نبضات ملحمة انتصارات 6 أكتوبر .. والوحدة العربية

  •  

         بقلم : خالد حسن

     

    يؤكد الأنتصار التاريخى لقواتنا المسلحة المصرية فى حرب السادس من أكتوبر 1973 الموافق العاشر من رمضان  1393 ه، منذ 52 عاما ، أن النصر لا يمكن أن يأتى من فراغ وإنما لابد من التنسيق و تكاتف الجهود وتعظيم الاستفادة من كافة الإمكانيات سواء القوة البشرية أو التخطيط الاستراتيجى أو المعدات العسكرية أو الثروات الطبيعية وستظل تشكل هذه الحرب منعطفا متميزا ليس على المسار الجغرافى العربى فحسب وإنما على مسارات العمل الاقليمى والدولى اذ أنها كانت أكبر المشرعات العسكرية المعاصرة أمتلاكا للمفاجآت التى تعددت وتنوعت من آليات وأستثمار الزمان والمكان وأعظم تلك المفاجآت على الاطلاق كانت الانسان المصرى العربى الذى كانت أنجازاته وممارساته مفاجأة للأصدقاء قبل الاعداء .

    وفى كل عام يحتفل الشعب المصرى بصفه خاصة والأمة العربية بصفة عامة بذكرى أنتصارات أكتوبر 1973 .. هذه الانتصارات التى أعادت لمصر والامة العربية عزتها وكرامتها .. هذه الانتصارات التى كانت بداية لعهد جديد عهد السلام ... عهد السلام ، القائم على العدل وعودة الحقوق لاصحابها ، الذى أنتهجه العالم أجمع وأصبح اليوم منهجا عالميا أقرته المحافل الدولية وتمارسه المجتمعات الدولية ..

    وبالطبع تمثّل حرب العاشر من رمضان شكلاً من أشكال الوحدة والتضامن العربي، فى ظل ما قامت به العديد من الدول العربية من مساندة ودعم كل من مصر وسوريا سواء على المستوى العسكرى او الاقتصادي  لمواجهة العدوان "إسرائيل" والولايات المتحدة الأميركية والتى دخلت بكل قوتها وبدعم عسكرى واقتصادى وتكنولوجي " اللامحدود" ، لمساندة الاحتلال الاسرائيلى منذ 13 اكتوبر  1973 بل وقامت يتنظيم جسرٍ جوي لدعم جيش الاحتلال الإسرائيلي وبدأت بتعبئة الموارد المالية لمساعدتها، وفي خضمّ هذه الحرب، استخدمت القوات الأميركية مطارات دول أوروبية لنقل العتاد والوسائل اللوجستية الى اسرائيل .

    وعلى  المستوى العسكرى ، وفقا للمذكرات رئيس أركان القوّات المسلحة المصرية آنذاك، الفريق سعد الدين الشاذلي ،  في "مُذكرات حرب أكتوبر 1973" فان الكثير من الدول العربية ومنها العراق والجزائر والسعودية والكويت وتونس والسودان والمغرب والأردن وليبيا قدمت المساندة العسكرية لكل من مصر وسوريا ، سواء عبر إرسال الأسلحة أو الفرق العسكرية بمعداتها وأجهزتها أو الطائرات ، فيما يمكن وصفه بملحمة نموذجية عظيمة للتضامن والاتحاد العربي لاسترداد الأرض والحقوق العربية ، التى تم الاعتداء عليها واحتلالها فى عام 1967 ،ومكافحة الاحتلال الصهيونى والتأكيد أن الاتحاد العربي هو أفضل سلاح لمواجهة ودحر الطامعين في أرضه وفى ثرواته الطبيعية .

    وعلى المستوى المساندة الاقتصادية قدمت كل من السعودية والجزائر نحو 200 مليون دولار ، تكلفة شراء مصر وسوريا للاسلحة من الاتحاد السوفيتى وقتها ، كذلك قادت الدول العربية ، خاضة الاعضاء بمنظمة اوبك ، معركة تقليل انتاج ووقف تصدير النفط للدول التى تساند العدوان الاسرائيلي وهو ما كان ل تأثير قوى جدا على مواقف هذه الدول من دعم جيش الاحتلال الاسرائيلي بعد تكبدها خسائر مالية ضخمة جدا .

    من أقوال الشيخ زايد رئيس دولة الامارات ، رحمه الله ، في هذا المجال " إن دولتنا جزء من الأمة العربية يوجد بيننا الدين والتاريخ واللغة والآلام والآمال والمصير المشترك فالبترول العربي ليس أغلى من الدم العربى أما عن الملك فيصل ملك السعودية ، رحمه الله ،  فقد قال إن ما نقدمه هو أقل القليل مما تقدمه مصر وسوريا من تقديم أرواح جنودها في معارك الأمة المصيرية وأننا تعودنا على عيش الخيام ونحن على استعداد الرجوع إليها مرة أخرى وحرق آبار البترول بأيدينا وألا تصل إلى أعدائنا.

