اليوتيوبر .. بين تدمير وتنظيم صناعة المحتوى الرقمي

  • بقلم : خالد حسن

    كنت وما زالت اول المحذرين ، منذ اكثر من 5 سنوات ، من تزايد ظاهرة " اليوتيوبر والمؤثرين " وتأثيرهم السلبي على ازدهار صناعة المحتوى الرقمي وانهم بوضعهم الحالي يمثلون معاول لهدم المجتمع وتدمير صناعة بث المحتوى الرقمي والتي تعد ذروة سنام مجتمع المعلومات والتحول الرقمي والذي تهدف الدولة المصرية لتسخير كل إمكانياتها وتشحذ جهودها إلى استكمال بناء المجتمع الرقمي وملاحقة ركب التقدم العالمى في هذه المجال.

    وعند الحديث عن تنظيم شامل ومتكامل  لصناعة بث المحتوى على الإنترنت فإن هناك ثلاثة مستويات يجب النظر إليها ونحن نتحدث عن قضية تقييم دخول لاعب جديد لهذه الصناعة  ممن يطلقون على أنفسهم اليوتيوبر والمؤثرين،  وغالبيتهم ليس لهم مهنة إلا النصب على مستخدمي الإنترنت  ، وتتمثل هذه المستويات في الجانب القانوني والمهني والاجتماعي وليس الجانب المالي فقط فتحقيق العدالة في المنافسة بين كل وسائل بث المحتوى الرقمي هو أمر ضروري ومهم لصالح المجتمع ككل وليس لصالح فئة دون أخرى ولصالح تطوير صناعة المحتوي نفسها .

    في البداية أؤكد أن الموضوع لا يجب اختصاره فقط في مجرد تحصيل الدولة لقرشين من هؤلاء وتركهم يعبثون في عقول شبابنا ويعيثون في الأرض فسادا وتدمير البقية الباقية من صناعة المحتوى الرقمي فإذا كنا نبحث عن مجرد تنمية إيرادات فإن تقنين أوضاع عمال الدعارة سيدر علينا إيرادات مالية أكبر بكثير جدا رغم أن ما يقوم به غالبية هؤلاء اليوتيوبر والمؤثرين هو أقرب ما يكون من الدعارة الرقمية العلنية بل وبمشاركة عائلية ، زوج وزوجته وأولادهم وآباءهم ، الموضوع إذا يجب ان ينظر اليه بنظرة دولة تبحث عن تنظيم صناعة اسمها صناعة " المحتوى الرقمي"  بما ينعكس على تطوير ما يعرف بالاقتصاد الرقمي فماذا ستستفيد الدولة من ان أكثر من 80 % من استهلاك الإنترنت في مصر يذهب إلى مشاهدة الفيديوهات التافهة والمحتوى الهابط الذى يقدمه غالبية هؤلاء " اليوتيوبر والمؤثرين " إنه نوع من الاستهلاك السلبي لمواردنا المحدودة من سعة الإنترنت .

    وعند الحديث عن المحور الأول وهو الشق " القانوني"  فإن القاصي والداني يعرف أن هناك قوانين منظمة لكل وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية ولا يمكن لكائن من كان أن يقوم ببث محتواه الرقمي إلا بعد الانسياق الكامل لهذه القوانين والإجراءات والتي سأشير إلى بعضها  فبالنسبة لإنشاء الصحف ، باعتبارها من أكبر وسائل صناعة المحتوى الرقمي محليا وعالميا ، أولها ضرورة إنشاء شركة مساهمة برأسمال يترواح بين 2- 5 ملايين جنيه وفقا لطبيعة الجريدة سواء أسبوعية أو يومية بالإضافة إلى أن يكون هناك 10 مساهمين على الأقل ، ليسوا أقارب لضمان عدم التأثير الشخصي أو العائلي على الرأي العام وتوجيه المجتمع ، وضع ما لا يقل عن مليون جنيه كوديعة في البنك لا يتم استخدامها مع وجود مقر دائم للجريدة بجانب الاشتراطات المالية لصندوق إعانة البطالة بنقابة الصحفيين وعلى فكرة وسائل الإعلام المرئية والمسموعة ، بمستويات مختلفة لا داعي للتطرق إليها الآن ،  لديها تقريبا نفس المتطلبات القانونية للحصول على موافقة لبث محتواها الرقمي عبر الإنترنت .

