خلق الفرص وتعزيز الإنتاجية في قطاع الخدمات

  • بقلم : داني رودريك

    أستاذ الاقتصاد السياسي الدولي في كلية «جون كينيدي» للعلوم الحكومية بجامعة هارفارد

     

    أصبحت الوظائف الجيدة أولوية قصوى في جميع بلدان العالم. ويؤكد صناع السياسات في الاقتصادات المتقدمة والنامية على حد سواء، الحاجة إلى خلق فرص عمل مرتفعة الأجر مع توفير الأمن الوظيفي والسلم المهني. وقد أوضحت العولمة والتغير التكنولوجي على نحو مؤلم أنه لا يمكن ترك هذه المهمة بالكامل للأسواق.

    وعندما يتحدث صُناع السياسات عن خلق فرص عمل جيدة، فإنهم يركزون عادة على عوامل مثل الحد الأدنى للأجور والمفاوضة الجماعية والاستثمار في المهارات. وعلى الرغم من أهمية هذه التدخلات، فإنها ليست كافية. ولا يمكن أن يزداد المعروض من الوظائف الجيدة إلا إذا أصبحت الوظائف التي يتم خلقها لتوزيع المهارات المنخفضة والمتوسطة أكثر إنتاجية، وهو ما يتيح أجوراً أعلى، ومزيداً من الاستقلالية، وآفاقاً وظيفية أكثر إشراقاً لمن يشغلونها.

    وعدا ذلك، فإن المُطالبة بأجور أعلى وظروف عمل أفضل يمكن أن يؤدي إلى حرمان العمال الأقل تعليماً من فرص العمل.

    وتشير فرنسا، التي تشهد معدلات بطالة مرتفعة للغاية بين الشباب، إلى هذا الواقع. ومع ذلك، هناك مشكلة أخرى تتمثل في أنه حتى عندما يتحدث صناع السياسات عن سياسات الصناعة والابتكار التي تستهدف على وجه التحديد زيادة الإنتاجية والتكنولوجيات الجديدة، يتم التعامل مع الوظائف الجيدة باعتبارها قضية جانبية.

    وفي الولايات المتحدة، تستهدف هذه السياسات التصنيع المتقدم مثل أشباه الموصلات والتقنيات الخضراء. وفي أوروبا، ينصب التركيز على الرقمنة إلى جانب التحول الأخضر.

    وفي كلا السياقين، يُفترض ببساطة أن تنشأ الوظائف الجيدة نتيجةً ثانوية لهذه البرامج، على الرغم من أن هذا ليس الغرض الأساسي منها. وفي الواقع، من غير المرجح أن تكون التقنيات الخضراء والتصنيع المتقدم مصدراً رئيسياً لخلق فرص العمل بالنسبة للعمال الذين يعانون نقص الخدمات في أسواق العمل الحالية. وبعد كل شيء، يوظف التصنيع أقل من واحد من كل عشرة عمال في الولايات المتحدة، وتشير تجربة البلدان الأخرى، حيث كان أداء التصنيع أفضل بكثير مثل ألمانيا وكوريا الجنوبية وتايوان إلى أن عكس اتجاه تراجع التصنيع في القوى العاملة أمر صعب للغاية؛ بل غير مسبوق في واقع الأمر. ونظراً لأن غالبية الوظائف المستقبلية ستأتي من قطاع الخدمات، فيتعين علينا أن نركز جهودنا على خلق وظائف منتجة للعمال الأقل حظاً في هذا القطاع.

    ولكن كيف يمكن تحسين الوظائف في مجال الرعاية طويلة الأمد؟ يقترح بول أوسترمان الخبير الاقتصادي في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا ثلاث استراتيجيات شاملة.

    أولاً، يمكن للحكومة فرض بعض المعايير مثل رفع الحد الأدنى للأجور.

    ثانياً، يمكن لصُناع السياسات زيادة معدلات سداد تكاليف برامج التأمين «ميديكيد» و«ميديكير» لخدمات الرعاية الصحية، على أمل أن يؤدي ذلك إلى زيادة معدل الأجور.

    وثالثاً، يمكن زيادة إنتاجية العاملين في مجال الرعاية المباشرة، ما يساعد نظام الرعاية طويلة الأجل على تلبية احتياجات المرضى بشكل أفضل وخفض التكاليف، ما يخلق المجال للحصول على تعويضات أفضل.

    في حين قد تكون الاستراتيجيات السابقة مفيدة إلى حد ما، فإن تعزيز الإنتاجية يُشكل في النهاية المصدر الأكثر موثوقية لخلق فرص عمل أفضل. وتحقيقاً لهذه الغاية، يقترح أوسترمان نهجاً مشابهاً للطريقة الرائدة التي يتبناها صناع السيارات في اليابان لنشر الابتكارات الجديدة في التصنيع.

    إن تعزيز الإنتاجية في مجال الخدمات أمر صعب للغاية، وغالباً ما تعيقه العديد من اللوائح المتعلقة بالتراخيص، وتدابير السلامة وغيرها. ولكن إذا فشلنا في إيجاد السبل الكفيلة بزيادة الإنتاجية في المهن المخصصة لعمالنا، فسننتهي باقتصاد «الوظائف السيئة» الأسوأ أداء والأقل شمولية.

    *)

     



    حمّل تطبيق Alamrakamy| عالم رقمي الآن