بقلم : د . هبه صالح
رئيس معهد تكنولوجيا المعلومات " iTi "
رُبّ جائحة عالمية جاءت لتؤكد أن العالم فى أزمته الصحية ومن ثم الاقتصادية والأمنية أصبح مضطرا للتعاون التنافسى. فأدركت دول العالم اليوم أهمية تضافر مجهوداتهم في إنقاذ كوكب "نا" من خلال وضع سياسات علاجية ووقائية متفق عليها ومعلنة ليتم تنفيذها من خلال تنسيق مؤسسي محلي وعالمي. ويردد الكثيرون اليوم ما أعلنه بيل جيتس سابقا، مع ضرورة الاستثمار التعاوني لضمان مستقبل آمن للبشرية. وليس بمستغرب أن نسمع قريبا عن التعاون في طرح سياسات ردع الإبداع اللا - أخلاقي، على غرار سياسات الردع النووي بل وظهور مؤسسات جديدة تلعب دورا على مستوى الحوكمة العالمية ولعب دور الحكيم والمراقب الأمني العالمي.
وفي مقابل هذا المنحنى التعاونى المتسارع، أدركت بعض الدول الأخرى، حتمية التنافس فى أجندة التعليم والمعرفة والبحث العلمي والإبداع وتبني آلياته في كل مفاصل مجتمعاتها، ليس من باب الوجاهة أو الرفاهية الإنسانية، ولكن لأنه ركيزة لأمن قومي، وأساس لمستقبل أوطان.
جاءت كورونا أيضا لتستحضر روح وجسد التكنولوجيا، ليرغب في أن يحياها ويمتلكها الفرد والمدرسة والمؤسسة والقطاع الخاص، وتدفع بخطط الحكومات المرتبطة بالتحول الرقمي، وخطط أخرى للبدائل الآمنة لما بعد الثورة التكنولوجية من حيث أمن، عدالة، تكافل، وتضامن المجتمعات الرقمية، والتى لها حديث آخر.
جاءت كورونا ومعها إعادة ترتيب لمؤثري الاقتصاد، من أغنياء كورونا الجدد ممن امتلكوا أدواتهم من قبل الأزمة، ويحاول أن يلحق بهم لاعبون آخرون، منهم العازمون ومنهم المضطرون ومنهم التابعون. وتبدأ مرحلة وواقع جديد من الفرص والتحديات. أعتقد أن أيسرها مرتبط بفرص تطوير العمل وتطويعه لهذا الواقع، شريطة التخطيط له على أنه أمر مستمر وليس فترة انتقالية. أما أصعبها فهو بلا شك قدرتنا كشركاء منظومة "كوكب واحد"، على تحديد وإحياء أولوياتنا من القيم الإنسانية كالرحمة والتكاتف والعدالة.
في معهد تكنولوجيا المعلومات، ومع اللحظات الأولى لبوادر أزمة كورونا، كان القرار لفريق العمل هو سرعة الاستعداد للحفاظ على رسالة المعهد في تأهيل الكوادر البشرية والانتقال من تقديم الخدمة داخل الفصول، إلى التعلم الإلكتروني المتزامن وعن بعد. خمسة أيام، شهدت اعداد البيئة التكنولوجية، تأهيل المدربين، عمليات مكثفة من الاختبارات، حتى انطلقت فعاليتها بداية من يوم الجمعة الموافق 13 مارس 2020 . ساهم في سرعة التحول، 1. رؤية مشتركة لفريق العمل تحت عنوان "التطور بقاء" 2. التخطيط لمرحلة سمتها "الاستمرار وليس الاستثناء" في ضوء تقييم للمعوقات والمخاطر 3. الجهازية المسبقة ووجود لبنات لمنصة تعلم المعهد الالكترونية والتى دعمها فريق عمل متخصص تم الاستثمار فى قدراته من حيث التدريب محليا وعالميا. وبعد الانتهاء من مرحلة الحفاظ على الخدمة، بدأ العمل على محورين: 1. تقييم ما تم من حيث الكفاءة والتكلفه وآليات نشرها، 2. كيفية استثمار مزيد من فرص كورونا، سيعلن عنها تباعا فى مجال العمل الحر والذكاء الصناعى.
وكما ذكرت سابقا، أن في فرص كورونا ما هو الأيسر من حيث قدرة التكيف وسرعة التطوير للأعمال في ضوء ما يمثل أمامها من فرص. ولكن يبقى الأكثر تحديا هو قدرتنا كمجتمعات وحكومات وأفراد على أن نرى ونساعد من تضرروا اليوم وYن لم يتسببوا فى احداث الضرر، وعلى المدى الآتى، لمن يمتلكون غدا ومستقبلا يمكننا أن نختار وأن نعمل على أن نتركه لهم أكثر عدلا، وأمنا.
ولهذا حرصنا فى رساله المعهد لشبابه من المتدربين، ونحن نشاركهم من خلالها مستجدات خطط برامجهم الجديدة عبر الإنترنت، وتفاصيلها اللوجستية أن تتضمن جزءا من هذه الرسالة، آملين في المساهمة بدورنا أفرادا ومؤسسات فى أن ننشرها ونحياها، فاختتمناها بما يلى:
"وأخيرا إلى طلبة وطالبات معهد تكنولوجيا المعلومات، نذكركم وأنفسنا، أن ما نمر به فرصة للتذكرة والاختيار. فلنتذكر أن أمرنا كله خير، باليقين والعلم والأخذ بالأسباب. ولنختار أن يكون بيننا مزيد من الترابط والتواصل حتى وإن تباعدنا في الأماكن. فلتطمئن على أهلك وأصحابك وجيرانك داخل مصر وخارجها، ولتسأل عن كبار السن ممن يعيشون وحدهم في محيطك، ولتساعد من يحيطون بك من عمال باليومية وتساهم مع الجمعيات التى تساعد كل من تأثرت أعمالهم.
ولنرسل رسائل داعمة لأهلنا من الأطباء والعاملين بالمستشفيات، ولنتشارك سويا المبادرات البناءة. اختر أن تستخدم علمك وابداعك وأدواتك التكنولوجية كى تحيا انسانا".