كتب : محمد الخولي
تتجه الشركات الأميركية والعالمية لإعادة تشكيل عميقة في طريقة عملها، مع دخول الذكاء الاصطناعي بقوة إلى قلب العمليات اليومية، ما دفع إدارات «تكنولوجيا المعلومات» و«الموارد البشرية» إلى تقارب غير مسبوق لإدارة الاضطرابات في بيئات العمل وتهدئة مخاوف الموظفين من موجة التحول.
فبينما بات كبار التنفيذيين يقرّون صراحة بأن الذكاء الاصطناعي يمحو فعلياً وظائف في قطاعات «الياقات البيضاء»، تستعد الشركات لمرحلة يعمل فيها الموظفون جنباً إلى جنب مع «وكلاء رقميين» قادرين على أداء مهام كاملة بالنيابة عن البشر. هذا التحول التقني بات ثقافياً بالدرجة ذاتها، إذ تجد المؤسسات نفسها أمام ضرورة إعادة تنظيم السلاسل الإدارية وتحديث تصورات العاملين عن موقعهم ودورهم المستقبلي.
شركة «سيسكو» (Cisco) تجمع اليوم بين فرق تكنولوجيا المعلومات والموارد البشرية لدراسة شكل القوى العاملة في وجود «طاقم افتراضي من كيانات الذكاء الاصطناعي» يرافق نحو 86,200 موظف.
ويقول كبير مسؤولي المعلومات فليتشر بريڤن إن المرحلة المقبلة تفرض تساؤلات جوهرية حول ما إذا كانت سلسلة القيادة التقليدية ما تزال تعمل في بيئة يتشارك فيها البشر المهام مع وكلاء رقميين.
وفي «إنديد» (Indeed)، يقود مكتب التحول—تحت إشراف نائبة رئيس الذكاء الاصطناعي هانا كالهون—عملية تحديد حالات الاستخدام قبل إحالتها لفِرَق الموارد البشرية المتخصصة بالتدريب والتطوير لتعميم التطبيق على أكثر من 10,000 موظف.
أما داخل «مايكروسوفت»، فتتولى كايتي جورج قيادة فريق التحول في القوى العاملة، في إطار هيكل يرتبط مباشرة بمكتب الرئيس التنفيذي ساتيا ناديلا، لإدارة تأثير الذكاء الاصطناعي على 228,000 موظف بالتنسيق مع إدارات التقنية والموارد البشرية.
المشهد لا يقتصر على التدريب وإعادة الهيكلة، إذ سجّل عام 2025 موجة واسعة من التسريحات المرتبطة بإعادة تصميم العمليات حول الذكاء الاصطناعي. «مايكروسوفت» أعلنت في يوليو عن الاستغناء عن 9,000 موظف، بعد حذف 6,000 وظيفة في مايو ضمن فرق المنتجات والتطوير.
وفي (PwC)، تستعد الشركة لتقليص نحو 150 وظيفة في التسويق والموارد البشرية والعمليات. أما على مستوى السوق الأميركية ككل، فأعلنت الشركات في أكتوبر عن إلغاء 153,074 وظيفة، أي ما يناهز ثلاثة أضعاف رقم سبتمبر البالغ 54,064 وظيفة، وفق بيانات (Challenger, Gray & Christmas)، وسط تأكيد الشركات أن جزءاً كبيراً من عمليات الخفض مرتبط بإعادة تقييم التكاليف في ظل توسع تطبيقات الذكاء الاصطناعي.
داخل شركة (Netskope) للأمن السحابي، يقول المدير التنفيذي للمعلومات مايك أندرسون إنه في نقاشات مستمرة مع رئيسة شؤون الموظفين باتسي غيلمور لإقناع العاملين بأن وكيل الذكاء الاصطناعي «زميل» يساعد على رفع الإنتاجية وليس بديلًاً يهدد الوظيفة. هذا الاتجاه تؤيده بيانات (IDC) التي تتوقع أن 40% من وظائف Global 2000 ستتطلب التعامل المباشر مع وكلاء ذكاء اصطناعي بحلول العام المقبل، فيما قد تتراجع إنتاجية القوى العاملة بنسبة تصل إلى 15% بحلول 2027 نتيجة ما تسميه الشركة «الإرهاق الناتج عن الذكاء الاصطناعي».
وفي (Moody’s)، التي تضم 16,000 موظف، أطلقت مديرة شؤون الموظفين مارال كازانجيان فريق «تمكين القوى العاملة بالذكاء الاصطناعي» ليضمن أن جميع العاملين يملك وقتاً للتجربة واكتساب مهارات استخدام أداة Moody’s Copilot. ويختصر الشعار المثبّت على حاسوب كازانجيان فلسفة المرحلة: «الذكاء الاصطناعي هو الأداة.. والناس هم القوة».








