 المتميزون  اختبار المارشميلو (1)

  • §       بقلم : د . ياسر بهاء الدين

     

    عندما أدخلوا بعض الأطفال في عمر 4 سنوات إلى غرفة لا تحتوي إلا على كرسي وطاولة وقطعة من المارشميلو وطلبوا منهم الانتظار بعد إغلاق الباب لمدة لا تتجاوز 15 دقيقة حتى يتم فتح الغرفة مرة أخرى وتركوا الاختيار للأطفال إما أن يأكلوا قطعة المارشميلو أو ينتظروا تلك المدة والحصول على قطعة أخرى، فماذا تتوقع كانت النتيجة؟

    بالطبع استطاع بعض الأطفال مقاومة إغراء قطعة الحلوى وبالتالي حصلوا على قطعة أخرى في نهاية التجربة ولكن بعض الأطفال فضلوا عدم الانتظار والاستمتاع اللحظي بما هو متاح ومنهم من حاول الصبر لفترة ولكن وهنت عزيمته بعد وقت قليل. هل تتذكر موقف مشابه حدث لك عندما كان الصبر أفضل من الاستعجال؟

    الرائع في التجربة أنه تمت متابعة هؤلاء الأطفال لعدة سنوات ولاحظوا أن الأطفال الذين كانت لديهم القدرة على الصبر أو ما سنطلق عليه في مقالنا "قوة الإرادة" كانوا أكثر نجاحاً في مختلف مجالات الحياة مثل الدراسة والصحة والعمل بشكل عام ممن لم يستطيعوا الصبر في ذلك السن المبكر وهذه نتيجة منطقية إلى حد بعيد حيث إن من لديهم قوة إرادة يمكنهم الصبر على الملهيات والمغريات والمكافآت المؤقتة واللحظية من أجل الوصول إلى أهداف أعلى ونتائج أفضل على عكس من يستسلم لرغباته اللحظية ويتجاهل النتائج المستقبلية الواعدة.

    لم تخطئ العديد من الأبحاث التي استنتجت أن قوة الإرادة تتفوق على نسبة الذكاء كمؤشر أدق على النجاح في مختلف جوانب الحياة حيث أشارت العديد من الكتب إلى أن قوة الإرادة هي من أفضل الطرق التي يستطيع بها الأفراد تغيير حياتهم إلى الأفضل. ولكن السؤال هنا هو ما هي قوة الإرادة وكيف تٌقاس؟

    قوة الإرادة هي قدرة ذهنية ونفسية تساعد الشخص على فعل الشيء الصحيح في الوقت الصحيح لحصول على نتائج مستقبلية أفضل بغض النظر عن مدى الرغبة في فعل هذا الشيء من عدمه. فكما أوضحنا قد يكون الفعل المحبب غير مرغوب والفعل المحبب هو المرغوب نتيجة المتعة اللحظية ولكن من لديه قوة الإرادة سيكون تركيزه على النتائج المرجوة وكيفية تحقيقها سواء بأفعال حالية غير محببة أو ترك أفعال حالية ممتعة.

    لتوضيح أهمية التعرف على معنى وفوائد قوة الإرادة بشكل أفضل فإنه يمكن تشبيهها بالعضلة حيث إنها تحتاج إلى تدريب مستمر ليس فقط للحفاظ عليها ولكن حتى تنمو وتكون قادرة على مواجهة المواقف التي تتطلب مستوى مرتفع من التحدي لما هو معتاد وقريب للنفس. ومن ناحية أخرى فإنه كما تُجهد العضلات بكثرة الاستخدام فإن قوة الإرادة أيضاً تضعف بكثرة استخدامها ولكن ماذا نعني بذلك؟

    يرتبط مخزون قوة الإرادة بالقرارات التي نتخذها يومياً مع العلم أنه منذ الاستيقاظ وحتى النوم فإن اليوم مليء بالقرارات منها المعقدة ومنها التلقائية والبسيطة. وكلما كانت القرارات صعبة أو تحتاج مجاهدة للنفس والتفكير فيها كلما كان استهلاك مخزون وطاقة الإرادة أكثر. ومن الأمور التي تستهلك ذلك المخزون أيضاً هو كبت المشاعر وعدم إبداء الرأي في بعض المواقف أو اتخاذ قرارات غير محببة للنفس مما يزيد من الضغط النفسي وبالتالي انخفاض قوة الإرادة وأيضاً بناء عادات جديدة والتخلص من عادات سيئة يستنفذ جزءا كبيرا من تلك القوة خلال اليوم وبالتالي يعتبر الضغط العصبي والنفسي من أهم أسباب ضعف قوة الإرادة وأيضاً الراحة النفسية والقرارات السهلة تساعد في الحفاظ على مخزون قوة الإرادة وتوجيهها لأمور أكثر نفعا وأهمية.

    وحيث إن مخزون قوة الإرادة يحتاج إلى حُسن استخدام فيجب الإدراك بأن ذلك المخزون يختلف من شخص لآخر وفقاً للمواقف والتجارب وطريقة تفكير وتوجهات ورغبات كل شخص ومن هنا يجب أن نعمل جميعاً على زيادة ذلك المخزون من ناحية وحُسن استخدامه من ناحية أخرى وهذا هو ما سنسرده في المقال القادم من خلال 7 نصائح مهمة لتقوية الإرادة وحسن استخدامها.

    دُمتم في رعاية الله وأمنه!



    حمّل تطبيق Alamrakamy| عالم رقمي الآن