أهمية الحوسبة السحابية لمستقبل الخدمات المالية في الشرق الأوسط

  • بقلم : أندرياس بيك

     نائب الرئيس والمدير التنفيذي لمنطقة الشرق الأوسط وإفريقيا لدى كيندريل

    تمكنت الخدمات المالية من الوصول إلى أعتاب التحول الرقمي، لتصبح وعلى نحو متسارع أحد قطاعات تكنولوجيا المعلومات. ولم يعد الأمر يتعلق بإجراء الترقيات منتظمة بهدف رفع مستوى البنية التحتية للخدمات المالية، والوصول بها إلى مستوى عالٍ من الاستقرار والفعالية التشغيلية، ولكن تلك الإجراءات باتت تعدّ من المهام الضرورية التي يجب تنفيذها بطريقة دائمة ومستمرة لمواكبة متطلبات تكنولوجيا المعلومات. وكما هي الحال مع أي قطاع تشهد تحولاً عامّاً في عملياتها، ستصل كل واحدة من شركات الخدمات المالية إلى مكانة مختلفة في قدراتها واحتياجاتها في مجال تكنولوجيا المعلومات. ورغم وجود الاتجاهات في جميع المجالات، يجب أن يكون رد الفعل عليها متوافقاً مع متطلباتها، وعلى سبيل المثال، ربما يلجأ بعضها إلى نقل أجزاء من العمل إلى أنظمة جديدة تماماً، بينما قد تتمتع مؤسسات أخرى بمؤهلات أفضل تتيح لها البناء على الاستثمارات الحالية وتطويرها.

    بفضل الجهود التي تبذلها الحكومات المحلية، تواصل مؤسسات الخدمات المالية في الشرق الأوسط تصميم خدمات جديدة والعمل على تطويرها باستمرار. وقامت دول عديدة بدمج ابتكارات التكنولوجيا المالية في أطرها الاستراتيجية، ومن الأمثلة على ذلكبرنامج تطوير القطاع الماليالسعودي واستراتيجية قطر للتكنولوجيا المالية 2023“. وشهدت دول المنطقة إطلاق العديد من المبادرات، مثلسياسة المصرفية المفتوحةللبنك المركزي السعودي، وبرنامج تحول البنية التحتية الماليةالذي يتبناه مصرف الإمارات العربية المتحدة المركزي، بهدف تعزيز المنافسة ودفع الابتكار في الخدمات المالية.

    وفي ظل هذه البيئة الديناميكية، لم تكن نتائج استطلاع الحوسبة السحابية مفاجئة بأي حال، إذ تبيّن من خلاله أن 66% من مؤسسات الخدمات المالية في المنطقة تتجه إلى الحلول السحابية من أجل تحقيق النمو والابتكار. ومن المتوقع أيضاً أن يحقق سوق الحلول السحابية في الشرق الأوسط نمواً من مستواه في العام الحالي 2023 والبالغ  5.75 مليار دولار أمريكي، ليصل إلى 10.05 مليار دولار في 2027، أي ما يعادل نمواً سنوياً مركباً بنسبة 15%. ومن شأن قرار التحول إلى الحلول السحابية أن يمنح مؤسسات الخدمات المالية المزيد من المرونة التي تحتاج إليها للتفاعل مع هذه الاتجاهات، رغم ما يتطلبه ذلك من خبرات مناسبة.

    في الوقت الذي يتعيّن فيه على مؤسسات الخدمات المالية التفكير المقترن بالعمل حتى تتمكن من مواكبة الطلب، تماماً مثل شركات تكنولوجيا المعلومات، لا يمتلك الكثير منها الخبرة الداخلية الكافية التي تساعدها على إحداث هذا التحول. وللتغلب على هذا التحدي المهم، يدخل العديد من شركات الخدمات المالية في شراكات مع الوكالات المتخصصة في توفير حلول البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات لتشغيل بنيتها التحتية ذات المهام الحرجة، وزيادة مرونة قابلية التوسع عند الطلب وتوافر الخدمة بمستويات عالمية.

    وبما أن التحول الرقمي رحلة متواصلة، يعد تحديث الأنظمة المصرفية الأساسية التي لا يزال بعضها يعمل على أجهزة الكمبيوتر المركزية المحلية، واحدة من المهام المعقدة التي ينبغي على الشركات التعامل معها. ويتعين على شريك التحول الرقمي المناسب أن يظهر درجة كافية من الفهم للعمليات الأساسية، فضلاً عن امتلاكه الخبرة اللازمة حتى يتمكن من تشغيل خدمات المهام الحيوية للصناعة المالية، لضمان محافظة البنية التحتية على مرونتها، وعدم إلحاق أي تأثير سلبي على تفاعلات العملاء. وينظر إلى التحول أيضاً على أنه عملية مستمرة، ولتحقيق ذلك بالشكل الصحيح، تحتاج البنوك إلى شريك يفهم البيئة القديمة والمعقدة الموجودة، وأن يكون قادراً على التكيف باستمرار مع المتطلبات المتغيرة للقطاع المصرفي وصناعة تكنولوجيا المعلومات على حدّ سواء.