    ومن ثمة فإن الحديث عن دخول لاعب جديد في صناعة المحتوى الرقمي أهلا وسهلا به ولكن من العدالة فى المنافسة الشريفة ان يكون بنفس الإجراءات والمتطلبات القانونية المطلوبة من جميع اللاعبين في مجال هذه الصناعة وإلا فإنك ستسعى تدريجيا إلى القضاء على كل اللاعبين الحاليين والتحيز إلى طرف واحد فقط ضد باقي الأطراف وهذا أمر غير مقبول ويجب سرعة تداركه من جانب الجهات المعنية في الدولة بتظيم صناعة المحتوى الرقمي لضمان ازدهارها وتقدمها خاصة إذا كان هذا الطرف الجديد تقدمه نوعية من المحتوى الهابط والمتدني ، لجذب جمهور من الجهلاء ,  والذي لا يمكن لباقي الأطراف أن تتنافس معه في تقديمه وإلا ستتحول صناعة المحتوى لصناعة " بورنو " وأكاذيب وشائعات تكون معاول هدم للمجتمع ,

    أما بالنسبة للحديث عن المحور الثاني والخاصة يشق " المهني " فإنه بالنسبة لوسيلة إصدار صحيفة سيشترط لضمان مهنية المحتوى الذي تقدمه أن يتم تعيين ما لا يقل تقريبا عن  10 صحفيين ، مقيدين في جدول المشتغلين بنقابة الصحفيين ، ناهيك عن الاستعانة بعشرات من الصحفيين ، المؤمن عليهم اجتماعيا ،  لتقديم المحتوى الرقمي الذي يحترم تقاليد وأخلاقيات المجتمع وذلك لضمان موثوقية هذا المحتوى واحترافيتها للقارئ كذكك حتى يمكنك كتابة مقال رأي ، يجب أن تمتلك الخبرة سنوات لا تقل عن 10 أعوام ومستوى عال من الكفاءة المهنية ،  ناهيك عن أنه في حالة حدوث تجاوز " مهني " فإن النقابة تتخذ ما تراه مناسبا مع الجريدة والزميل الصحفي سواء من خلال الغرامات المالية أو لافت النظر أو الشطب من النقابة ولكن فى حالة الاعب الجديد في صناع المحتوى الرقمي " اليوتيوبر والمؤثرين " فمن هى الجهة المخول لها الإشراف على هذا المحتوى ومراجعته بعد بثه والتأكد من مهنية وسلامة ما يتضمنه من معلومات ، 90 % منها غير صحيح ومتضارب وغير موثق ،  وكلنا شاهد ويعلم ما يقدمه هؤلاء من ابتزال واستغلال للمشاعر الجنسية لدي الجهلاء من مستخدمي الإنترنت .

    ويكفي فقط أن تتابع بعض هؤلاء "اليوتيوبر والمؤثرين " في المجال الطبي على سبيل المثال ، وهو محتوى يمثل صحة مئات الملايين من مستخدمي الإنترنت ، لتجد كم من المعلومات المغلوطة والمتنافرة والمتضاربة بصورة مستفزة وغير منطقية بين كل منهم والغريب أن كل واحد منهم يؤكد أن ما يقدمه هو الصحيح وذلك بدون أن يقدم أي براهين او أبحاث  او حتى ما يثبت صحة من يبث من معلومات " خاطئة " يمكن ان تودي بحياة المئات من البشر ممن ساقهم حظهم العثر الى مشاهدة هؤلاء  .

    وبالتالى فان ضروة حصول هؤلاء " اليوتيوبر والمؤثرين " على شهادة معتمدة من جهة مسئولة ، وفقا للتخصص الذي يقدمه كل واحد منهم ، هو أمر لا مناص منه ويشكل مطلب رئيسي لا يمكن التغاضي عنه لأي سبب فكما لا يكفي أن يمتهن الإنسان مهنة الصحفي حتى يطلق عليه لقب صحفي إلا بعد الانضمام الى نقابة الصحفيين والحصول على شرعية مهنية لها ، وهو ما يحدث مع الإعلاميين أيضا ، يجب أن تكون هناك جهة تمنح هؤلاء " اليوتيوبر والمؤثرين " شهادة موثوقة بعد إجراء الاختبارات اللازمة للتأكد كم مستوى خبراتهم وقدراتهم الشخصية على تقديم محتوي رقمي احترافي لا يؤثر سلبا على مستخدمي الإنترنت .

