رحلتى الى دبى (2)

  • بقلم ايمن صلاح

     

     

     

    استعرضت فى الأسبوع الماضى مدى التطور والتطوير الذى تشهده دولة الامارات وخاصة امارة دبى وذلك من خلال زيارتى القصيرة التى قمت بها لتلك الامارة الرائعة، وتطرقت أيضا لقواعد الحضارة الحديثة التى يبنيها الشعب الاماراتى المضياف الكريم ليس فقط عن طريق بناء الأبنية والحجر ولكن أيضا بناء العقول والبشر، ثم طرحت أمنياتى وآمالى أمام عيناى والتى تمثلت فى أن أرى مصر يوما من الأيام على نفس الدرجة من التحضر والالتزام وبنفس الوتيرة من التطور والتحديث، وكنت بذلك أعبر عن غبطتى للامارات حبا وعشقا لا حسدا وبغضا لا قدر الله. ولهذا كنت قد تساءلت "كيف نصل بمصر الى ما وصلت اليه الامارات؟!"، سؤال ربما لا يمكن الاجابة عليه فى بعض الآراء تقال أو قليل من السطور تسطر أو بعض الرؤى المتباينة تطرح، وانما أرى أن الاجابة على مثل هذا السؤال انما يحتاج الى دراسات عديدة ربما فى مجالات كثيرة لكى نصل بالفعل الى امكانية الوصول بمصر الى مصاف الدول المتحضرة ولن أقول الدول المتقدمة، فما يعنينى هنا أن نصل كشعب الى نكون متحضرين وهذه هى أولى الخطوات للوصول الى التقدم الذى ننشده، ومع ذلك وجدت أن أجتهد رؤية ما استطعت لأجيب على هذا التساؤل من وحى تجربتى الشخصية فى تلك الزيارة القصيرة.

     

     

     

    وبادىء ذى بدء .... لزم استحضار بعض المشاهدات التى لاقيتها خلال الزيارة والتى فرضت على مقارنتها بما يحدث فى بلادى حتى نستبين الفوارق والتى يمكننا من خلالها استنتاج ما يجب علينا عمله للوصول الى الهدف المنشود فى الاجابة على السؤال المطروح، ولكننى ان فعلت ذلك فربما احتاج الى عشرات المقالات لعقد تلك المقارنات وذلك لكثرة الاختلافات وعمقها بين ما يحدث هناك وما يحدث فى بلادى، وعليه فقد قررت أن أستعين بمثال واحد ربما يكون هو السبيل الى استيضاح الواقع ثم استنباط المأمول. المثال الذى وددت أن أسوقه هو المطار فى البلدين والذى يعتبر الواجهة المعبرة عند كل مسافر والعنوان الجلى لما سيلقاه السائح أو المستثمر أو الزائر فيما وراء هذا المطار.

     

     

     

    عندما وطأت قدماى أرض مطار دبى الذى يعتبر تحفة حضارية ومعمارية وأيضا تنظيمية، لم أجد الا كل سهولة ويسر وانشراح صدر فاجراءات الوصول لم تستغرق سوى دقائق معدودة حتى انى ظننت أن الوقت الذى قطعته من بوابة الطائرة حتى الوصول الى نقطة الجوازات سيرا على الأقدام أطول من الزمن الذى استغرقته لانهاء اجراءات القدوم فى الجوازات وتجميع الأمتعة ثم الخروج من المطار، وبذكر الخروج من المطار فهذه قصة أخرى وربما تكون هى مربط الفرس حيث أن الخروج من مطار دبى يذكرنى بالمقولة السياسية الدارجة "الخروج الآمن" فلقد كان الخروج من مطار دبى بالفعل خروجا آمنا فأنت وأمتعتك بمجرد الخروج من بوابة المطار بيسر وسهولة سوف تجد مباشرة وعلى بعد خطوات معدودة  اما السيارة التى بانتظارك أو سيارة الأجرة الفارهة التى سوف تصطحبك بسلام وأمان خارج محيط المطار دونما أى عائق. أما الوجه الآخر لهذه الرحلة فهى وصولى الى مطار القاهرة وهو وجه مغاير تماما فأول احساس انتابنى بمجرد دخولى المطار هو كأننى قد دخلت الى ساحة من المراحيض العامة فالتصميم والأرضيات والحوائط التى تم تصميمها لا تصلح الا لعمل حمامات عامة لا مطار واحدة من أكبر مدن العالم، بعدها والحق يقال لم تستغرق اجراءات الوصول فى الجوازات الا وقتا يسيرا، بعدها وجب على الذهاب الى حيث لملمة الحقائب ومن بعدها الخروج من حرم المطار، وهنا تبدأ المعاناة والتجربة المريرة التى تم فرضها على كل قادم مصريا كان أم أجنبيا فى محاولة عظيمة من المسئولين للتكفير عن سيئات المسافرين حتى يلاقوا ربهم فى يومهم الذى يوعدون كالغر المحجلين وقد محيت ذنوبهم ورفعت سيئاتهم ليدخلوا الجنة خالدين وأيضا داعين للمسئولين عن مطار القاهرة الذين كانوا سببا لدخولهم جنة نعيم.

