بقلم : سامر حسن
محلل أول لأسواق المال في XS.com
يرتد الذهب اليوم ويرتفع بأكثر من 2% في المعاملات الفورية ويستعيد بذلك مستوى 3045 دولاراً للأونصة بعد سلسلة التراجعات الممتدة منذ الخميس الفائت.
قد يّعزى ارتداد الذهب إلى إعادة المستثمرين إلى تشكيل مراكزهم بعد الصدمة التي تعرضت لها سوق الأسهم الأمريكية الأسبوع الفائت نتيجة لاشتعال الحرب التجارية وأدت إلى موجات تصفية واسعة عبر مختلف فئات الأصول. حيث إن أخبار الحرب التجارية لم تكن جديدة وتصاعدها لم يكن مستبعداً، إلى أن التصفيات التي اجتاحت الأسواق الأسبوع الفائت يبدو أنها أجبرت مستثمري الذهب على تصفية مراكزهم لتغطية مراكزهم الأخرى.
فيما يبدوا أن عودة مكاسب المعدن الأصفر قد تدل على عودة التفاعل مع أساسيات السوق التي من شأنها أن تعزز الطلب على الملاذ الآمن وسط الأمل الضعيف بخفض التصعيد التجاري إضافة إلى الأضرار المترتبة على تفاقمها.
حيث إن أسوء السيناريوهات بات يتحقق ويبدو جلياً وهو اشتعال الحرب التجارية الشاملة نتيجة للتعرفات والتعرفات المضادة المتبادلة ما بين الولايات المتحدة وكبرى الاقتصادات ووصلت إلى حد إعلان دونالد ترامب فرض المزيد من التعرفات على الصين لتصل بذلك فعلياً إلى قرابة 125%.
هذا التصعيد المتبادل والمتسارع يجعل الأمل أضعف فأضعف حول إمكانية التوصل إلى صفقة وحل دبلوماسي للصراع التجاري. حيث قالت هيئة التحرير في وول ستريت جورنال في مقال للرأي في وقت سابق الأسبوع الفائت أنه من السهل إشعال الحرب التجاري لكن من الصعب إيقافها ما أن تبداً سلسلة الإجراءات الانتقامية.
في حين كان قد صرح ترامب بأن العشرات من القادة حول العالم يريدون التفاوض بشأن التعرفات، إلا أن المفاوضات لا تبدو وشيكة خصوصاً مع الصين على الرغم من الإشارات المتبادلة التي كنا قد شهدناها منذ يوم تنصيب ترامب. فبعد أن وصلت التعرفات إلى أكثر من 100% قد يكون الطريق طويلاً حتى قبل خفضها إلى النصف – الذي لا يزال نسبة هائلة.
فيما يبقى من بين أهم قنوات الضغط على ترامب هو ذلك الذي يأتي من قبل كبار الرؤساء التنفيذين في الولايات المتحدة اللذين تقع شركاتهم عرضة لمخاطر هائلة نتيجة للتصعيد التجاري. حيث رصدت وول ستريت جورنال الأصوات المتعالية من قبل المدراء التنفيذين والأسماء البارزة في وول ستريت الذي عبروا عن مخاوفهم تجاه مسار الاقتصاد وعدم اليقين المرتفع تجاه السياسات التجارية.
كما أن الاضطراب الأخير أعاد إلى أذهان المصرفيين والمتداولين في وول ستريت ما قد حصل في الأزمة المالية العالمية في العام 2008، وفق ما رصدته نيويورك تايمز. لكن ما قد يميز هذه الأزمة الحالية، وفق التايمز، الأن الأمل الضعيف بإنقاذ حكومي للقطاع المالي كما حدث في السابق.
أضف إلى ذلك، علاوة على المخاوف من التبعات الاقتصادية المباشرة للتعرفات، فإن الاقتصاد الأمريكي قد يبقى محاطاً بعدم اليقين بما قد يمنع الشركات من ضخ استثماراتها على الأراضي الأمريكية – جوهر أهم أهداف ترامب من التعرفات – نتيجة لوجود ترامب نفسه مع تاريخه من الاضطراب في اتخاذ القرار، وفق واشنطن بوست. أضف إلى ذلك، فإن إعادة تموضع مصانع الشركات ونقلها من الدول ذات التكلفة المنخفضة إلى الأراضي الأمريكية تتطلب وقتاً طويلاً وانفاقاً هائلاً وستنعكس عبر ارتفاع الأسعار على المستهلك وانخفاض كفاءة الاقتصاد وقد لن تعود بالنفع المرجو منها أصلاً، وفق واشنطن بوست أيضاً.
حتى ذلك الحين الذين سنشهد فيه إما تحققاً لرؤية ترامب – غير الواقعية بنظر الطيف الأوسع من الخبراء وفق ما أراه –بنقل الصناعات إلى الداخل الأمريكي وانتعاش أوسع للاقتصاد أو التوصل إلى تسوية مع الدول الأخرى، ستبقى الأسواق في حالة من عدم اليقين المرتفع سواء تجاه تبعات القرارات الأخيرة وطبيعة القرارات القادمة وذلك وسط المخاوف حول الانكماش وهذا ما يبقي على جابية الذهب كملاذ آمن وسط سيادة حالة العزوف عن المخاطر.
في ظل الانغماس في الحديث عن الحرب التجارية وتبعاتها ومسارها المستقبل، فإن التوتر الجيوسياسي القابل للانفجار في الشرق الأوسط قد يلقى أصداءً في الأسواق أيضاً بما يعمق من حالة عدم اليقين العالمية ويضيف إلى العلاوة التي تغذي مكاسب الذهب. حيث إن التصادم المباشر ما بين الولايات المتحدة وإيران لا يبدو مستبعداً كما السابق، وهذا من شأنه أن يشعل حرباً طويلة الأجل في الإقليم بما قد يهدد الاقتصاد العالمي.
حيث كانت قد حذرت إيران دولاً في الإقليم من استخدام أراضيها وأجوائها لاستهدافها. إن حدث هذا بالفعل فإن إيران قد تقوم باستهداف مصالح نفطية وتجارية في الإقليم بما قد يؤدي إلى عرقلة تدفق إمدادات النفط الخام والملاحة البحرية ويساهم في المزيد من رفع الأسعار.
هذا يأتي في الوقت التي أصبحت فيه إيران أكثر تقدماً في برنامجها النووي وقد تلجأ إلى رفع سقف مطالبها للتوصل إلى اتفاق جديد لضمان عدم الانسحاب منه كما في السابق، وعليه فإن تحقيق تقدم في المسار التفاوضي سيكون أكثر صعوبة هذه المرة وفق وول ستريت جورنال. أضف إلى ذلك الضغط المستمر من إسرائيل على ترامب، المحاط أصلاً بالصقور تجاه إيران، لاستهداف المنشآت النووية.
في المقابل، قد ما قد يدفع كلا الطرفين باتجاه الامتناع عن التصعيد العسكري المباشر هو المصاعب التي يعاني منها الاقتصاد الأمريكي في الوقت الحالي والتزامه تجاه ملفات أخرى ذات أولوية أكبر كملف تايوان وأوكرانيا إضافة إلى أن إيران ستواجه انهياراً اقتصادياً مع تضيق الحصار عليها وفيما إذا تم استهداف البنية التحتية للطاقة المتهالكة أصلاً وتصفير صادراتها.