    فأمتنا العربية يجمعها وطن واحد ودين واحد ولغة واحدة وتاريخ مشترك وظهرت الوحدة العربية بشكل كبير في عدة مواقف ، أبرزها تعاونهم الرائع في مساندة مصر أثناء الحرب حتى استطاعوا أن يهزموا العدو "الذي لا يقهر" !! فقد قامت الدول بمنع تصدير البترول إلى الولايات المتحدة الأمريكية -التي كانت الحليف الأساسي لإسرائيل- ؛ فقد كانوا يعرفون جيداً أن الأمة العربية بينها آلام وآمال ومصير مشترك و أدركوا أن دم الإنسان العربي أغلى من البترول.

    أنا مصرى فخور بمصريتى لكنى أفخر أكثر بعروبتى ولكل العرب أن تفخر أن من أبنائها الرئيس البطل محمد أنور السادات فلا تغفلوا حقه كقائد لأعظم المعارك التى شهد التاريخ الحديث ،بين العرب بقيادة مصر وسوريا والعدوان الاسرائيلى ، فمصر لم تغفل دور العرب جميعا فى المعركة بدليل حرصها الدائم على التاكيد أن أحد نتائجها، وربما مقدماتها، أنها أعطت دليلاً راسخاً على ضرورة تضافر جهود العرب لمواجهة ما يهدد العرب برمتهم.

    ولا يفوتنا هنا الاقتباس ، من تقرير مركز الدراسات الاستراتيجية وتنمية القيم الوطنية ، في الذكرى الـ 52 لنصر أكتوبر المجيد، ينبغي أن نستلهم روح التعاون العربي المشترك في السلم والحرب. فمنذ اللحظة الأولى لحرب أكتوبر شاركت غالبية الدول العربية بالأموال والأسلحة والجنود على الجبهتين المصرية والسورية. لذا فإن السادس من أكتوبر هو يوم التضامن الحقيقي الذي شهد وقوف العرب صفًا واحدًا في مواجهة قوات الاحتلال الإسرائيلي، فما أحوجنا اليوم لروح أكتوبر.

    ولا شك أن التحولات والتحديات الخطيرة التي تمر بها الأمة العربية في هذه الآونة، تستوجب العودة للتعاون والتنسيق العربي الذي كان قائما أيام حرب أكتوبر المجيدة. ولأن مصر هي قائدة الأمة، وستظل كذلك، فينبغي عليها أن تجمع شتات البيت العربي من الخليج إلى المحيط، لنكون أمة قادرة على إحياء نهضتها واستعادة مجدها، بعدما اجتاح المصريون خط بارليف، ومحوا آثار هزيمة يونيو 1967م.

     

    فإن نصر أكتوبر 73 لم يكن بالأمر السهل الذي تحقق دون مجهود وعناء، بل إن القيادة المصرية عملت، فور وقوع النكسة ولفترة استمرت ست سنوات، على تدريب جيشها وإعادة بنائه وتسليحه، ثم التخطيط الجيد والمُحكم، لعبور خط بارليف الحصين الذي شاركت في بنائه أطراف أجنبية لحماية المستعمر الإسرائيلي. ولكن الجيش المصري تسلح بإيمانه بالله وعدالة قضيته، فانتصر على العدو وحطم حصونه ودفاعاته وأعاد لمصر كرامتها بعدما روى بدمائه الزكية تراب هذا الوطن العظيم.

    إن الذكرى السنوية لحرب السادس من أكتوبر، هي محطة تاريخية نتزود منها بالطاقة والأمل في صنع مستقبل أفضل لمصر الحبيبة ولأمتنا الكريمة. وبهذه المناسبة نتوجه بتحية شكر وعرفان إلى جيشنا الوطني الذي أعاد إلى الأمة العربية ثقتها بنفسها، وأثبت أن الجندي المصري قادر على صنع المستحيل، ما دام متمسكا بقيم البطولة والشهادة في سبيل إعلاء شأن الوطن والذود عن أرضه ومقدساته مهما كلفه ذلك من دماء وتضحيات. فتحية لأرواح شهدائنا الأبرار ولجيل أكتوبر العظيم، ولروح قائد الحرب والسلام، الرئيس الراحل محمد أنور السادات، وعاشت مصر حرة كريمة أبد الدهر.

    فى النهاية لا يسعنى الا الدعوة بالرحمة والمغفرة والعفو للرئيس البطل محمد انور السادات وكافة قادة وجنود وشهداء مصر والامة العربية ورؤوساء الدول العربية الذين وقفوا بجوارنا بشرف وامانة وكل من استشهد وأعز الله كل من شارك في تلك الحرب المجيدة التي تعلمنا أنه لا سبيل لكرامتنا كعرب مالم نتحد ونصبح على قلب رجل واحد ، وبغير ذلك فما نحن إلا شراذم لا يقيم لها أعداؤها وزنا والتاريخ يقدم لنا العظة والنماذج وما اشبه اليوم بالامس والحروب التى يشنها حاليا الاحتلال الاسرائيلي  على عدة دول عربية .

    وكل 6 أكتوبر وأنتم بخير .. وكل عربي فخور بعروبته وتحيا الوحدة العربية كأهم مطالب النصر على أعدائنا والطامعين فى منطقتنا ...

    حمّل تطبيق Alamrakamy| عالم رقمي الآن