رأس الحكمة

  •  بقلم: ايمن صلاح

     

    وهب الله مصر دونا عن غيرها من مناطق العالم أجمع موارد طبيعية فى شتى بقاعها تعتبر هى الأجمل والأوفر حظا من حيث الفرص الاستثمارية نظرا لموقع مصر المتميز والذى يتوسط العالم ومناخها الملائم على مدار فصول السنة اضافة الى امتلاكها حضارة ضاربة فى أعماق التاريخ تتجسد فى وجود أكثر من ثلثى آثار العالم على أرضها، وللأسف الشديد لم تستطع الادارات المصرية على مدار تاريخ مصر استغلال أو تسويق هذه الموارد بالشكل الأمثل الذى يدر على مصر وشعبها العوائد الاقتصادية المنشودة، وربما يكون مشروع رأس الحكمة هو البداية الحقيقية لتغيير نهج الدولة المصرية وتطوير استراتيجيتها فى هذا المجال، ورأس الحكمة هى منطقة متاخمة للساحل الشمالى على ساحل البحر المتوسط وتوصف بأنها من أجمل بقاع الأرض، أما عن المشروع ذاته فهو شراكة استثمارية بين مصر والامارات لتحويل رأس الحكمة الى مشروع تنموى عمرانى ضخم يتضمن منشآت سياحية ومنطقة حرة للصناعات التكنولوجية الخفيفة، كما يتضمن حى المال والأعمال على مستوى عالمى، هذا اضافة الى انشاء مارينا سياحية عالمية ومطار جنوب مدينة رأس الحكمة لخدمة حركة السياح على مدار العام مستهدفا ثمانية ملايين سائحا سنويا.

    الشراكة المصرية الاماراتية فى هذا المشروع سوف تجلب لمصر اربعة وعشرين مليون دولار فى خلال شهرين من توقيع العقد وقد تسلمت مصر بالفعل الدفعة الأولى من هذه القيمة الاسبوع الماضى، اضافة الى أحد عشر مليون دولار من ودائع الامارات فى البنك المركزى ستتحول تلقائيا الى حصيلة مصر من النقد الأجنبى بسعر الصرف المعلن من البنك المركزى، أى أن مصر ستتمكن من الحصول على خمسة وثلاثين مليون دولار فى غضون شهرين فقط، أما عن المشروع ذاته فانه سوف يدر على مصر ما قيمته مائة وخمسين مليون دولار فى بضع السنين القادمة، اضافة الى 35% من أرباح المشروع سنويا عند انتهاء تنفيذ المشروع طبقا لما تنص عليه العقود الموقعة بين البلدين.

    وفى اعتقادى فان هذه الشراكة هى طوق النجاة لحل الأزمة الاقتصادية المتفاقمة وأن حصيلة النقد الأجنبى الآنية هى قبلة الحياة للفجوة النقدية الطاحنة التى تعانى منها مصر ولكنها فى الوقت نفسه ليست الحل الكامل أوالنهائى لأزمات مصر الاقتصادية ولكن يمكن اعتبارها النواة التى يمكن ان تبنى عليها الدولة المصرية الحل الاقتصادى الأمثل والدائم اذا احسنت الادارة المصرية استخدام الموارد المالية التى تم الحصول عليها من النقد الأجنبى واذا صححت المسار الاقتصادى كما أعلنت الحكومة المصرية منذ الاعلان الرسمى عن هذا المشروع.

    وفى ظنى أن من أهم أولويات المرحلة وأهدافها هو تقليل الفجوة فى سعر الصرف بين السعر المعلن من البنك المركزى وسعر الصرف فى السوق الموازية حتى نستطيع بالتدريج القضاء على السوق الموازية التى أتت بآثارها السلبية على مستوى الأسعار فى السوق المصرى، وهذا لن يتأتى الا باتباع سياسات نقدية رشيدة على مدار الشهور القادمة تأخذ بعين الاعتبار ضرورة توفير النقد الاجنبى بالبنوك لتسهيل عمليات الاستيراد خاصة للقطاعات الحيوية فى مجالات الطاقة والدواء والغذاء ومستلزمات الانتاج الصناعى والزراعى، وعلى سبيل المثال فان مصر تستورد سنويا بما قيمته مائة مليون دولار بينما يتوقف حجم التصدير عند بضع وثلاثين مليون دولار وهذه فجوة هائلة ربما أشار الرئيس اليها فى أحد أحاديثه موجها الى ضرورة الوصول بحجم التصدير الى مائة مليون دولار سنويا لسد الفجوة التمويلية، وهذا يعنى بالضرورة توجيه النظر والاهتمام الى توفير مستلزمات الانتاج الصناعى لهذا القطاع مع وضع الخطط العاجلة للوصول الى المستهدف التصديرى فى غضون عامين أو ثلاثة على أقصى تقدير، ونفس الحال ينطبق على مستلزمات الانتاج والتصنيع الزراعى مع وجود خطة تسويقية محترفة لترويج المنتجات المصرية فى الخارج.

    كما أنه يجب الاشارة الى أن ضبط السوق النقدى سوف يؤدى لا محالة الى استعادة ثقة العاملين بالخارج لتحويل مدخراتهم من العملة الأجنبية من خلال القنوات الشرعية المصرفية المصرية التى فقدت أكثر من ثلث المستهدف من تلك التحويلات العام الماضى.

    ان الشراكة المصرية الاماراتية فى هذا المشروع سوف تضفى ثقة ودعما للمفاوض المصرى مع صندوق النقد الدولى لتحسين شروط الحصول على حصيلة نقدية جديدة ربما تساعد فى علاج التشوه الاقتصادى والنقدى الحالى، وايضا مع الاتحاد الأوروبى فى اعلان الشراكة الاستثمارية المزعم اعلانها لضخ استثمارات أجنبية مباشرة فى السوق المصرى سوف تساعد على نمو مطرد فى معدلات النمو فى الموازنة العامة للدولة.

    يجب أيضا ألا نغفل أن هذا المشروع سوف يوفر مئات الآلاف من فرص العمل سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة مما يوفر دورة اقتصادية صحية وسليمة بالأسواق تعود بالنفع على المنتج والمستهلك على حد سواء.

    ان ما أنجزته الحكومة المصرية فى مشروع رأس الحكمة هو قطعا رأس الحكمة.

     

    حمّل تطبيق Alamrakamy| عالم رقمي الآن