بقلم : د . ياسر بهاء
بنهاية أي عام نجد العديد من المقالات والفيديوهات والدورات التي تتحدث عن أهمية التخطيط وتحديد الأهداف، فهل هناك حاجة لتحديد الأهداف؟
عندما أتحدث عن تحديد الأهداف وأهميتها على المستوى الفردي أجد العديد ممن يسخرون من تلك الممارسة بحجة أن كل ما يحدث لهم هو خارج سيطرتهم من ظروف العمل والدولة والمرور والزملاء والمديرين والضرائب والأحوال الجوية وغيرها مما يستحيل التخطيط لإحداث تغيير فيه ومنطقياً أتفق معهم – من هذا المنظور – اتفاقاً لا جدال فيه ولكن يطفو دائماً على السطح السؤال التالي (إن كانت كل تلك الظروف هي إجبارية على الجميع، فهل هناك من تغلب عليها أو على بعض منها وتخطاها وحقق بعض الإنجازات البسيطة؟) فتكون الإجابة إما "نعم" أو "الحظ" فيكون السؤال التالي "إن كان الحظ فإنه يأتي غالباً للجميع ولكن فقط من يغتنم الفرصة – التي قد تمر مرور الكرام على العديد من الناس – هو المحظوظ فإن تعريف الحظ كما قيل في بعض الأدبيات أنه يحدث عندما تجتمع الفرصة والجاهزية وبالتالي ستكون محظوظاً عندما تأتيك الفرصة ولكن لابد أن تكون مستعداً لها قبل أن تأتيك، فهل تستطيع تغيير ردة فعلك ومفهومك تجاه تلك الظروف السابقة؟" فتكون الإجابة غالباً "نعم" فمن يعتقد أنه أيضاً ليس لديه السيطرة على ردة فعله تجاه ما يحدث حوله، لن يصل لأبعد مما تصل إليه قدميه فهو دائماً لا ينظر لحياته أبعد من سنتيمترات قليلة، فلا تكن منهم.
هل وضع الأهداف هو ممارسة استثنائية وتنحصر فقط في الأمور الحياتية المستقبلية؟ بالطبع لا فإننا نضع دائماً أهداف يومية وأسبوعية وشهرية وسنوية ولكن بدون الوعي الكامل أنها كذلك فكل منا لديه بعض المهام اليومية ويعلم ما سيقوم به في نهاية الأسبوع من استرخاء أو متعة أو الذهاب إلى الأقارب وغيرها مما يرتبط بعطلة نهاية الأسبوع وأيضاً نعلم ما هي الالتزامات الشهرية التي يجب الوفاء بها عند استلام المرتب الشهري ولدينا توقع مسبق لقضاء العطلة السنوية أو تجهيز المصاريف الدراسية للأولاد أو التفكير في الملابس الشتوية أو الصيفية. إذا وضع الأهداف ليس بالشيء الغريب أو غير المتعارف عليه، ولكن هل ترتقي الحياة لمستويات أفضل إذا ما كان هذا فقط ما نضع له أهداف في أيام وأسابيع وشهور وسنين حياة كل منا؟
دعني أسألك، ما هو العنصر الأساسي في الحياة؟ نعم إنه "الوقت" ومدى الاستفادة منه هو ما يُحِدث الفارق في حياة البشر فغالباً ما يكون لديك العديد من الخيارات لتقضي فيها وقتك فيمكنك تعلم مهارة جديدة أو تشاهد أحد الأفلام، وقد يمكنك قراءة كتاب أو تصفح مواقع التواصل الاجتماعي، وقد تقضي بعض الوقت مع أولادك أو مع أصدقائك في المقهى. فإن لم يكن لديك رؤية واضحة وهدف تسعى لتحقيقه فإن الاختيارات الأسهل والمحببة إلى النفس بغض النظر عن تأثيرها في المستقبل ستكون ذات الأولوية في كل أيامك.
وحتى نضع الأمور في نصابها، فإن السعي لتحقيق الأهداف المهمة في الحياة سيكون شاقاً وبالتالي ستكون الاختيارات أيضاً صعبة وتحتاج إلى رؤية وإرادة والتزام ولكن هذا لا يعني أن نتجنبه فكما قال عمر بن عبد العزيز "لو أن الناس كلما استصعبوا أمراً تركوه، ما قام للناس دنيا ولا دين".
وقبل الانتهاء من المقال فإنه عند الحديث عن أهمية تحديد الأهداف لا يمكن تجاهل أهمية المحاسبة والمراجعة المستمرة لأنه من السهل تحديد مجموعة من الأهداف في لحظة حماس ولكن بعد فترة يفتر الحماس وننخرط في الأمور اليومية كسابق العهد ونقبع في منطقة ردة الفعل لكل الأحداث الخارجية وبالتالي فإن الرجوع الدوري والمستمر لما تم تحقيقه في سبيل الوصول إلى الأهداف المخطط لها هو جزء لا يتجزأ من عملية وضع الأهداف والتخطيط لتحقيقها بكفاءة وفاعلية. وحيث أن هذه الأيام هي أيام معروفة بتحديد الأهداف فما عليك سوى استرجاع إنجازات العام الحالي ووضع أهداف العام التالي واجعل ديدنك الوصول للأعالي.
وأخيراً ليس من الإنصاف تجاه أنفسنا أن نهتم بوضع أهداف لرحلة إلى أحد الملاهي المائية ولا نضع أهداف لحياتنا! وعندما أجد أن الرد الشائع لعدم وضع الأهداف هو مدى سوء الظروف المحيطة أجد أن ذلك هو أغبى رد يمكن أن أحصل عليه فإن هذا السبب هو الأدعى لوضع الأهداف فمن يعمل في ظروف بيئية صحية ويحيا في حرية مالية ولا يواجه أي أعباء هو فقط من له الحق – أحياناً – في أن يكون رده "لما أضع أهداف وكل شيء يحدث لي كما أريد، فلا داعي للأهداف" فالحياة في وضع صعب هو أدعى لتحديد الأهداف وليس العكس!
وأختم المقال بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "نعمتان مغبونٌ فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ" فاجعل وقتك لك لا عليك.
تمنياتي بعام جديد ليله أمان وسعي بالنهار؛ مليء بالإنجازات والسعادة والازدهار.