     

     

     

    الخروج من مطار دبى كان خروجا آمنا بينما خروجى من مطار القاهرة كان محفوفا بكثير من المخاطر أغلبها صحية أو عصبية، فبعد حصولى على الأمتعة والحقائب وجب على الذهاب الى بوابة الخروج متمثلة فى نقطتى تفتيش فقط تخدم أكثر من خمسمائة مسافر قادمين عبر عدة رحلات مختلفة فى نفس توقيت الوصول فكان الطابور الواجب على الوقوف فيه طابورا طويلا جدا ما أنزل الله به من سلطان، وعند وصولى الى الموظف المسئول وسؤاله لى ان كنت أحمل أى شىء يستحق دفع رسوم جمركية واجابتى بالنفى، اكتشفت انه لابد أن أحمل كل حقائبى على كتفى من جديد لأضعها على جهاز كشف المعادن، وكأننى قادم من الصحراء لا من مطار دولة أخرى قامت بتفتيشى والكشف عن أمتعتى ربما أكثر قدرة وكفاءة مما يحدث هنا فى مطار القاهرة، ولا أدرى السبب وراء هذا الاجراء الذى تسبب لى فى متاعب عضلية وغضروفية لا قبل لى بتحملها، بعدها خرجت تاليا الشهادة وشاكرا الله عز وجل على نعمة الخروج من هذا الفخ والكمين اللا آدمى داعيا ربى الوصول الى منزلى سريعا، ولكن هيهات هيهات أن يحدث ذلك دون المزيد من المعاناة والآلام حيث وجدت أن دخول السيارات حتى الأجرة منها ممنوعا منعا باتا عند بوابات الوصول فكان على أن أسير بأمتعتى الموضوعة على حاملة للحقائب بعجلات الى حيث موقف السيارات لأبحث عن سيارة تصل بى الى المبتغى والهدف الأسمى فى تلك المعاناة وهو الوصول الى المنزل، أما عن تجربتى فى الوصول الى موقف السيارات البعيد كل البعد عن بوابة المطار آخذين فى الاعتبار ما أحمله من حقائب فلا تسل !!!!! فهى رحلة أشبه بعمل رجل الأكروبات فى السيرك القومى حيث أسير بتلك العربة ذات العجلات الأربع التى تحمل حقائبى على أرض غير ممهدة ذات حفرات كالكمائن التى تستهدف الحاق الكسور بقدميك، ثم على أن أمر بالعديد من الموانع الطبيعية أو الصناعية على تلك الأرض كلاعب اختراق الضاحية المدرب على أعلى درجات التدريب فالمنازل التى أسير فيها بتلك العربة حتى الوصول الى موقف السيارات ثم التفكير الابداعى الذى يجب أن أتحلى به حتى أتمكن من انزال تلك العربة من رصيف الموقف الذى يصل ارتفاعه الى عشرين سنتيمتر الى نهر الطريق يجب أن يسبقه دورة تدريبية لكل مسافر تجعله قادرا على التعامل مع تلك الظروف الحالكة السواد، وأقترح ألا يسافر أى مواطن مصرى ينوى العودة الى مطار القاهرة أو يحصل أى أجنبى ينوى زيارة القاهرة على تأشيرة الدخول الا بعد اجتياز تلك الدورة بتقدير جيد على الأقل. ناهيك عن المناظر المشؤومة التى تمر بها فى رحلة الخروج من حرم المطار حيث جبال الأتربة على الصفين والدخان وعوادم السيارات تحاصرك من كل حدب وصوب بينما كانت الورود والأزهار واللون الأخضر يرحبون بك على ضفتى الطريق حين الخروج من مطار دبى.

     

     

     

    هذا مجرد مثال وهذا هو الحال ويبقى مطروحا السؤال "كيف نصل بمصر الى ما وصلت اليه الامارات؟؟!!"، سؤال نحاول الرد عليه الأسبوع القادم ان شاء الله.

     

     



    حمّل تطبيق Alamrakamy| عالم رقمي الآن