تجاوز حجمه 4 مليار دولار : العلاج النفسي بـ«الذكاء الاصطناعي».. سوق واعد يثير قلقاً عالمياً

  • كتب : اسلام توفيق

     

    تصاعد الجدل العالمي حول استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في العلاج النفسي، لا سيما بعد سلسلة من الدعاوى القضائية المرفوعة ضد شركة «أوبن إيه آي» في الولايات المتحدة، لتسلّط الضوء على الفرص والمخاطر التي ترافق هذا التحول الرقمي السريع في مجال الرعاية النفسية.

     

    ورُفعت، في السابع من نوفمبر 7، دعاوى ضد الشركة المطوّرة لروبوت المحادثة «تشات جي بي تي»، تتهمها بالتسبب في حالات اضطراب نفسي حادٍ لدى مستخدمين، يُعتقد أن بعضها انتهى بالانتحار.

     

    من جانبها، قالت شركة  «أوبن إيه آي» إن ما حدث «مأساة إنسانية مؤلمة»، مؤكدة أنها تراجع الملفات لفهم التفاصيل، وتعمل على تعزيز آليات الأمان في تفاعلات الذكاء الاصطناعي مع المستخدمين في المواقف الحساسة.

     

    وذكرت الشركة في مدونتها الرسمية أن نحو 0.15% من محادثات «تشات جي بي تي» الأسبوعية تتضمن مؤشرات على نوايا انتحارية.

     

    وبحسب تقرير نشرته مجلة «الإيكونوميست»، تعكس هذه الوقائع حجم التحديات في ثورة العلاج النفسي عبر الذكاء الاصطناعي، رغم الإمكانات الواعدة التي يراها الخبراء في توظيف التكنولوجيا لمواجهة نقص الكوادر الطبية، وتوفير حلول علاجية منخفضة التكلفة.

     

    وتشير بيانات منظمة الصحة العالمية إلى أن ما بين ثلث ونصف المصابين باضطرابات نفسية في الدول المتقدمة لا يتلقون أي علاج، بينما يعاني سكان الدول الفقيرة من غياب شبه تام للخدمات النفسية.

     

    وتكشف استطلاعات للرأي أن نسبة متزايدة من الأفراد باتت تفضّل الإفصاح عن مشاعرها أمام آلة، تجنباً للحرج، أو بسبب انخفاض الكلفة، وسهولة الوصول.

     

    كما بدأت بعض الحكومات ومؤسسات الرعاية الصحية تبنّي أدوات الذكاء الاصطناعي في برامجها، ففي بريطانيا وسنغافورة، تعتمد المؤسسات الصحية على روبوت المحادثة «ويسا» الذي طورته شركة «تاتشكن إي سيرفيسز» الهندية، ويقدّم تمارين علاجية مبنية على العلاج السلوكي المعرفي تحت إشراف بشري، في وقت يُقدّر فيه حجم سوق تطبيقات العلاج النفسي الرقمي عالمياً بأكثر من 4 مليارات دولار.

     

    وأظهرت دراسة أُجريت، العام 2022، بالشراكة مع المعهد الوطني للصحة النفسية في الهند، أن «ويسا» كان فعالًا تقريبًا بقدر جلسات العلاج المباشر في تخفيف أعراض القلق والاكتئاب.

     

    كما أظهرت دراسة لجامعة ستانفورد، العام 2021، على تطبيق «يوبر» انخفاضاً في مؤشرات الاكتئاب بنسبة 19%، والقلق بنسبة 25% بعد أسبوعين من الاستخدام.

     

    وتعتمد هذه النماذج على قواعد برمجية محددة مسبقاً، بخلاف النماذج الحديثة المبنية على «النماذج اللغوية الضخمة» مثل «تشات جي بي تي»، التي تولّد ردودها بالاعتماد على تحليل كمّ هائل من البيانات، ورغم أن هذه النماذج أكثر تفاعلية وإنسانية في أسلوبها، فإنها أكثر عرضة للأخطاء.

     

    وتشير دراسة نُشرت، العام 2023، في مجلة (npj Digital Medicine) إلى أن هذه النماذج أظهرت نتائج أفضل في تقليل أعراض الاكتئاب، لكنها تحمل مخاطر سلوك غير متوقّع.

     

    وأظهرت استطلاعات أخرى أجرتها «الإيكونوميست» أن 74% من مستخدمي العلاج النفسي عبر الذكاء الاصطناعي استخدموا «تشات جي بي تي»، مقابل 21% استخدموا «جيميني» من «غوغل»، فيما قال 12% فقط إنهم لجأوا إلى روبوتات مخصصة للعلاج النفسي.

     

    ويعبّر باحثون في جامعة ستانفورد عن قلقهم من أن تكون هذه النماذج «مفرطة في المجاملة» أو قد تبرر سلوكيات مضرة مثل اضطرابات الأكل بدلاً من تصحيحها.

     

    وتؤكد «أوبن إيه آي» أن إصدارها الأحدث «جي بي تي-5» صُمّم ليكون أقل مجاملة ويحثّ المستخدمين على أخذ فترات راحة، كما يشجعهم على التفكير في قراراتهم بدلاً من تقديم نصائح مباشرة، إلا أن  النظام لا يقوم بإبلاغ السلطات عند وجود تهديد فوري للنفس، على عكس ما يفعله المعالجون البشريون.

     

    في المقابل، يعمل باحثون على تطوير نماذج متخصصة مثل «ثيرابوت» من كلية دارتموث، الذي أظهر انخفاضًا بنسبة 51% في أعراض الاكتئاب و31% في القلق خلال التجارب الأولى.

     

    كما أطلقت شركة «سلاينغشوت إيه آي» الأميركية روبوت «آش» المصمم خصيصًا للعلاج، والذي يسعى إلى محاورة المستخدم بأسئلة تحليلية بدل الاستجابة الفورية للأوامر.

     

    وأكد التقرير أن  التحدي الأكبر، اليوم، ليس تقنيًا فقط، بل هو تنظيمي كذلك، حيث شرعت 11 ولاية أميركية، بينها نيويورك ومين، في سن قوانين لتنظيم أو تقييد استخدام الذكاء الاصطناعي في العلاج النفسي، بينما حظرت ولاية إيلينوي هذا النوع من التواصل تماماً.

     

    وتشير القضايا المرفوعة، مؤخراً، إلى أن المزيد من القيود قادمة، في وقتٍ تتزايد فيه أعداد من يلجأون إلى الآلة طلبًا للراحة في عالم يزداد توترًا وتعقيدًا.

     

     

    حمّل تطبيق Alamrakamy| عالم رقمي الآن