لنا ولمن حولنا

  • بقلم : د . ياسر بهاء

     

    هل وجدت نفسك يوماً مُثقل بالكثير من المهام التي يجب إنجازها ولكن من كثرة الضغط والتوتر الذي تشعر به تصل لمرحلة اللامبالاة ولا تقم بفعل أي شيء وقد تذهب إلى النوم أو مقابلة أحد الأصدقاء أو مشاهدة أي برنامج أو التصفح على مواقع التواصل الاجتماعي أو بمعنى آخر، تهرب من كل شيء؟

    هل تعرضت في أحد الأيام للاختيار بين شيئين أحدهما هام والآخر غير هام ولكنك اخترت الأسهل حتى وإن كان غير هام؟ فمثلاً قد تختار اللعب عن قراءة كتاب أو مشاهدة أحد المباريات بدلاً من إنهاء أحد الدورات التي التحقت بها أونلاين أو قد تختار عدم غسيل أسنانك قبل النوم نتيجة شعورك بالإرهاق وكأن غسيل الأسنان هو عبء لا يمكن تحمله.

    هل حدث لك أي موقف شعرت بعده بالحزن أو الكآبة أو بعض الألم وحاول أحد المقربين لك أن يدفعك للخروج من تلك المشاعر عن طريق الحديث في مواضيع أخرى أو طلب الخروج والجلوس في مكان خارجي أو أي محاولة أخرى ولكنك رفضت بشدة وآثرت الجلوس وحيداً مستسلماً لأفكارك التي غالباً ما تجعلك في نفس الدائرة المفرغة من الاستمرار في نفس تلك المشاعر والأفكار السلبية.

    بالرجوع إلى كل تلك الأمثلة، ألا تتفق معي أن كافة الاختيارات السابقة كانت الأسهل وأن الاختيارات التي تركتها كانت هي الأصعب ولكن باستبدال حرف ال "عين" بحرف ال "واو" ستكتشف أنها كانت هي الأصوب. وبالتالي فقد كان وسيظل دائماً هناك اختياران أحدهما الأسهل والأخر صعب ولكن في نفس الوقت فإن الأول إن لم يضرك فلن ينفعك بينما الثاني فإنه بالتأكيد سيكون له تأثير إيجابي وخاصة إذا ما كان السؤال المطروح هو البحث عن نتائج الاختيار المستقبلية وليس صعوبة تنفيذه والمجهود المبذول فيه.

    ولكن ما هو السبب الرئيسي وراء تلك المعضلة التي تبدو سهلة نظرياً ولكن في غاية الصعوبة عند التطبيق فكم من مرة اتخذنا عهود ووعود ذاتية للقيام ببعض الأدوار الجديدة في حياتنا أو محاولة تبني ممارسات أو عادات جديدة ونكون في غاية الجدية والرغبة الجامحة لتنفيذ ما انتوينا عليه ولكن إما أن نتراجع عند خطوة البداية أو حتى الاستسلام بعد فترة وجيزة؟

    في أحد محاضراته أخبر Les Brown أنه كان لديه صديق مُدخن وقد قام بنصحه أكثر من مرة ولكن دون جدوى حتى أصابه مرض شديد بسبب التدخين وأخبره الدكتور المعالج بأن التدخين مرة أخرى قد يودي بحياته وهنا توقف ذلك الصديق عن التدخين بالرغم من عدم قدرته على التوقف عنه طوال عمره ولكن عندما ارتبط الموضوع بمسألة الحياة والموت كان الاختيار الأصعب هو الأقرب. ولكن الغرض من هذه القصة أنه بعد فترة من التوقف عن التدخين فوجئ Les Brown بأن صديقه كلما رأى أحد المدخنين يستغرب كثيراً من استمرار هؤلاء في التدخين بالرغم من أضراره الجسيمة وعندما كان يسأله Les Brown عن هذا التحول فكانت إجابة صديقه بأنه عانى ويُعاني من تأثير التدخين ولا يرغب في أن يكون هناك من هم على شاكلته قبل توقفه عن التدخين فقد لا يسعفهم الحظ لإنقاذ حياتهم مثلما حدث معه.

    في النهاية فإن الدافع الأساسي لكافة البشر لإتيان فعل أو تصرف معين غالباً ما يكون للحصول على منفعة معينة أو درء ضرر ما وكلما كانت تلك المنفعة أو ذلك الضرر في وقت قريب كلما كان له التأثير الأعلى فعلى سبيل المثال لا يهتم الناس كثيراً بالتوقف عن أكل الوجبات السريعة بالرغم من المعرفة التامة بأضرارها ولكن نتيجة عدم حدوث هذا الضرر بمجرد الانتهاء من تناول الوجبة، فإن تأثير هذا الضرر المستقبلي ليس بكافي للتوقف عن ذلك التصرف في حين أن نفس الشخص سيتوقف تماماً في نفس اللحظة إذا ما أخبره الطبيب بأن هناك خطر كبير على صحته في حالة تناول مثل تلك الوجبات خلال الستة الشهور التالية مثلاً.

    ومن هنا نجد القليل هم من يلتزمون بما يحمل منفعة آجلة حتى وإن صاحبها مجهود أو عدم أريحية حالية وبالتالي في حالة وجود منفعة أو ضرر من تصرف معين بشكل مطلق بغض النظر عن الظروف وحتى نتجنب وقوع الكثير في مشكلة اختيار الأسهل (والمُضر في نفس الوقت) فإنه من الطبيعي إيجاد دافع أقوى من مجرد المنفعة الآجلة وهنا يأتي دور الأسئلة مرة أخرى فيكون السؤال الأصوب هنا هل أنا على استعداد للتخلي عن تلك المنفعة الآجلة نهائياً؟ أو تحمل الضرر الذي قد يحدث في أي وقت نتيجة عدم الاختيار الصحيح والقرار الصائب. وأخيراً لا تنسى أن ليس كل سهل ضار وليس كل صعب مُحبب ولكن علينا اتخاذ القرار بشكل منطقي لما فيه المصلحة لنا ولمن حولنا.



    حمّل تطبيق Alamrakamy| عالم رقمي الآن