بقلم : فريد شوقي
في خضم الضجة العالمية حول النتائج المحتملة لدخولنا ثورة من نوع جديد، والتى يطلق عليها الثورة الصناعية الرابعة، تقودها تقنيات الذكاء الاصطناعي المتقدمة " Artificial intelligence " والروبوتات " Robots " ، فإن الحديث عن بناء العقل البشري بات واحدا من أهم القضايا المثارة على العديد من الأصعدة والمجالات خاصة تطوير منظومة التعليم قبل الجامعي وتأهيل أطفالنا .
وفي الحقيقة قرأت مؤخرا مقالا لسوزان دينارسكي ـ أستاذة التعليم والسياسة العامة والاقتصاد في جامعة ميشيجان في صحيفة نيويورك تايمز ، والتي تناولت وجهة نظر تستحق الإشارة إليها للوقوف على مدي استعدادنا على المستوي المحلي خاصة ونحن قد بدأنا بالفعل في تطبيق منظومة لرقمنة العملية التعليمية .
في البداية تسأؤلات الباحثة عمن له الأفضلية في اختيار سبل تقييم أطفالنا في المستقبل؟ هل تفضل أن يقيّم طفلك إنسان أم برنامج حاسوب؟ قبل أن تجيب «الإنسان طبعًا» لمجرد أنك نشأت على هذا أو اعتدت عليه، عليك أن تفكر بعمق أكبر، فربما يكون استخدام الحاسوب والذكاء الاصطناعي في تعليم طفلك وتقييم درجاته أنفع له، أو ربما يكون المستقبل المتوقع لتطوير مجال التعليم.
حينما كان كل منا في مرحلة الدراسة الأولى كنا نظن أن مدرسينا، على غرار آبائنا، يعرفون كل شيء. وكنا نراهم مراجع تمتلك معلومات لا نهائية لكل سؤال، وظننا أن ما من سؤال يستحيل عليهم إجابته، وكان المعلمون حينها مصدرنا الوحيد لاكتساب المعلومات. وبعد أن تقدمنا قليلًا في العمر تعلمنا أن بإمكاننا البحث عن الإجابات في مصادر أخرى، مثل الموسوعات العلمية. وقبل ظهور "جوجل" و"ويكيبيديا"، كان لدينا " أسك جيفز " وموسوعة " بربنانيكا " في بدايات الاعتماد على الإنترنت كمصدر للمعلومات.
وهكذا أصبح بإمكاننا أن نجد المعلومات عبر الإنترنت إضافة إلى معلمينا الذين كانوا يمثلون سلطة «المعرفة» بالنسبة لنا. لكن بعد ازدياد الاعتماد على التقنية وانتشار استخدامها، أصبحت مكانة المعلم بصورته التقليدية محل تساؤل وجودي. فهل ما زلنا بالفعل بحاجة إلى تلقي العلم من المعلمين؟
الإجابة باختصار، نعم. لكن هذا لا يعني أن دور المعلم سيبقى على حاله ولن يتغير مستقبلاً. فاليوم حينما نتحدث عن التعليم، فإننا لم نعد نعني القراءة والكتابة فحسب، بل أصبح الهدف تطوير قدرات الأطفال ليصبحوا " مستعدين للمستقبل " واليوم فإن التركيز الأكبر يقع على تربية الأطفال بطريقة تعزز لديهم التفكير المبدع والخلاق، وتحثهم على التعاون مع أقرانهم، وتنمي لديهم مشاعر التعاطف والذكاء العاطفي، مع تعلم التعامل مع التقنيات الرقمية طبعًا. وهكذا لم يعد دور المعلم أن يكون «مصدر المعرفة» بل تطور ليصبح «مدرب المعرفة»
ولدى المدرسين في الصف الدراسي اليوم أشكال متعددة من الأدوات التقنية لمساعدة الأطفال على التعلم، وإعدادهم بصورة أفضل للمستقبل. والمجال الأول الذي تتوافر به التقنية المساعدة هو تنفيذ المهام الإدارية التي تستغرق كثيرًا من أوقاتهم. فاستخدام البرامج لتأدية مهام إدارية مثل تخطيط الدروس، وجدولة الدرجات، يتوافر وقت أطول للمعلمين للاهتمام بالأطفال . ولأن الذكاء الاصطناعي أصبح متقدمًا أكثر، فمن الأفضل أيضًا إجراء تقييم فردي لكل طالب. يتيح ذلك للمعلمين والمدارس تقديم تجارب متخصصة لرعاية كل طالب على حدة، وتقييم المجالات التي يجدون فيها صعوبة بصورة أدق.
ويؤدي التضافر بين الذكاء الاصطناعي والتقنية إلى خلق أجواء تفاعلية أكثر تساعد الأطفال على التعلم بصورة أفضل وبالطريقة التي تناسبهم ، خاصّة أن تطورات أنظمة التعليم الحالية تعكس تحول العالم نحو توجهات أكثر تركيزًا على الإنسان، وعلى انخراطه في تجارب تتمركز في جوهرها على الفرد، مع الوعي بأن التعلم يجب ألا يمارس في غرفة الصف فقط أو في وقت محدد.
إن ما يطلق عليه البعض " التعلم عند الطلب" يتم في أي وقت ودون تحديد المكان. فتطوير التعلم بشكل أكثر تخصيصًا وتعقبه من خلال الذكاء الاصطناعي أصبح متوافرًا في أي مكان، فما الحاجة إلى مواصلة استخدام قاعات الدراسة؟ والأهم من ذلك كيف ندرب الطلاب على المهارات الأكثر أهمية؟ وهل بإمكانهم تحصيلها بمفردهم؟ وهل الاعتماد على كل هذه التقنيات ضمن الصفوف الدراسية يعد شيئًا جيدًا؟