤشر الأوسع نطاقاً سجل مكاسب بلغت 7.5%، وهي ثاني زيادة فصلية متتالية، ليصبح مرتفعاً بنحو 13% منذ بداية العام. أما ناسداك 100 فقد أضاف 8.8% في الربع الثالث، ليكون أيضاً ثاني ربع متتالي من المكاسب ، رافعاً أداءه منذ بداية العام إلى 17%. باختصار، من يراهن ضد السوق في هذه المرحلة يحتاج إلى شجاعة استثنائية ، فالمعنويات داعمة ، والنمو لا يزال صلب ، والأرباح أظهرت صمود، والسياسة النقدية تتحرك ببطء نحو التيسير.
لكن خلف هذه الصورة الإيجابية تختبئ طبقة من القلق. البيانات الاقتصادية الأخيرة جاءت مختلطة، حيث أظهر تقرير JOLTS لفرص العمل في أغسطس ارتفاعاً إلى 7.227 مليون وظيفة مقابل توقعات بـ7.20 مليون، في حين تراجعت ثقة المستهلك إلى 94.2 مقارنة مع 96 متوقعة و97.4 في القراءة السابقة. هذه الأرقام تمثل آخر بيانات رسمية لسوق العمل قبل أن تدخل الولايات المتحدة في حالة صمت إحصائي بسبب الإغلاق الحكومي.
ملف الإغلاق هو المحرك الآن. فشل مجلس الشيوخ في تمرير مشروع التمويل المؤقت، ومع توقف حكومي شامل حيث دخل الاغلاق حيز التنفيذ. هذا السيناريو يعني تعليق عمل مئات الآلاف من الموظفين، وتأجيل إصدار بيانات مركزية مثل تقرير الوظائف غير الزراعية (NFP) وتقرير التضخم(CPI)، وهما الأكثر تأثيراً على توقعات الفائدة. غياب هذه البيانات يترك الأسواق بلا بوصلة ، خصوصاً في مرحلة دقيقة من دورة السياسة النقدية.
من المهم التذكير بأن الولايات المتحدة شهدت إغلاقات عديدة في العقود الماضية. في عام 2013، توقف النشاط الحكومي 16 يوماً بسبب تمويل قانون الرعاية الصحية. أما الإغلاق الأطول فكان بين ديسمبر 2018 ويناير 2019 واستمر 35 يوماً، نتيجة خلاف حول تمويل الجدار الحدودي مع المكسيك. آنذاك، قدّر مكتب الميزانية في الكونغرس خسائر الناتج المحلي الإجمالي بحوالي 11 مليار دولار. ومع أن الأسواق عادة ما تتراجع قبل وأثناء الإغلاق ، فإنها تميل إلى التعافي السريع بعد استئناف التمويل. في 2019، الرئيس ترامب اتجه الى الحل المؤقت حين وافق على تمويل قصير الأجل لا يتضمن تمويل الجدار، ما يثير التساؤل: هل نحن على أبوابTACO moment جديدة ؟
ردة فعل الأسواق حتى الآن تتسم بالحذر نوع ما بسبب عدم الوضوع. عوائد الخزانة الأميركية شهدت تحركات محدودة مع ميل للانخفاض الطفيف ، في إشارة إلى بحث المستثمرين عن الأمان في المدى القريب. الدولار بقي مستقر ضمن نطاق ضيق، حيث لم ينجح في كسر أي مستويات دعم أو مقاومة مهمة. الذهب واصل الاستفادة من هذا المناخ، بتسجيل قمه جديدة في التداولات الصباحية قرب 3880 دولاراً للأونصة. الذهب تحوّل إلى مكوّن استراتيجي في المحافظ الاستثمارية مع ازدياد الاهتمام به كأصل منخفض الارتباط بالأسهم والسندات. النفط بدوره انخفض الى 66 دولار بسبب انباء ع اعتزام اوبك بلس رفع الانتاج بمقدار نصف مليون برميل خلال الفترة القادمة حتى وإن ظل الطلب العالمي عامل مقيد. الفضة سجلت قمة تاريخية في تداولات اليوم متجاوزة مستويات عام 2011 وهو ما يجذب انتباه المتداولين ولكن اعتقد ان مخاطر البيع على المكشوف مرتفعة جدا في هذه البيئة الداعمة للقطاع كلل.
قد تشير إلى أن المشهد سيبقى متقلب خلال الأيام المقبلة. الان تم الدخول في الاقفال للحكومة الأميركية. اليوم تحمل الأجندة بيانات مؤشر أسعار المستهلكين في منطقة اليورو، إلى جانب تقرير التوظيف ADP في الولايات المتحدة ومؤشر ISM الصناعي، وهي مؤشرات ستصبح أكثر أهمية بسببتوقف البيانات الرسمية بسبب الإغلاق.
الخلاصة أن الأسواق تجد نفسها على حافة مفترق طرق. من جهة، الأداء التاريخي في الربع الثالث والارتفاعات الكبيرة منذ بداية العام يعكسان زخم المشترين وسيطرتهم على المزاج العام. ومن جهة أخرى، السياسة المالية الأميركية تتجه الى إرباك الأسواق عبر إغلاق حكومي يوقف تدفق البيانات ويترك الفيدرالي والمستثمرين بلا إشارات واضحة وخصوصا اذا استمر لفترة طويلة ابعد من الاسبوع الحالي. الذهب يواصل لعب دور البوصلة في هذه البيئة ، بينما تبقى الأسهم محكومة بميزان هش بين قوة النمو والنتائج من جانب، وضغوط التضخم والمخاطر السياسية من جانب آخر.