    عندما يتعلق الأمر بشركات الخدمات المالية، تبرز المزايا المهمة التي تتمتع بها الحوسبة السحابية، وفي طليعتها: القدرة على تقديم القيمة للأعمال بشكل أسرع، وتحقيق الابتكار على نطاق واسع، وزيادة كفاءة معالجة البيانات (بصورة مباشرة تقريباً)، وضمان توفير تجارب فريدة للعملاء، وزيادة مرونة الأعمال، والقدرة على التحول المستمر. وقبل البدء في تطوير الخطة المناسبة، ينبغي أن يتم تحديد نتائج الأعمال المنشودة من الحوسبة السحابية على وجه الخصوص.

    وعلاوة على الفرص الكبيرة التي توفرها التحولات السحابية في صناعة الخدمات المالية، ينبغي الاعتراف أيضاً بالتحديات الكبيرة التي تفرضها. ويبقى من غير المرجح نجاح عملية التحول السحابي ما لم يكن هناك فهم واضح للعملية برمّتها، بدءاً من المخاطر وحتى اللوائح ووصولاً إلى توقعات العملاء، ومن آلية تطور رحلة العميل إلى كيفية حدوث الأخطاء ومعالجتها. أما بالنسبة إلى شركات الخدمات المالية، تتوقف التحولات السحابية الناجحة على إدارة مخاطر البيانات. وكان تبني الحوسبة السحابية في عمليات المؤسسات المالية بطيئاً، ويعزى ذلك إلى المخاوف من عدم قدرتها على التوافق مع المتطلبات التي تحددها الجهات التنظيمية، والمتعلقة بالمعاملات والعمليات وإدارة معلومات العملاء.

    الإمكانات الكاملة للحوسبة السحابية

    لضمان نجاح عملية اعتماد الحوسبة السحابية، يجب على مؤسسات الخدمات المالية النظر في الإمكانات الكاملة التي توفرها لها. ويبدأ ذلك بتحديد اتجاه واضح لكيفية استفادة المؤسسة من الحلول السحابية لدعم أولويات العمل، ورحلة التحول، ونموذج التشغيل الضروري والتغيير في القدرات المطلوبة. وحال تحقيق كل هذا بوضوح تام، يمكن للشركات بعد ذلك تحديد النطاق استناداً إلى محركات الأعمال والتقنيات المطلوبة للانتقال إلى الحلول السحابية، بما في ذلك الأداء والعمليات والبنية المعمارية والتكلفة والمخاطر والأمان والامتثال وأهمية الأعمال وخطط النقل السحابية. ويمكن استخدام هذه المعلومات لتطوير حالة عمل قوية للتطبيقات وأعباء العمل التي يمكن أن تستفيد أكثر من النقل المبكر إلى السحابة. وللاستفادة من الحوسبة من دون وجود جهاز خادم، مع قابلية توسيع الجهاز، يجب على المؤسسات التفكير في استخدام التطبيقات السحابية الأصلية. وهذا يعني أنه سيتعين تهيئتها و / أو إعادة كتابتها للسحابة أو استبدالها بالتطبيقات المصممة خصيصاً لهندسة الحوسبة السحابية.

    ويطلب من مؤسسات الخدمات المالية استكشاف المجالات التي يمكنها الاستفادة من استبدال الأنظمة الأساسية لقواعد البيانات القديمة، والنقل إلى قاعدة بيانات سحابية أصلية. وربما يؤدي ذلك إلى تحسين الأداء، وضمان الامتثال الكامل للشبكة السحابية الأصلية، وتوفير تكاليف رسوم الترخيص. ويجب على المؤسسات أيضاً استكشاف مجالات الاستفادة من تحديث التطبيقات الحالية، لاستخدام وظائف السحابة وخفض الوقت اللازم لتوظيف تطبيقات الأعمال.

    إن الرحلة إلى التحول الرقمي ليست سلسلة من الخطوات المتتالية بسلاسة، لكن مع وجود الشريك المثالي والخبرة المناسبة والتكنولوجيا المتقدمة، تستطيع المؤسسات الاستعداد الأمثل للدخول إلى مستقبل الخدمات المالية الذي يركز على تكنولوجيا المعلومات.



    حمّل تطبيق Alamrakamy| عالم رقمي الآن