    وأخيرا فيما يتعلق بالحديث عن المحور الثالث والخاص بالشق " الاجتماعي " فجميع وسائل الإعلام ملتنزمة بأن يكون المحتوي الرقمي الذي تقدمه يساهم في تطوير وتنمية المجتمع  وليس ضد الأعراف والتقاليد وثوابت هذا المجتمع ومع اقتصار الحديث عن الصحافة فهناك الكثير من الصحف والمجلات التي خرجت عن دورها الطبيعي وكأن مصيرها الإغلاق والشطب ، وبصرف النظر عما أدى إليه ذلك من فقدان المئات لوظائف والتأثير على الآلاف من الأسر والعائلات التي كانت مرتبطة بوجود هذه الصحف ، إلا أن القرار النهائي كان إعلاء مصلحة المجتمع وضرورة تقديم محتوى يساعد في تطوير المجتمع وليس هدمه وهنا نتساءل بكل وضوح هل المحتوى الذي يقدمه أكثر من 90 % من " اليوتيوبر والمؤثرين " يمكن ان يندرج حتى اسم محتوى هادف لتطوير المجتمع !

    والإجابة الواضحة والأكيدة وبدون أي مواربة هي لا وألف لا ,,, فهؤلاء يقدمون نموذج سيئ جدا لشبابنا الذي يريد أن يجتهد ويبني مستقبله المهني خطوة خطوة ويصعد إلى سلم النجاح باجتهاده وعمله وتنمية مهاراته الشخصية والمهنية وهنا أتذكر مداخلة أحد طلاب كلية الهندسة ، خلال فعاليات ندوة "الإبداع طريقك للنجاح" والتي تنظمها جريدة عالم رقمي في الجامعات المصرية ، انت حضرتك بتكلمنا على تنمية المهارات الرقمية والابتكار والإبداع والاجتهاد وفيه ناس جهلة بتحصل على الآلاف من الدولارات من عمل فيديوهات هايفة ومستوى هابط أو راقصة متصابية أو عاهر تتاجر بجسمها ..

    وفي الحقيقة لم أجد إجابة على هذه الشاب ، وهو محق ،  إلا القول إذا كنت تبحث عن الأموال فإن أمامك السرقة أو النصب والإضرار بمجتمعك أما إذا كنت تبحث عن قيمة إضافية لنفسك ولمجتمعك فإن عليك الاجتهاد والمثابرة وتطوير مهاراتك لتصل إلى النجاح الذي تريده وتساهم من خلاله في بناء مجتمعك.

    فتخيل أن هؤلاء " اليوتيوبر والمؤثرين " يجب مقارنتهم باللصوص والنصابين والدعارة وبائعات الهوى والراقصات حتى يمكننا إقناع شبابنا بأنه لا يصح إلا الصحيح وأن عليهم الثابت على مبادئهم ، الإنسانية والدينية ،  والتمسك بالفضيلة والاخلاق والاجتهاد والعمل بجد من اجل تحقيق النجاح في حياتهم العملية .

    في النهاية أؤكد أن تنظيم صناعة المحتوي الرقمي والسماح بدخول لاعب جديد  " اليوتيوبر والمؤثرين " بدون أي ضوابط قانونية أو مهنية أو مجتمعية  ، كما يتم مع باقي الأطراف العاملة في صناعة المحتوى الرقمي ، هو أمر في غاية الخطورة وإذا لم تتدارك أجهزة الدولة المصرية المعنية هذا الخطر وتتدخل بسرعة ، وعدم الاكتفاء فقط بالشق المالي من خلال دفع ضرائب ، ربما يضطر كل اللاعبين في هذه الصناعة ، تحت وطأة المنافسة غير العادلة ،  إلى محاكاة هذا اللاعب الجديد في تدهور مستوى المحتوى الرقمي والتركيز على" التريند" و" عدد المشاهدات"  ، لجني أرباح الإعلانات من شبكات التواصل الاجتماعي العالمية ، وعندها سنقضي على البقية الباقية من جودة وكفاءة صناعة المحتوى الرقمي المصرية والعربية وسيكون تأثير هذا المحتوى مدمرا لمستقبل شبابنا وأولادنا.  .

     

    للحديث بقية ...

     

    حمّل تطبيق Alamrakamy| عالم رقمي الآن