في الوقت الذي تزداد فيه قدرات الذكاء الاصطناعي تطوراً، تكشف تقارير جديدة عن شبكة غير مرئية من العاملين الأفارقة الذين يشكلون العمود الفقري لعمل هذه التقنيات، من دون أن يعلم بهم أحد.
ورغم مساهماتهم الحيوية في تطوير أدوات الذكاء الاصطناعي وإدارة المحتوى، فإن العديد من هؤلاء الموظفين الرقميين لا يعملون مباشرة لصالح شركات التكنولوجيا الكبرى مثل "ميتا" و"أوبن إيه آي" و"سامسونغ"، بل يتم توظيفهم عبر وسطاء وشركات تعهيد تتعمد إبقاءهم في الظل، ما يُصعّب تتبع حقوقهم ويضعهم خارج إطار المساءلة.
زوايا تقنيةأميركا وبايدنتسريح العمالة يهدد معهد سلامة الذكاء الاصطناعي الأميركي
شبكات غير مرئية ومعاناة صامتة
وبحسب ما كشفه تقرير لموقع "Rest of World" اطلعت عليه "العربية Business"، فإن شركات الاستعانة بمصادر خارجية، التي تتعامل مع شركات تكنولوجيا كبرى، غالباً ما تلتزم الصمت بسبب اتفاقيات قانونية صارمة تُقيّد قدرتها على الإفصاح عن طبيعة العلاقة أو تفاصيل التوظيف.
ويقول أنطونيو كاسيلي، أستاذ علم الاجتماع في معهد البوليتكنيك في باريس، إن هذا التعتيم المتعمد يُنتج دائرة من الغموض تحيط بهؤلاء العمال.
وتابع: "حتى إن بعض مديري الشركات لا يعرفون حجم العمالة الفعلية التي تخدم منصاتهم الرقمية".
من أفريقيا إلى وادي السيليكون
وتُظهر بيانات جديدة أن شركات تعهيد مقرها الإمارات وأوروبا وأميركا توظف عمّالاً رقميين من 39 دولة أفريقية في مهام تشمل تصنيف البيانات، وخدمة العملاء، والإشراف على المحتوى.
خريطة تفاعلية أعدتها منظمة Personaldata بالتعاون مع اتحاد مشرفي المحتوى الأفارقة (ACMU)، كشفت عن مسار تدفق البيانات من القارة الأفريقية إلى عملاء كبار مثل "ميتا" و"أوبن إيه آي"، فيما تبقى هوية العديد من العملاء الآخرين غامضة.
كينيا في الواجهة
كينيا كانت في صلب هذا الجدل، حيث تواجه شركة ساما الأميركية وعميلتها "ميتا" دعوى قضائية جماعية تتهمهما باستغلال مشرفي محتوى في ظروف عمل قاسية.
ورغم تعهد "ميتا" سابقاً بتوفير شروط رائدة عبر شركائها، إلا أن شهادات العاملين تشير إلى عكس ذلك.
جيسيكا بيدو، مديرة منظمة Personaldata، قالت إن اختيار بعض الشركات التوجه إلى دول مثل كينيا يعود إلى ضعف تطبيق قوانين العمل وحقوق البيانات، مما يخلق بيئة مثالية للتلاعب.
الشفافية المفقودة
في محاولة لكشف مدى مشاركة بياناتهم، تقدم خمسة مشرفين بطلبات للحصول على المعلومات التي تحتفظ بها شركاتهم عنهم، ومن بينهم كاونا مالغوي، التي عملت سابقاً مع "ساما" في نيجيريا، وأكدت أنها لم تتلقَ سوى معلومات جزئية، رغم أن بعض هذه الشركات ملزمة بقوانين حماية البيانات الأوروبية.
وقالت مالغوي إنها فوجئت عندما تلقت بيانات من "فيسبوك" مباشرة، ما يشير إلى أن "ساما" قد تكون شاركت بياناتها مع عميلها الأميركي من دون علمها.
الوسيط يختبئ.. والعمال يدفعون الثمن
ريتشارد ماثينج، المؤسس المشارك لمجموعة "Tech Workers Community Africa"، واجه بدوره موقفاً مماثلاً، حيث تلقى ردًا محدودًا من شركته السابقة "تيليبيرفورمانس" الفرنسية، رغم طلبه الكامل لبياناته.
ويوضح الباحث أديو دينيكا من معهد أبحاث الذكاء الاصطناعي في ألمانيا، أن توظيف العمال الأفارقة عبر وسطاء يُعفي الشركات الكبرى من أي تبعات أخلاقية أو قانونية عندما تتفجر قضايا مثل سرقة الأجور أو الأذى النفسي.
ويضيف: "الوسطاء هم من يتحملون اللوم، بينما تواصل شركات التكنولوجيا الكبرى جني الأرباح من خلف الستار".